شارع الصحافة/ كتب- مصطفى خالد:
توقف المؤتمر عند ثلاث حقائق بديهية:
1- المرأة والرجل ينبثقان من وحدة النفس الإنسانية الأصلية وهما يتمتعان بشكل طبيعي بالخصائص الإنسانية ذاتها.
2- الثقافة هي معطى تاريخي، ديناميكي ومتغيّر بطبيعته.
3- الثقافة هي أداة ناعمة تنساب القيم المجتمعية من خلالها إلى عقولنا بشكل لاشعوري فتؤثر على إدراكنا وفهمنا وتقييمنا للواقع المعاش، وهي تُملي علينا لا شعوريا سلوكيات تعكس تلك القيم. وبالتالي فمن الطبيعي السعي لمنازلة الصور السلبية للمرأة والفتاة في دارها؛ أي عبر إنتاج ونشر صور إيجابية وقيم المساواة بين الجنسين.
وهذا المؤتمر، بموضوعه، (المرأة العربية والتحديات الثقافية)، يعد محطة زمنية مهمة لقياس التحولات التي تعيشها مجتمعاتنا العربية؛ سواءٌ على المستوى المعرفي أو الواقعي، ويتبين أن البعد الثقافي و(المخيال الجمعي الذي يجسده ما زالا يلجمان البنى المجتمعية كافة (المعرفية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، التشريعية، التربوية،…)، ويعيقا تطورها، لا سيما في ما يتصل بأوضاع المرأة وأدوارها الاجتماعية. وهذه الظاهرة تقاوم التغيير بالرغم من اندفاع الناشطين ومن اتخاذ الحكومات مبادرات متعددة لتوسيع الفرص لتشمل النساء كما الرجال في مختلف المجالات.
وجاءت أعمال المؤتمر لتؤكد أن الثقافة هي نتاج تجارب وتاريخ، وأمكنة، وسياسات وشعوب. وأنها تتميز بطابع تثاقفي هو الذي ينتج تنوعها ويدعم تطور الشعوب. وتاريخية الثقافة تفسر من جهة الاختلاف الحاصل في المسارات المجتمعية، ومن جهة أخرى، تعيد الكرة إلى أيدي الشعوب والمبادرة إلى قادتها، من مسؤولين رسميين إلى قادة الرأي، إلى الرواد والرائدات والناشطين من الجنسين من أجل غد يسير على طريق المساواة في كافة الحقوق وكافة الفرص بين المرأة والرجل.
وعليه، فلا بد من التعاطي مع الثقافة من باب هذا الواقع لتتم مقاربتها بوعي العارف لسماتها والطامح لتطويرها بشكل مستدام بهدف ارتقاء مجتمعاتنا العربية إلى اسمى مستويات احترام الانسان، رجلا كان أم امرأة وتوفير كافة الشروط اللازمة لذلك. وفي هذا السياق، يعكس التنوع الثقافي الغنى البشري ويشجع الشعوب على مواصلة مسيرتها ومواصلة التثاقف بما فيه خير الأنسان.
بناءً على ما تقدم جاءت التوصيات على الشكل الآتي:
1-في مجال الدراسات الميدانية والبحث العلمي:
– تشجيع بلورة تيار بحثي معني بإعادة قراءة النصوص الدينية التي تتصل بصورة المرأة وأدوارها، بقصد فك الاشتباك الحاصل بين النص وبين تفسيره، وتحرير العقل العربي من قراءات هي وليدة السياق التاريخي وأبعد ما نكون عن مقاصد الأصول الدينية الصحيحة.
– دعوة الخطاب النسوي العربي إلى نبذ الاقتراب الفئوي في طرح قضايا المرأة، وإعادة بناء قضايا النساء باعتبارها قضايا مجتمعية عامة تتداخل مع القضايا المجتمعية كافة.
– تعزيز الدراسات والبحث العلمي الذي ينطلق من منظور النوع الاجتماعي لرصد واقع النساء والرجال في المنطقة العربية بهدف إلغاء الفجوة بين الجنسين لجهة الاحتياجات، والوصول إلى المساواة بين المرأة والرجل في الفرص لتعزيز المشاركة المتكافئة في صنع واتخاذ سائر القرارات.
– دعوة الجامعات الوطنية والخاصة للعمل على إدخال مقررات (دراسات المرأة) في التعليم الأكاديمي للمساهمة في تعميق المعرفة العلمية في هذا المجال.
2- في مجال الإنتاج الثقافي والفني والإعلامي:
-إنشاء مرصد عربي لمتابعة صورة المرأة في الإنتاج الثقافي والفني والإعلامي.
– تشجيع الإنتاج الفني والإعلامي العربي المشترك من أجل نشر قيمة المساواة بين الجنسين ونشر صور إيجابية عن المرأة.
– تنظيم ملتقيات وورش عمل للإعلاميات والإعلاميين لإكسابهم مهارات التناول المتوازن لقضايا المرأة كجزء عضوي من القضايا المجتمعية العامة، وكذا مهارات استخدام مقاربة النوع الاجتماعي في عملهم.
-إعادة النظر في البرامج والكتب التربوية لازالة كافة الصور النمطية والدلالات الرمزية التي تلعب دوراً كبيراً في إعادة انتاج الثقافة النمطية عند الأجيال الجديدة ولا سيما عند الأطفال والناشئة من الجنسين.
– دعوة منظمة المرأة العربية إلى ربط برنامجها (التربية من أجل المستقبل) بمخرجات المؤتمر لجهة مضاعفة الجهود، بالتعاون مع الجهات الوطنية ذات الصلة، لتعزيز تكوين المعلمين في مجال النوع الاجتماعي وتنقية المقررات الدراسية من الصور النمطية ودعم أدب الأطفال المكرس لقيم المساواة ونبذ النمطية والتمييز.
