ملفات

نيللي وسهير القلماوي الأكثر تأثيرًا على المصريين والعرب (بقلم: د. نهاد إبراهيم)

ظهرت في يوم السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي لعام 2021 الطبعة الأولى من كتاب حديث مهم لكل محبي الفنون والثقافة والعلوم، ويدور عن أكثر السيدات تأثيرا في مجتمعهن وعلى مستوى الشرق الأوسط كاملا بدءا من الحضارة المصرية القديمة وحتى هذه اللحظة الراهنة.

 

 

    يحمل هذا الكتاب المكتوب باللغة الإنجليزية عنوان: “Female Pioneers from Ancient Egypt and the Middle East/ السيدات الرائدات من مصر القديمة والشرق الأوسط”. اشترك في تأليفه مجموعة من الكتاب والباحثين من جنسيات مختلفة فى تخصصات متنوعة أثمر فى النهاية اثنى عشر فصلا، تبلغ عدد صفحاته في النسخة الورقية 215 صفحة، بينما تصل صفحاته في النسخة الإلكترونية إلى ثلاثمائة وإحدى وسبعين صفحة.

 

صدر الكتاب عن دار نشر “سبرنجر/Springer” المرموقة والتي تحتل المرتبة الثانية بين دور النشر العلمية فى العالم، وإنه لشرف كبير لأى كاتب أو باحث أن ينشر فيها ولو كلمات قليلة.. كما أن كل ما يُنشر هناك يعتبر بحثا من أفضل الكتب والمقالات والدراسات والأبحاث التي كُتبت، ومنها يترقى الأكاديمى مباشرة إلى الدرجة الأعلى حيث لا يوجد أى جهة علمية تحكيمبة محلية أو دولية تقول كلمتها بعد دار نشر “سبرنجر”، التى تعتبر موافقتها على النشر صكا مختوما للمادة العلمية المكتوبة المبنية على البحث العلمى التحليلى الموضوعى للدوافع والحقائق والأهداف.

أما لينك الكتاب على الإنترنت لمن يريد تصفح بعض محتوياته وكافة المعلومات عنه حتى لا يضل طريقه فى موقع دار النشر المزدحم جدا فهو: www.springer.com/gp/book/9789811614125

    يُباع الكتاب كنسخة ورقية وكنسخة إليكترونية على موقع دار النشر مباشرة. وتتيح “سبرنجر” ميزة هامة ومرنة تماما لكل المهتمين بقراءة هذا الكتاب وهى طرح إمكانيتين لشراء النسخة الإليكترونية، إما شراء الكتاب كاملا ويتم تحميله بعد ثوان قليلة فى صيغة PDF، أو اختيار فصل واحد أوأكثر فقط لشراء ما يهم من الصفحات دون غيرها وبنفس الصيغة السابقة. كما يُباع الكتاب ورقيا وإليكترونيا على موقع “أمازون” فى الدول المختلفة، لكنه حتى الآن لم يُطرح على موقع “أمازون مصر” حديث العهد. هذا بالإضافة إلى منافذ البيع التى تتعامل مع إصدارات دار النشر الدولية على مستوى العالم أجمع، حيث يتم توزيع النسخ الورقية بالتدريج طبقالخطة التسويق حسب القارات وخريطة البلاد.

    برغم صدور الكتاب منذ وقت قصير، فإنه يحقق مبيعات قوية دوليا على مستوى تحميل الكتاب إليكترونيا بشكل كامل،وكذلك على مستوى اختيار تحميل فصلى “نيللى” ود. “سهير القلماوى” وحدهما.

