فنون

الفنان التشكيلي إبراهيم غزالة فى حواره مع “شارع الصحافة”:

أوجه التشابه بين العمارة اليمنية والنوبية أنها مُطعمة بالثقافة البيئية والحِس الجمالي

أخذ من القرية صلابتها، ومن الفن عذوبته، والفن سره الأبدي

فنان تشكيلي تخطى الحدود الجغرافية بفنه في رحلة قضاها بين بلد وآخر، ظهرت لمساته الفنية في مراحل تعليمه المختلفة، أخذ من القرية صلابتها، ومن الفن عذوبته، والفن سره الأبدي، لا يفصح عن أفكاره إلا حين يرفع الستار عن أعماله، يُفاجئ زوار معارضه ومحبيه بترنيمات مصرية، وأعمال فنية، وأفكار إبداعية تستحق الوقوف عندها.

كشف لنا عن أبرز تفاصيل حياته وهواياته في الحوار التالي:

 

أجرت الحوار: أمنية السيد حجاج

– كيف أثرت البيئة الريفية في رسوماتك؟

كنت محظوظا كوني ولدت في بيئة ريفية وعلى بحيرة المنزلة، ومن حسن حظي وأنا طفل كنت أعيش في جو غني جدا بصريًا، لأن ثروة الفن التشكيلي هي ثروة بصرية، وتربى في داخلك إحساسا باللون، وإذا تربيت في أماكن ليس بها ألوان، فمن المؤكد أنه سوف ينعدم الإحساس باللون الذي يُعد شيئًا تجريديًا، فإذا أحببتى لون عيونك فهذا اللون سوف يرتبط معك في ذاكرتك. وأنا طفل صغير رأيت زهرة الرمان في شجرة رمان عند أحد الأقارب فكانت بالنسبة لي شيئا مدهشا بشكلها الجميل ولونها الأحمر المدهش، وكلما شاهدت شجرة رمان أو زهرة الرمان تمثل لى معنى كبيرا, كنت فى زيارة لأحد أقاربى أيضًا وكان عندهم شجرة برتقال فخالتي أعطتني برتقال أخضر كان شكله جميل بصرف النظر عن أنه يؤكل أم لا، لكن تبقى فى ذاكرتك لون الأشياء وأنت طفل تراها وهى تنمو، فمراحل النمو للأشياء مهمة جدًا ولها معنى كبير. مهم جدًا تعليم الطلبة في المدارس وتوعيتهم بطرق الزراعة، لأنها نوع من أنواع الفن، ونحن نرى أن الدول والحضارات التي نشأ فيها الفن وتطور كانت حضارات زراعية مثل مصر، والعراق، والصين، والهند، لأنه عندما نشاهد تخطيط الأرض الزراعية بطريقة هندسية، وبعدها نضع البذور وتُسقى، ثم تنمو ويتم حرثها، هذه الرعاية تشعرك بالتأمل والصبر وقوة الملاحظة، لأنك تتابع الأشياء التي تعملها، فكل الأشياء بها ألوان، الفواكه والخضراوات لهما لون واحد لكن التنوع اللوني شئ مدهش، ونحن عندنا ميزة في العين أنها تستقبل اللون بدرجات لا نهائية، وكان من الممكن أن تستقبل لون واحد فقط، وترى كل الأشياء أبيض وأسود مثل تلفزيونات زمان كانت لا تستقبل ألوان، ومثل الأشخاص المرضى بعمى الألوان، ففى الطفولة عندما نتغذى بصريا ينمو عندنا استقبال للونين وتفرق بين النغمات، إن جاز التعبير النغمات اللونية ما بين لون ولون، وهنا يمكن للشخص أن يعمل كمصور أو رسام.

 

– هل لابد أن يرتبط نحت التماثيل المشهورة أو التاريخية والفنية بالشخصيات التى أثرت فى التاريخ المصرى؟

دور الدولة في أنها تهتم بالمبدعين في كل المجالات سواء الأدبية، أو السينمائية، أو كتابة المقالات، والسينما، والمسرح، والغناء، والفن التشكيلى، فهذه الميادين متاحة فى مصر منذ زمن، يوجد بها تماثيل للشخصيات المهمة التى أثرت في التاريخ المصري أو الحياة الأسرية المصرية، لأن التمثال عبارة عن كتاب يقرأه الطفل وهو صغير ليتعلم من هو  صاحب التمثال وما تاريخه، فهذا شئ مهم نُخلد به المبدعين أو السياسيين الذين أثروا فى التاريخ.

