إن المرحلة الحالية من تطور الحضارة الحديثة باستنزاف الموارد الطبيعة للأرض وإحداث التلوث، والشرط الأساسي للقدرة على الاستمرار الفيزيقي هو التحول نحو الاقتصاد الأخضر كمفهوم عالمي جديد.
ويتطلب تحقيق هذا التحول مجموعة جديدة من المداخل لتربية وتعليم الأجيال الناشئة، فضلا عن التنمية المعرفية والمهنية للناس في سنوات عمرهم، وتنسيق وتحويل نظم التعليم والبرامج والمناهج من المركزية الأنثروبولوجية إلى مركزية بيئية.
ويُنظر إلى الاقتصاد الأخضر كاقتصاد يقل فيه انبعاثات الكربون، وتزداد كفاءة الموارد، ويقلل من المخاطر البيئية، وينتج عنه تحسين في رفاهية الإنسان والمساواه الاجتماعية ويستوعب جميع الفئات الاجتماعية.
لقد بدأ الإنسان عصر التنمية بمعدلات بطيئة حيث كان عدد السكان مازال قليلاً، فلم تحدث مشكلات بيئية تُذكر، ولكن مع تزايد أعداد السكان في العالم وتلبية للاحتياجات المتزايدة للإنسان زادت معدلات التنمية بدرجة كبيرة، وشهد العالم ثورة صناعية أنتجت العديد من المنتجات. وقد أدى ذلك إلى تراكم كميات هائلة من المخلفات أضرت بعناصر البيئة. فتلوث الهواء من جراء تصاعد كميات كبيرة من الغازات تنبىء بتغيرات فى المناخ، وتلوث للماء والتربة، وتدهور في النظم البيئية، واستنزاف لكثير من الموارد الطبيعية، كما انقرضت أنواع متعددة ممن المملكة النباتية والحيوانية مسببه خسارة فى التنوع البيولوجي.
وحيث أن الإنسان يعيش في ظل عناصر البيئة بشكل أساسي ولا يستطيع أن يستغنى عن أى منها، وحيث أن هذه العناصر قد أصابها الخلل، فقد حدثت أضرارا ومشكلات عديدة بصحة الإنسان. واتضح بعد عقود عدة أن نمط التنمية التى سار عليها الإنسان كان نمطاً غير مناسباً، حيث تم تجاهل البيئة وعناصرها ونظمها وتوازنها واستدامة مواردها، ما يهدد معه مسيرة الإنسان على كوكب الأرض، وفي ظل ذلك سارع الإنسان بالتفكير لإيجاد حلول من خلال انعقاد لمؤتمرات عالمية وإقليمية، وساقه التفكير إلى مسارات متعددة كان منها التوجه إلى ما عُرف بالاقتصاد الأخضر ليعبر عن مفهوم جديد لعلاقه الترابط بين البعد الاقتصادى والبعد البيئي، وليفسح المجال لحشد الدعم لتحقيق التنمية بمفهومها المستدام ويكرس التكامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
لقد ظهر مفهوم الاقتصاد الأخضر استجابة للأزمات المتعددة، وهو يسعى إلى تحويل المحركات المدافعة للنمو الاقتصادى، ويدعو إلى نقل المجالات التى تركز عليها الاستثمارت – العامة والخاصة، والمحلية والدولية- صوب القطاعات الخضراء الناشئة، وإلى خضرنة القطاعات القائمة وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة.. وينتظر أن يُولد هذا التحول النمو الاقتصادي المستمر اللازم لإيجاد فرص العمل والحد من الفقر، إلى جانب تقليل كثافة استخدام الطاقة واستهلاك الموارد وإنتاجها، وذلك لما يتميز به الاقتصاد الأخضر من خصائص تمكنه من تحقيق ذلك.
ويحظى الاقتصاد الأخضر باهتمام الأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها العاملة فى مجال البيئة والتنمية كنموذج جديد من نماذج التنمية الاقتصادية سريعة النمو، والذى أساسه يقوم على المعرفة للاقتصاديات البيئية والتى تهدف إلى معالجة العلاقة المتبادلة بين الاقتصاديات الإنسانية والنظام البيئى الطبيعى، والأثر العكسى للنشاطات الإنسانية على التغير المناخي، والاحتباس الحراري، وهو يناقض نموذج ما يعرف بالاقتصاد الأسود والذى أساسه يقوم على الوقود الأحفورى (الفحم، والبترول، والغاز الطبيعي). فالاقتصاد الأخضر يحتوى على الطاقة الخضراء والتى توليدها يقوم على أساس الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفورى، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، بالإضافة إلى أهمية نموذج الاقتصاد الأخضر فى خلق ما يُعرف بفرص العمل الخضراء، وضمان النمو الاقتصادى المستدام والحقيقى، ومنع التلوث البيئي، والاحتباس الحرارى، واستنزاف الموارد، والتراجع البيئي، فهو نظام لا يمكن الوصول منه إلى الثراء المادى على حساب تنامى المخاطر البيئية والفوارق الاجتماعية.
فوائد وأهمية الاقتصاد الأخضر
إن للاقتصاد الأخضر أهمية كبيرة وواضحة في الحفاظ على البيئة، فإنه يعمل على تحقيق التنمية المستدامة التى تؤدى إلى تمكين العدالة الاجتماعية مع العناية فى الوقت ذاته بالرخاء الاقتصادى، وذلك من خلال تبنى مشروعات تعنى بالاستدامة، مثل الإنتاج النظيف، والطاقة المتجددة، والاستهلاك الرشيد، والزراعة العضوية، وتدوير المخلفات، مع التقليل من انبعاثات الغازات الضارة (الكربون)، واستبدال الوقود الأحفورى، وارتفاع معدلات العمالة، ومعدلات النمو الاقتصادى، وزيادة الدخل للأسرة الفقيرة، والعمل على تقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
ويهدف الاقتصاد الأخضر إلى الربط بين متطلبات تحقيق التنمية بشتى أنواعها (بما فيها التنمية البشرية) وبين حماية البيئة، فله القدرة على إدارة الموارد الطبيعية على نحو مستدام، وتقليل الهدر، والحد من الآثار السلبية للتنمية على البيئة. كما يهدف إلى تحقيق إزدهار اقتصادي وأمن اجتماعي، ويتمثل هذان الهدفان فى الوصول إلى ما هو مراد من التنمية الاقتصادية التى لا تطغى على موارد البيئة وإيجاد وظائف للفقراء كتحقيق المساواة الاجتماعية.
خصائص التعلم من أجل الاقتصاد الأخضر
التعلم من أجل الاقتصاد الأخضر يجب أن يكون متسماً بأنه تعليم: متداخل وعبر تخصصات مختلفة – يركز على المتعلم- تعاوني ومنظومي- تجريبي- شامل- مرن – ملائم وفق الظروف المحلية – موجهاً نحو المستقبل – يعمل على التنسيق بين البيئة والاقتصاد – يركز على الأخلاق والقيم.
وفي مجال المفاهيم المرتبطة بالاقتصاد الأخضر أشار د. عبد المسيح إلى العديد منها وهى كما يلي:
– الاستثمارات الخضراء: وهي الاستثمارات العامة والخاصة التى تُستخدم فى الأنشطة الاقتصادية، المجالات والقطاعات (الزراعة، والنقل، والمياه، والطاقة، وإدارة المخلفات، والبناء، والسياحة، والصرف الصحى .. الخ)، التي تقلل من إنبعاث الكربون والتلوث، وتزيد من كفاءة استهلاك الموارد والطاقة، وتمنع خسارة خدمات التنوع البيولوجي، والنظام الإلكولوجى، وينتج عن كل ذلك نمو فى الدخل وفرص العمل تُسمى بـ(الوظائف الخضراء)، تحتاج هذه الاستثمارات للتحفيز والدعم عن طريق الإنفاق العام الموجه، وإصلاحات السياسات، وتغيير اللوائح.