وبما أننى أجمع فى تخصصى العلمى بين النقد المسرحى والسينمائى والأدبى، فقد تكلفت مسؤولية تأليف فصلين من هذا الكتاب..منأبعد نقطة فى أعماق روح مصر الحقيقية المشرقة القائمة على الحضارة والإبداع والإعجاز والفنون والإنسانية،وقع الاختيار فى الفصل السادس المخصص للدراسة التحليلية النقدية عن الفنعلى الفنانة المصرية “نيللى” كأكثر الفنانات تأثيرا على المجتمع المصرى وعلى الشرق الأوسط بأكمله فى فن التمثيل وفى فنون الاستعراض منذ نشأة الفن المصرى وحتى الآن. يحتوى الفصل على خمس وعشرين صفحة مُطعم بالصور المتنوعة.

نيللي:

يحمل الفصل السادس عنوان:”نيللى: الهرم الخالد فى التمثيل  والأعمال الاستعراضية السينمائية والمسرحية والتليفزيونية فى مصر والشرق الأوسط”. يشير العنوان بكل دقة ووضوح ومن أقصر طريق إلى مكانة الفنانة المصرية “نيللى” الفنية شديدة التفرد بكل المقاييس العلمية، بعيدا عن الانطباعات الوهمية والفتاوى المتعثرة لغير المتخصصين ومصالح المنتفعين والشللية وتضليل بعض الإعلام الممنهج لتوجيه المتلقى توجيها خاطئا تماما بفعل الإلحاح المتواصل وتغييب وعيه.

 

    إذا كانت “فيروز” هى الطفلة المعجزة الصغيرة فإن “نيللى” هى المعجزة الكبيرة، ليس فى فنون الاستعراض وحدها طبقا للنظرة القاصرة السائدة بالإكراه، وإنما فى فن التمثيل من قبل الاستعراض وهذا ما يتم تغافله باستمرار عن عدم تخصص أو عن عمد. والنتيجة فى الحالتين واحدة، وهى التعدى على كامل قيمتها الفنية الحقيقية التى لم يأت مثلها على مر تاريخ الفن المصرى. ركز الفصل السادس على بعض النقاط الهامة المتصلة للتعامل مع إبداعات”نيللى” المتوالية عبر كافة الوسائط الفنية من سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة دون ترتيب، استثمارا لمواهبها التى إذا تعاملنا معها بمنطق الكم الذى يميل إليه البعض رغم عدم عدالته أحيانا كثيرة سنجدها أكثر من عدد أصابع اليدين الاثنتين.

 

أما منهج الكيف الأمين الذى لا يحب ولا يكره ويتعامل مع الفن الراقى كقيمة تمثله الأشخاص وليس العكس، فيجزم أن كل موهبة من مواهب “نيللى” المتعددة كفيلة وحدها بوضعها فى مكانة الريادة. أما اجتماعها وكيفية استثمارها لها طوال العمر بكل تركيز ومن خلال قرارات فنية،وتضحيات فهذا ما يجعلها معجزة فنية يُؤرخ العصر بوجودها وليس العكس، وهذه هى المكانة الحقيقية للمعجزات الفنية فى كل مكان وزمان.

إن “فيروز” ليست مجرد طفلة “لمضة” تجيد الرقص، فالمسألة أعقد من ذلك بكثير كما جاء فى تحليل الفصل السادس بأقل القليل بسبب قيود المساحة سامحها الله! إن “نيللى” ليست مجرد ممثلة تجيد الرقص يُختزل كل وجودها بكل استسهال وسذاجة فى فيلم “العذاب امرأة”، ومعه أقل القليل من عدد ضخم من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية. ولا هى تُختصر عنوة فى كلمة “الفوازير” رغم كل إبداعها بمخرجيها المختلفين سنوات طويلة. فقبل “الفوازير” كانت هى “نيللى” وبعد فيلم “العذاب امرأة” مازالت هى “نيللى”.. لو كانت تُجتزأ فى هذين العملين لأصبحت فنانة قوية نعم، لكن سيطويها النسيان حتى وهى تعمل، لكنها لن تحتل مقعد المعجزة الخالدة..