– حدثنا عن مشروع “مصر في عيون مصرية”، من أين جاءت لك الفكرة، وكيف كانت البداية؟

“مصر بعيون مصرية” مشروع بدأت فكرته كمقترح قديم طرحته على هيئة قصور الثقافه منذ زمن، بأن نعمل أفواجا من الفنانين التشكيليين ونرسم مصر على طريقة وصف مصر، واخترنا مجموعة فنانين للسفر إلى الأقصر، ومجموعه لأسوان، وأخرى إلى سيوة، لعمل معارض فكان كل فنان يعمل فى معرضه، وتم عمل المعارض الفنية، وهى من المشاريع المهمة.

– ذكرت من قبل بأن الفن الحديث أكذوبة، وأثار هذا المصطلح تساؤل الكثير، فلماذا هو أكذوبة؟

لأن الفن وليد الفترة الزمنية التي يُقدم فيها، بمعنى أن الحاصل الآن في 2023 هل يُعد نهاية الفنون، وعندما يأتي عام 2050 أو عام 3000، فهل يكون نهاية الفن؟، بالعكس، فإنه يُعتبر حديث جدا ولو بعد 100 سنة. فالقيمة الفنية هى التى تحدد أي فن بدرجة إبداعه، فالفن المصري القديم غير الفن اليوناني غير الروماني، وكل فترة لها فنها. لكن أنا أقول فن قديم، أو فن حديث (لا)، فالفن فن، سواء في القرن العشرين، أو الخامس عشر، أو التاسع عشر، فأكيد يوجد خلط في المفهوم ما بين القديم والحديث.

كثيرون يعتقدون أن الفن التشكيلي هو التجريدي، بمعنى أنك عندما ترسم (موديل أو بورتريه) فيعتبر أنه فن، ولكن إذا رسمت لوحة ورميت عليها ألوان يقولون لك فن تشكيلي، الناس عندها سوء فهم ويعتقدون أن الفن التشكيلي هو الفن غير المفهوم والذي يُسمى بالتجريدي.

الذى يُقيم العمل الفني هي القيمة التشكيلية البصرية ودرجة اللون. فالرؤية البصرية هي المعبرة عن العمل الفني، بمعنى مثلاً الذي يُقيم قطعة موسيقية فيستمع إلى إيقاع النغمات العالي والمنخفض، أو عندما تقرأين قصيدة شعرية أو رواية، فما الذي يميز رواية عن أخرى، أو قصيدة شعرية عن غيرها، المُحسنات البديعية والبلاغة والعمق والاختصار وتوصيل الرسالة، فالشعر له قواعد تحكم من خلاله، والموسيقى لها نوتة وتحكم من خلالها، كما أن اللوحة التشكيلية تحكمها قوانين بصرية.

فالمفهوم البصري كما تعلمناه في كلية الفنون الجميلة أنه عندما أبدأ في رسم مكان معين لابد أن أختار المكان أولاً، ثم أفكر فى الرسم من أي زاوية، وأبدأ من الأمام أكثر من الخلف أو العكس، لأن اللون كلما ابتعد يضعف أو (يبهت)، فعلم المنظور يجعلك ترى أكثر.

نحن في مصر نستمد أعمالنا التشكيلية من التاريخ أو القصص والحواديت أو من الطبيعة، والطبيعة في مصر منحسرة أو تكاد تنحسر. بعكس أوروبا التي توفر للفنان فرصة لأن يخرج ليعايش الطبيعة ويرسم وعنده موديل، وفي الكليات يوجد كل الأشياء المُلهمة موجودة، لكن عندنا المسائل مختلفة نوعًا ما، لأن هناك دور واقع على كليات الفنون والمدارس، وهو عدم الاهتمام بدراسة التربية الفنية للطلاب، والطالب عندنا موهوب بالفطرة وبيحب الألوان ويقعد يلون، لذلك فعندما يتخرج الطالب من الجامعة وهو لا يعرف لماذا دخل هذه الكلية ويكتشف أنه دخلها ليرضى أهله، وبعدها يأخذ كورسات في الهواية الفنية التى أحبها أصلاً.