– الوظائف الخضراء: وهي تلك الوظائف التي تقدم المنتجات والخدمات التى تستخدم مصادر الطاقة المتجددة، والحد من التلوث، والحفاظ على الطاقة والموارد الطبيعية، وإعادة النفايات. فهي نوع جديد من الوظائف التى تؤدى دوراً فى خضرنة المنشآت والاقتصاد ظهرت نتيجة التحول إلى اقتصاد مستدام بيئياً (الاقتصاد الأخضر). وهي أيضاً أى وظيفة لائقة تُسهم في المحافظة على نوعية البيئة أو استرجاعها، سواء في الزراعة، والصناعة، والخدمات، والإدارة. وهذه الوظائف، من الناحية العملية، تخفض استهلاك الطاقة والمواد الخام، وتحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وتقلل النفايات والتلوث، وتحى النظم الإيكولوجية وتسترجعها، وتمكن المنشآت والمجتمعات المحلية من التكيف مع تغير المناخ.
– الضرائب الخضراء: هي تلك الضرائب والرسوم المفروضة من طرف الدول بغرض التعويض عن الضرر الذي يتسبب فيه التلوث على اعتبار أن الحق في البيئة هو الحق لجميع الأفراد، ومن ثم، فإن أهداف الضرائب الخضراء يتمثل في الآتي:
المساهمة في إزالة التلوث عن طريق هذه الرسوم (الغرامات).
ضمان بيئة صحية لكل شخص في المجتمع.
غرس ثقافة المحافة على المحيط لدى المجتمع والعالم.
– الإعانات الخضراء: تُعرف الإعانات المرتبطة بالبيئة بأنها كل شكل من أشكال الدعم المالى والتشريعى من أجل ترقية تنافسية بعض المنتجات أو المناطق لتأهيلها بيئياً. ولذلك، فإن الأثر البيئي يرتبط بعدة عوامل لاسيما طبيعة الإعانات، وهيكل السوق، ودرجة التنافسية، وطبيعة المشاكل البيئية، وطبيعة السياسة البيئية.
– المحاسبة الخضراء: تعنى شمول وتكامل عملية القياس والإفصاح المحاسبي والاقتصادي للأنشطة والبرامج التى تؤثر في البيئة والتى تمارسها الوحدات الاقتصادية، وتحديد وقياس تكاليف الأنشطة البيئية، واستخدام تلك المعلومات فى صنع قرارات الإدارة البيئية، بهدف تخفيض الآثار البيئية السلبية للأنشطة والأنظمة البيئية وإزالتها. فالمحاسبة الخضراء تهتم بإدراج البعد البيئي فى نظمها المحاسبية.
– خضرنة الأسواق والمشتريات العامة: وهي تشكل أحد العناصر البارزة لسياسات الاستهلاك والإنتاج المستدامين، وتوجيه السوق نحو مزيد من المنتجات والخدمات المراعية للبيئة والمجتمع.
واستكمالاً لما سبق الإشارة إليه من مفاهيم، فإن الاقتصاد الأخضر يتطلب إضافة العديد من الموضوعات والقضايا المرتبطة به فى المناهج الدراسية والمتمثلة في:
– الضرورة والأهمية والأهداف والخصائص المتعلقة بالاقتصاد الأخضر.
– متطلبات التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وتحدياته.
– مسارات الانتقال للاقتصاد الأخضر فى سياق التنمية المستدامة.
– الظروف التمكينية للتحول للاقتصاد الأخضر.
– قياس التقدم نحو الاقتصاد الأخضر.
– الاقتصاد الأخضر فى مصر وعلاقته باستراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030.
– مبادرات الاقتصاد الأخضر.
– ميثاق الاقتصاد الأخضر.
– التعاون فيما بين الوكالات بشأن الاقتصاد الأخضر، وغيرها من القضايا والموضوعات.
وفي الختام، فإنه يجب توجيه نظم التربية والتعليم بصفة خاصة لتقديم المعرفة والمهارات والتدريس للطلاب لإعداد الموارد والكوادر البشرية المستقبلية للعمل في اقتصاد يتوافق مع مفهوم الاقتصاد الأخضر والمسئولية البيئية.