ازدادت في الآونة الأخيرة هجمة شرسة ضد حجاب المرأة المسلمة على قناة فرانس 24، التي استضافت إسلام بحيري الذي زعم في حواره أن القرآن لم يرد به نص صريح يوجب التزام المسلمات بالحجاب، وما صدر أيضاً عن رجل الأعمال نجيب ساويرس لموقع “أربين بيزنس” أنه (إذا أراد الله أن تكون المرأة محجبة لخلقها بالحجاب) وأن العالم العربي يعاني من الأصوليين الإسلاميين.
وبناء على هذا الادعاء فقد صدر عن الأزهر الشريف بيان شديد اللهجة بشأن الحجاب، ردا على هذا الأخير، حيث ورد عن مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية (أن الحجاب فرضٌ بنص القرآن الكريم) والنصوص قطعية الثبوت والدلالة لا تقبل الاجتهاد. وقبل أن أبدأ ببيان أدلة وجوب حجاب المرأة في الإسلام، فقد ارتأيت أنه من الجدير أن أبدأ بتوضيح أن كل الشرائع أمرت المرأة بالحجاب وستر العورة وحجبها عن الظهور وذلك بدءاً من آدم وحواء وحتى الآن، وذلك على النحو التالي:
أولاً- بدءاً من آدم وحواء: منذ خلق الله عز وجل آدم وحواء والأمر بستر العورة واجب، إذ أمر الله أبا البشر آدم بستر العورة، مبيناً أن كشف العورة يُعد طاعة للشيطان فقال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِين)َ. وقال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: (في الآية دليل على قبح كشف العورة، وأن الله أوجب عليهما الستر، ولذلك ابتدرا إلى سترها، ولا يمتنع أن يؤمرا بذلك في الجنة، كما قيل لهما “ولا تقربا هذه الشجرة”.
ثانياً- أدلة وجوب الحجاب في اليهودية: كان الحجاب واجباً عند اليهود، وقد تأكد هذا في أكثر من نص من نصوص التوراة، وكتب اليهود أن الحجاب عندهم مشروع ومؤكد، فقد ورد في التوراة المتداولة في أيديهم وبمواضع عديدة، منها: ما في سفر التكوين، إصحاح 24 آية 64 ـ 65 (ورفعت برقعة عينيها فرأت الحق فنزلت عن الجمل، وقالت: للعبد من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا؟ فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت). وفي الإصحاح 47/3 في مقام تهديد المرأة بارتكابها المعاصي: (اكشفي نقابك، شمري الذيل، اكشفي الساق، اعبري الأنهار، تنكشف عورتك وتري معاريك) وواضح أن المراد من النص هو التهديد بالفضيحة والعار، إن كشفت المرأة عن عوراتها. وممن استمررن على الحجاب في اليهودية نساء الحريديم وهي طائفة يهودية، تطبق الطقوس الدينية وتعيش حياتها اليومية وفق “التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية” وهي وفق هذا المعنى طائفة يهودية أصولية، وكلمة “حريديم” هي جمع لكلمة “حريدي” وتعني “التقي”، وربما يكون الاسم مشتقا من الفعل “حرد” الموجود في اللغة العربية بمعنى اعتزل أو اعتكف.
ثالثاً- أدلة وجوب الحجاب في المسيحية: في المسيحية تأكد وجوب الحجاب أيضا من عدة أدلة وشواهد ونصوص تحث على الحجاب وعدم التبرج ووجوب التزام الحشمة والتفرغ لإدارة البيت والأسرة، من ذلك رسالة «بولس» يقول فيها عن النساء، وأما كل إمرأة تصلي أو تتنبأ ورأسها غير مغطّى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطّى: فليُقص شعرُها. وجاء في رسالة بطرس الأولى (3 :1): (كَذَلِكَ، أَيَّتُهَا النساء، اخْضَعْنَ لأَزْوَاجِكُنَّ. حَتَّى وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِالْكَلِمَةِ، تَجْذِبُهُ زَوْجَتُهُ إِلَى الإِيمَانِ، بِتَصَرُّفِهَا اللاَّئِقِ دُونَ كَلاَمٍ، وَذَلِكَ حِينَ يُلاَحِظُ سُلُوكَهَا الطَّاهِرَ وَوَقَارَهَا وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَلاَّ تَعْتَمِدَ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ لإِظْهَارِ جَمَالِهَا، بِضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ. وَإِنَّمَا لِتَعْتَمِدِ الزِّينَةَ الدَّاخِلِيَّةَ، لِيَكُونَ قَلْبُهَا مُتَزَيِّناً بِرُوحِ الْوَدَاعَةِ وَالْهُدُوءِ. هَذِهِ هِيَ الزِّينَةُ الَّتِي لاَ تَفْنَى، وَهِيَ غَالِيَةُ الثَّمَنِ فِي نَظَرِ اللهِ! وَبِهَا كَانَتْ تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ التَّقِيَّاتُ قَدِيماً، فَكَانَتِ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ تَتَّكِلُ عَلَى اللهِ وَتَخْضَعُ لِزَوْجِهَا).
وممن استمررن على الحجاب في المسيحية الراهبات المسيحيات. وهذا راجع إلى أن الفضيلة ملمح من ملامح الأديان السماوية الصحيحة قبل تحريف بعضها. رابعاً- أدلة وجوب الحجاب في الإسلام: فإن الأمر بالحجاب من جملة الأوامر الشرعية التي أمر الله عز وجل بها المؤمنات. وقد جاء تقرير الأمر بالحجاب في عدة صور في القرآن وفي السنة: 1- في القرآن: أ- جاء بالنهي عن إظهار الزينة، فقال تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور: من الآية 31).
ب- جاء بالأمر ارتداء الجلباب، فقال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْن) (الأحزاب: من الآية 59).
ج-جاء بالنهي عن التبرج، فقال تعالى: (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: من الآية33). 2- في السُنة: أ- الإخبار بأن المرأة عورة، كما روى الترمذي من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، فأخبر أنها عورة، والعورة يجب سترها. ب- ذكر الوعيد الشديد لمن تركت الحجاب وخرجت متبرجة سافرة، كقوله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البُختِ المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. رواه أحمد وغيره من حديث أبي هريرة.
إعداد/ د. خليل مهدي- مصر