– هل ترى أن الفن هو نتاج للدراسة الأكاديمية أم للحالة الإبداعية؟

هو نتاج الاثنين، لا ينفع أحدهما من غير الثانية، الناس لكي تتعلم أي شئ تذهب لتتعلمها، لكن عندنا توجد موضة في الفن، يقول لك أحد الأشخاص أنا فنان وأعمل بالفن، بمعنى أنه قرر بأنه فنان، كيف ذلك، يرد بأن أصل الفن ليس له قواعد، أقول له “لا” فتعليم الفن له قواعد، ولكى تتعلم فن أو رسم أو تصوير أو نحت لابد أن تتعلم لسنوات طويلة باجتهاد واستمرارية شديدة، لأن المسألة ليست وجهة نظر أو إبداع، ولكي أقرر أن أعمل بالموسيقى فلابد من تعليم النوتة وأى آلة أحبها لكي أعزف عليها، أو أكون شاعرًا، فلابد أن أتعلم لغة أو بلاغة.

وعندما نتكلم عن الفنون البصرية، فلا نتكلم عنها بشكل عام، أنت تريد أن تتعلم الرسم أو التصوير أو النحت أو الجرافيك أو حفار، فكل دراسة مختلفة عن الأخرى، عندنا في كلية الفنون الجميلة كان طول الوقت الطالب في قسم الحفر أو الجرافيك بيشتغلوا أبيض وأسود، لأن الطباعة زمان كانت هكذا، وعندما يقرر رسم لوحات ملونة كان يمر بمشكلة في اختيار الألوان، لأن اللون مثل اللغة تتعلمها مع مرور الوقت، فالطفل بعد خمس سنوات يتكلم لغة أمه، وهي لم تعلمه ولا أعطته قواعد.

– كيف تُقيم الحركه الفنية التشكيلية في مصر الآن؟

الحركه الفنية التشكيلية في مصر تضم أنشطة ومعارض كثيرة جدًا وناس كثيرة تعمل بالفن، لكن المُنتج ليس على قدر كثرة المعارض وكثرة الأحداث الفنية، لأن الحداثة طغت على الناس وسهلت وخففت وقللت من قيمة العمل الفني.

 

– معرضك في البرلس كان له صدى كبير، ماذا استفدت من هذه التجربة؟

شاهدت بحيرة البرلس حيث كان يوجد سمبوزيوم والرسم على المراكب والجدران فى مدينة البرلس، وكنت أحد المشاركين فيه في فضاء ساحر فكرتنى ببحيرة المنزلة التى زرتها فى الستينات قبل تجفيف ثلاثة أرباعها وقبل زحف العشوائيات عليها، فكانت شيئا ساحرا ومدهشا جدًا، نصطاد فيها السمك ونشاهد المراكب، ولم يكن بها زحام بشرى ولا عشوائيات، بحيرة نموذجية، وعندما رأيت البرلس استعدت ذاكرتي البصرية عند بحيرة المنزلة، وقررت أن أواصل وجودي هناك وأعمل معرضى القادم على البحيرة بشغف وحب وأحقق قيمة بصرية، فالإلهام مهم جدًا للفنان، وهو أهم شئ وإلا سيقع فى مشكلة التكرار.

– لماذا تأثرت تحديدًا بجنوب مصر واليمن في معظم لوحاتك؟

أندهش عندما أرى العمارة اليمنية، وهي تُعد من أجمل العمارات على مستوى العالم، وعندما شاهدت المباني العالية في حضرموت وهي بدون أعمدة خرسانية وناطحات سحاب مزينة بالطراز المعماري والزخارف وطرق البناء مدهشه ورائعة، وطبيعة الأرض هناك كلها جبلية، ومع ذلك يجدون حلاً لمشكلة الارتفاعات، ويمكن بناء منزل على حرف جبل أو صخرة، يعني عاملين ناطحات ومبان فوق الجبال، ولكي تصعدي لها مسألة صعبة، لكن الطبيعة والعمارة والجبال هناك شئ مدهش.

أما العمارة النوبية فى جنوب مصر أو الريفية  فهي تستخدم الخامات الطبيعية مثل الطين والخشب وعيدان الشجر والنخيل. أما أوجه التشابه بين جنوب مصر واليمن أن المباني متماشية مع البيئه، بمعني أن البيت النوبي في النوبة والبيت الأسوانى في أسوان، ونفس الشئ في اليمن ففي الليل البيوت مطعمة بالثقافة البيئية والحس الجمالي عندهم عال جدًا بالفطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى