شارع الصحافة/ كتبت- فرح هشام:
تُعدُّ الهجرة النبوية حدثًا تاريخيًا وذكرى ذات مكانة عند المسلمين، ويقصد بها هجرة النبي محمد وأصحابه من مكة إلى يثرب والتي سُميت بعد ذلك بالمدينة المنورة؛ جراء ما كانوا يواجهونه من أذى وعذاب من زعماء قريش، خاصة بعد وفاة أبي طالب، وكانت في عام 14 للبعثة، الموافق لـ 622م، وتم اتخاذ الهجرة النبوية بداية للتقويم الهجري، بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب بعد استشارته بقية الصحابة في زمن خلافته، واستمرت هجرة من يدخل في الإسلام إلى المدينة المنورة، حيث كانت الهجرة إلى المدينة واجبة على المسلمين، ونزلت الكثير من الآيات تحث المسلمين على الهجرة، حتى فتح مكة عام 8 هـ.
وهناك دروس كثيرة وعظيمة من الهجرة النبوية كما يوضح فضيلة الشيخ محمد عبد المنعم السيد (من علماء الأزهر الشريف ومدير عام بوزارة الأوقاف)، في ديننا دائما ما نتعلم من مواقف سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وموقف الهجرة مليئ بالدروس والمسلمين مثل الصبر والحكمة والمساندة للصديق الذي في الرحلة والمساعده والنجاح.
ويقول الشيخ محمد عبدالمنعم: بعدما اشتد الأذى على المسلمين في مكه بعد البيعة العقبة الثانية سمح الرسول لأصحابه بالهجرة الى يثرب وهي المدينه المنورة حالياً وكان من اكثر شجاعه هو عمر بن الخطاب الذي لم يهاجر متخفياً و قد رفع سيفه و هاجر علناً، وبداية التاريخ الهجري كانت عندما وصل الرسول الى يثرب فقد أمر بالتأريخ وحدث ذلك منذ العام الأول في الهجرة..
مسار الهجرة النبوية هو المسار الذي سلكه النبي محمد وصحبه من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة في عام 1هـ الموافق لـ 622م تجنبًا لأذى زعماء قريش وكيدهم، بدءًا من دار السيدة خديجة زوج الرسول محمد وفترة الاختباء في غار ثور ثلاثة أيام حتى منطقة قباء بالمدينة المنورة آخر محطات الركب النبوي، ويقدّر طريق الهجرة النبوية بـ 380 كيلومترا قطعها الركب النبوي في ثمانية أيام تبدأ من اليوم الأول في ربيع الأول من العام الأول للهجرة حتى اليوم الثامن من ربيع الأول من العام الأول للهجرة.
ويبين الشيخ محمد عبد المنعم أن النبي محمدٌ ظل بمكة ينتظر أن يُؤذَن له في الهجرة ولم يتخلف معه بمكة، إلا علي بن أبي طالب وأبو بكر، وكان أبو بكر الصديق يستأذنه بالخروج إلى المدينة المنورة، ولكن كان يقول له: «لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبًا»، فأراد أبو بكر أن يكون النبي صاحبه.
ومن جانبه، يشير فضيلة الشيخ علي جمعة (مدير إدارة بوزارة الأوقاف) إلى أنه لما رأت قريش خروج المسلمين، خافوا خروج النبي محمد، فاجتمعوا في دار الندوة، واتفقوا أن يأخذوا من كل قبيلة من قريش شابًا فيقتلون محمدًا فيتفرّق دمه بينَ القبائل.
فأخبر جبريل محمدًا بالخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة، فأمر محمد عليًا أن يبيت في فراشه بدلا منه ويتغطى ببرده الأخضر ليظن الناس أن محمدا نائم في فراشه. واجتمع أولئك النفر عِند بابه، لكنه خرج من بين أيديهم لم يره منهم أحد، وهو يحثو على رؤوسهم التراب تاليًا: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ.
ويتابع الشيخ علي جمعة: وجاء النبي إلى أبي بكر، وكان أبو بكر قد جهز راحلتين للسفر، فأعطاها النبي محمد لعبد الله بن أرَيْقِط، على أن يوافيهما في غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، ويكون دليلًا لهما، فخرجا ليلة 27 صفر سنة 14 من البعثة النبوية، الموافق 12 سبتمبر سنة 622م، وحمل أبو بكر ماله كلّه ومعه خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف.
ويحكي فضيلة الشيخ هشام محمد (إمام وخطيب بوزارة الأوقاف): كانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يصلحهما، قالت أسماء: «ولما خرج رسول الله وأبو بكر أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجتُ إليهم فقالوا: «أين أبوك يا ابنة أبي بكر؟»، قلت: «لا أدري والله أين أبي»، فرفع أبو جهل يده وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ثم انصرفوا» وقالت أسماء بنت أبي بكر: «لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر ماله كله معه: خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه»، قلت: «كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا»، قالت: وأخذتُ أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبي يضع ماله فيها، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: «يا أبت ضع يدك على هذا المال»، قالت: فوضع يده عليه فقال: «لا بأس، إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم»، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئًا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك.
ولما وصلا إلى الغار قال أبو بكر للنبي: «والذي بعثك بالحق لا تدخل حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك»، فدخل وجعل يلتمس بيده كلما رأى جحرًا قال بثوبه فشقه، ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بجميع ثوبه، فبقي جحر، وكان فيه حية فوضع عقبه عليه، فلسعته وصارت دموعه تنحدر.. وذكر ابن هشام أن النبي وأبا بكر لما دخلا إلى غار ثور ضربت العنكبوت على بابه بعش، فخرجت قريش في طلبه حتى وصلوا باب الغار، فقال بعضهم: «إن عليه العنكبوت قبل ميلاد محمد» فانصرفوا.
وصل محمد قباء يوم الاثنين 8 ربيع الأول، فنزل على كلثوم بن الهدم، وجاءه المسلمون يسلمون عليه، ونزل أبو بكر على خبيب بن إساف. وأقام علي بن أبي طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدّى الودائع التي كانت عند محمد للناس، حتى إذا فرغ منها لحق بمحمد فنزل معه على كلثوم بن هدم.وبقي محمد وأصحابه في قباء عند بني عمرو بن عوف 4 أيام، وقد أسس مسجد قباء لهم، ثم انتقل إلى المدينة المنورة فدخلها يوم الجمعة 12 ربيع الأول،سنة 1 هـ الموافق 27 سبتمبر سنة 622م،وعمره يومئذٍ 53 سنة. ومن ذلك اليوم سُميت بمدينة الرسول ، بعدما كانت تُسمى يثرب.
كان الأنصار يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرون النبي، فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم، فلما كان يوم 12 ربيع الأول خرجوا على عادتهم فلما حمي الشمس رجعوا، فصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة، فرأى النبي محمد وأصحابه فقال: «يا بني قيلة! هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه» فثار الأنصار إلى السلاح ليستقبلوا النبي.
والخلاصة أن كل هذه المواقف تدل على إخلاص أبي بكر لصاحبه وشجاعة اسماء بنت ابا بكر وفداء على ابن أبي طالب ونجاحهم في تحقيق هدفهم وهو الوصول الى يثرب وكل ذلك كان بتوفيق الله ثم شجاعة النبي وإيمانه برسالته وإصراره.. عليها فكل عام ونحن فخورون بأننا رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً لنا.