كيف إذن نتعامل مع “نيللd”؟

نتعامل معها بمنطق “التقهقهر الإجبارى إلى الخلف خطوات إلى الوراء”.. بمعنى أولا: عدم الانخداع بالسهولة الشديدة التى تظهرها “نيللى” فى التعامل مع مواهبها، سواء بالإعداد وبالتطوير ثم التجسيد أمام الجمهور صوتا وصورة. فهذه البساطة لا وجود لها على الإطلاق! إنها ليست الحقيقة وإنما هو أسلوبها فى التعبير عن الحقيقة.. مجرد غلاف رقيق من الذكاء الحاد تتواصل به مع كل من حولها ومع جمهورها، الذى إن لم يدرك هذه الحقيقة فهو يحسها جيدا، حتى لو لم ينجح فى ترجمتها إلى كلمات واضحة. إن “نيللى” وجمهورها بكافة طبقاته وأعماره وتوجهاته يفهمان بعضهما البعض جدا فوق ما يتصور أى شخص.

 

ثانيا: نتقهقر خطوة أخرى إلى الوراء ونتخلى ولو مؤقتا عن فتنة جمالها الخارجى.. فهى كانت ومازالت مصنفة واحدة من أجمل جميلات الفن المصرى بلا منازع. لكن ماذا يفعل الجمال وحده؟؟ ماذا ستجنى من الصورة وأنت لا تعرف الأصل؟؟ الجمال ليس منتهى الصورة بل أولها، إنه انعكاس يقينى لأسرار الروح وقوة ومصداقية دائرة حياتية كاملة لآليات قدررات ونفوذ العقل والقلب والجسد.

 

    ليس بوسعى الاستفاضة أكثر من ذلك لا فى النقطة الأولى ولا الثانية، ولا مجال لاستعراض ملامح الفصل السادس بأكمله. لكن طالما بدأنا نقطة الجمال فلنكملها بأقل الكلمات. إن جمال الوجه ولغة الجسد هما أقرب نقطة أمام العين المجردة للتطلع أو حتى للانجذاب إلى فترينة العرض الظاهرة أمامنا، بينما الحقيقة أنهما يحتلان المرتبة الأخيرة إذا جاء دورهما فى تحليل الكاريزما.

 

    إن أول خطوة فى سر قوة وبقاء كاريزما “نيللى” الحقيقية تكمن فى المجموع الكلى لصهر مفردات الإنسانة والفنانة “كلها على بعضها”كحالة شديدة التفرد فى قيمتها كمعجزة فنية، بشرط أن تسير فى استقبالها والتعامل معها طبقا للاتجاه الصحيح من الداخل إلى الخارج وليس العكس أبدا.. وإذا صممت على السير فى الاتجاه العكسى فلن تجنى إلا نتيجة إجبارية واحدة، وهو أنك ستخسرها إلى الأبد..

د. سهير القلماوى:

والآن نصل إلى اختيار الدكتورة المصرية الجليلة “سهير القلماوى”لتكون محل تركيز الفصل السابع،بوصفها رائدة تشكيل الوعى الثقافى كأكثر الشخصيات النسائية تأثيرا فى المجتمعين المصرى والعربى طبقا لمفردات الدراسة التحليلية النقدية المطروحة. تصل صفحات هذا الفصل إلى أربع عشرة صفحة مدمجة بالصور، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك حدا أقصى مسموح لكل مؤلف وإلا كانت الصفحات زادتكثيرا عن الشخصيتين المختارتين وهما تستحقان ذلك وأكثر..

لهذا كان من المنطقى أن يأتى عنوان الفصل على النحو التالى: “سهير القلماوى: أيقونة تعليمية مصرية رسمت صورة النهضة الثقافية العربية على مر القرن العشرين”. الحديث عن تحليل مكانة د. “سهير” شرحه يطول، مع ذلك سأقتصر هنا على التركيز على ركنين. الأول: فكرة واحدة عظيمة قدمتها يوما ما د. “سهير”إلى وزير الثقافة الفنان “ثروت عكاشة” ووافق عليها، ومازالت سببا فى تعليم عهود وعصور، وهى فكرة إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب والذى احتفل عام 2019 بيوبيله الذهبى، وكرّم الاثنين باختيارهما رمز احتفالية المعرض فى عامه الخاص جدا.