– دعوة الحكومات إلى إيلاء الاهتمام الكامل لموضوع مراجعة المناهج والمقررات التعليمية في كل مراحل التعليم، ما قبل المدرسي والابتدائي والمتوسط والثانوي لجهة تنزيه المناهج والمقررات من كل صور سلبية للمرأة والفتاة وتبني صور ايجابية بديلة.
– دعوة الحكومات إلى مضاعفة جهودها في مجال تعزيز قدرات ومهارات المعلمين والمدربين للمساهمة الإيجابية في نشر قيم المساواة بين الجنسين لا سيما في أوساط الأطفال والناشئة.
-التشبيك مع صناع الانتاج الثقافي العربي لبناء الجسور من أجل تحسين صورة المرأة في الاعمال الثقافية المقدمة للجمهور.
– توثيق وتأريخ لادوار المرأة المؤثرة في المجال الثقافي وهو الدور الذي تم طمسه عبر العصور.
– الاهتمام بالمشروعات الثقافية المستقلة التي تحاول تفكيك الصور النمطية عن المراة من خلال تسليط الضوء علبها وايجاد حلول إنتاجية وتسويقية لاستمراريتها على الساحة الثقافية.
3- في مجال التنمية المستدامة والقضاء على الفقر والتهميش:
– دعوة الحكومات إلى صياغة السياسات العامة وبرامج وخطط التنمية وفق رؤية كلية ومقاربة شاملة، تأخذ في اعتبارها احتياجات وأدوار كلا الجنسين في المجتمع، وتستهدف توفير الفرص والموارد للجميع على أساس من العدالة والمساواة.
– دعوة الحكومات العربية لمعالجة أوجه القصور في التشريعات العربية لجهة ضمان المساواة الكاملة بين الجنسين، والالتزام بمواد الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
– دعوة الحكومات العربية إلى مراجعة قوانين وأنظمة العمل من منظور أدوار النوع الاجتماعي، يشمل ذلك الأحكام المتعلقة بإجازة الأمومة ورعاية الطفل، وضع أنظمة لتحفيز أصحاب العمل الخاص على تبني آليات العمل عن بعد وساعات العمل المرنة لكلا الجنسين من أجل تخفيف الأعباء على المراة وتعزيز الشراكة بين الجنسين في تحمل أعباء الحياة الأسرية.
– تكثيف الجهود الحكومية وجهود المجتمع المدني في مجال توعية النساء بحقوقهن الاقتصادية والقانونية والشرعية وبناء قدراتهن في المجال الاقتصادي.
– تشجيع إنشاء شبكات نسوية محلية وإقليمية من النساء العاملات في السوق الافتراضي لتبادل الخبرات وتطوير المهارات.
– تشجيع استحداث أسواق افتراضية لتسويق منتجات المرأة العربية، ودعوة منظمة المرأة العربية لتفعيل مشروعها “البوابة الالكترونية لصاحبات المشروعات الصغيرة.”
4- في مجال المواطنة والسياسات الحكومية والنضالات المدنية:
– ضرورة تمثيل أفضل لمرأة في مواقع صنع القرار في مؤسستنا العربية المختلفة.
-دعوة الحكومات والمجتمع المدني إلى تكثيف العمل في مجال التمكين الحقوقي للمرأة خاصة لجهة حقوق المرأة في الميراث والتحكم في ملكيتها والاستفادة من القروض والخدمات، وحقها في المشاركة والتمثيل السياسي، وحقها في الحماية القانونية من سائر صور العنف في المجالين الخاص والعام.
-الترويج لاتفاقية جديدة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة تتمتع بالصفة الإلزامية وتتضمن تعريفا منضبط يشمل صور العنف والتمييز، وفق ما أوردته الاتفاقيات الإقليمية، كما تتضمن التزامات نافذة نحو تجريم العنف وملاحقة مرتكبيه.
-تفعيل الحوار المجتمعي حول قضايا المرأة، بقصد تغيير الذهنيات الثقافية، وتطوير ثقافة مدنية جديدة تنظر للمرأة كمواطن وكمشارك أساس في التنمية المستدامة.
-التأكيد على أهمية الأدلة التدريبية في نشر ثقافة النوع الاجتماعي، ودعوة الحكومات والآليات الوطنية المعنية بالمرأة إلى العمل على تعميم الأدلة التدريبية ذات الصلة بإدماج النوع الاجتماعي كآلية تحويل النصوص إلى ممارسة فعلية داخل الهيئات الوطنية.
5- في مجال مساهمة المرأة في تعزيز صمود المجتمع والأرض:
– دعوة المؤسسات التعليمية العربية إلى إدماج مباديء التعامل الرشيد مع البيئة وحمايتها في المناهج الدراسية في جميع المراحل.
– دعوة الحكومات العربية إلى تمكين النساء في مجال صنع القرار المتعلق بالبيئة.
– دعوة الآليات الوطنية المعنية بالمرأة وهيئات المجتمع المدني، إلى إدماج ثقافة حماية البيئة في المشروعات الصغيرة الموجهة للنساء، بحيث يتم إدماج بعد الترشيد البيئي مع البعد الاقتصادي وتستفيد المرأة اقتصاديا من خلال المحافظة على البيئة.
الالتزام بالسعي لإنفاذ القوانين وضمان بلوغ الأهداف المحددة في الخطط والإستراتيجيات والبرامج، من خلال اعتماد آلية التقييم التي تسمح بقياس الإنجازات ورصد المعوقات لمعالجتها.