ليس هناك أدنى شك في أن أزمة الضمير سبب رئيسي، وعامل أساسي لكل أزماتنا الاجتماعية والاقتصادية والحياتية بشكل عام.. ومن الغريب والعجيب أننا نعيش زمنًا مقلوبة موازينُه، مغلوبة ناسه.. لدى كثير من البشر أزمة (ضمير غائب)، وأحيانا (ضمير ميت)، أو (ضمير بارد)؛ جلده أكثر ثخانة من جلود الحمير والخنازير.. وبصفة خاصة في السنوات الأخيرة.. تبًا لآلاف وآلاف من البشر؛ قد يسكتون عن خطأ واضح، وربما يصمتون ويزوغون من فساد يستشري ويأكل المكان، وقد تعمى أعينهم وبصائرهم من أن تنكر منكرًا.. وبعضهم أو عديد منهم يصفق ويبتسم لأخطاء، ولتمثيل وسيناريوهات ركيكة ورخيصة.
والمعروف أن الضمير أو ما يسمى الوجدان- كا أوردت موسوعة ويكيبيديا- هو قدرة الإنسان على التمييز فيما إذا كان عمل ما خطأ أم صواب أو التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، وهو الذي يؤدي إلى الشعور بالندم عندما تتعارض الأشياء التي يفعلها الفرد مع قيمه الأخلاقية، وإلى الشعور بالاستقامة أو النزاهة عندما تتفق الأفعال مع القيم الأخلاقية، وهنا قد يختلف الأمر نتيجة اختلاف البيئة أو النشأة أو مفهوم الأخلاق لدى كل إنسان.
وفي الإسلام هناك حديث يدل على وجود الضمير وهو حديث وابصة ابن معبد الذي سأل الرسول محمد بن عبد الله عن البر والإثم فقال له: “يا وابصة، استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون”. رواه أحمد بإسناد حسن كما قال المنذري في الترغيب وحسنه النووي أيضا.
ولله در القائل؛ إن الضمير أمانة أن وجدتها في إنسان وجدت الخير والصلاح والطبيعة الإنسانية السوية، وإن الدنيا لا يزال فيها الخير.. ومتى كان عندك ضمير نابض حي اسجد لله شكرا وحمدا بإن فساد الضمائر وخيوطه لم تصلك ولم يطأ مكانك.. ويكون صوتا مزعجًا يئن لينسيك معنى يقظة الضمير ويأتيك بمغريات وأشكال وألوان..لتكون مقيدا بقيود الفساد والسلبية والصمت لغياب الضمير.
وفي هذا الصدد، من الأهمية بمكان أن يحرص الانسان على ضميره وعلاجه، كما تمرض الأجساد، وعلى تطهيره ومحاسبته.. والأهم مراقبته من أن يهوى به فيما لا يحمد عُقباه.. ويكون سببًا في سلب وضياع حقوق المظلومين..
ومن نافلة القول أن نؤكد على أن فطرة الإنسان أصلها سليمة متى ما حافظ عليها من التلوث والماديات، ومتى سما بروحه وقلبه فوق صراعات البشر ومادياتها لعالم روحاني راق نقي سليم.. متى ما ارتقى بفكره ورأيه عن تشويش لا يقف ولا يهدأ من محاولة ثني رأيه وتوابع ضميره، ولا عن صراعات لا تنتهي ولا تقف إلا بموقف يهز الإنسان ليقف ويستذكر ويتعلم مما أصابه بأهمية أن يكون صاحب رأي صادق وضمير.