الثانى: فضل الباحثة العنيدة المجتهدة جدا فى رسالتها للحصول على درجة الدكتوراة، لتصحيح أوضاع رؤية العالم أجمع إلى الموروث الشعبى لكتاب “ألف ليلة وليلة”، بعدما كان مجرد حكايات للتسلية العذبة والفجة عند الجميع.

    وبفضل “ألف ليلة وليلة” التقيت مع د. “سهير” سنوات من عمرى مع أننى فى الحقيقة لم أقابلها وجها لوجه أبدا. لقد أخذت دورى مثل العالم أجمع فى الاعتراف بفضلها فى ضرورة التحليل النقدى العلمى لموروث “ألف ليلة وليلة”، ومعه حصلت على درجة الماجستير عام 2001 فى المعهد العالى للنقد الفنى فى رسالة عنوانها:”شخصية شهرزاد فى الأدب المصرى المعاصر – دراسة تحليلية”. ومع “ألف ليلة وليلة” تم نشر رسالة الماجستير فى كتاب بعنوان “شهرزاد فى الأدب المصرى المعاصر” إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة 2005. وعشت معها أيضا فى كتابى “استلهام شخصية شهرزاد فى السينما المصرية” إصدارات المجلس الأعلى للثقافة 2017، وأخيرا فى الطبعة الثانية من كتاب رسالة الماجستير عام 2019  .

ربما يتفق أو يختلف المثقفون بخصوص بعض آراء د. “سهير القلماوى”، وهذا أمر صحى تماما طالما هو قائم على وجهة نظر لها وجاهتها، وليس الموافقة لمجرد التعاطف أو الاعتراض لمجرد الظهور. كما أنه أمر متحضر طالما كان فى حدود الأدب وآليات العلم، دون إهدار الوقت وملء الصفحات للصعود على أكتاف شهرة هذه السيدة العملاقة. يتفقون ويختلفون وتظل د. “سهير القلماوى” سيدة صادقة ذات وجه واحد لها آراءها وتوجهاتها وقناعاتها ومنهجها العقلى الواضح الجاد المتفرغ للعلم، الذى سخرته لخدمة بلادها وكذلك المجتمع العربى بأكمله، اللذين سيحفظان لها فناء عمرها فى تحصيل العلم وتنوير أجيال وراء أجيال إلى الأبد.

   لم يكن من الممكن لأي من المناهج العلمية تجاهل شخصية مثل “أم كلثوم” ومثل الملكة المصرية الجميلة الغامضة “نفرتيتى”، فقد تم تناولهما ضمن فصول الكتاب من مؤلفيهم قدر المستطاع، وليس أدل على مكانتهما من اختيار صورتيهما لوضعهما على غلاف الكتاب، فى دلالة على قيمة الحضارة المصرية القديمة وإعجاز الفنانين المصريين فى العصور الحديثة على حد سواء.

    الناقد الفنى الموهوب الدارس القوى فى تخصصه أبدا لا يبخس الفنان حقه ولا يبالغ فى تقديره، لأنه فى الحالتين يتخلى عن ضميره ويضر الفنان، وبالتالى يضر المتلقى ضررا بالغا على المدى القريب والبعيد. إنه يبنى رؤيته العلمية على ما يرى أو يسمع من الأعمال الفنية فقط، مقدما الدوافع والنتائج الظاهرة والمستترة فى البعد الثانى ثم الثالث من الصورة الذهنية التحليلية ولا شىء غير ذلك.

الكلمة أمانة وعلم والتزام ورؤية فقط لمن يعرف قيمتها.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى