عاد الجدل من جديد بشأن قضية فتيات (التيك توك) في مصر، بعد الحكم الذي أصدرته محكمة مصرية، الأحد 20 حزيران/ يونيو الجاري، بحبس الناشطة على موقع تيك توك، حنين حسام، 10 سنوات وتغريمها 200 ألف جنيه مصري (حوالي 13 ألف دولار أمريكي). وكذلك الحكم على الناشطة مودة الأدهم، وثلاثة آخرين بالحبس لمدة ست سنوات، وتغريم كل منهم مبلغ 200 ألف جني،ه بتهمة (الاتجار بالبشر).
ووجه الادعاء للمتهمين، العديد من التهم، منها (الاعتداء على قيم ومبادئ الأسرة المصرية والمجتمع، والاشتراك مع آخرين في استدراج الفتيات واستغلالهن عبر البث المباشر، وارتكاب جريمة الاتجار بالبشر ونشر فيديوهات تحرض على الفسق، لزيادة نسبة المتابعين لها، والعضوية بمجموعة (واتس آب) لتلقي تكليفات استغلال الفتيات).
مؤيدون ومعارضون
ومنذ صدور الحكم، في قضية فتيات (التيك توك)، لم يتوقف الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، والذين انقسموا بين مؤيد ومعارض، إذ أبدى البعض تعاطفه مع (فتيات التيك توك)، موضحا أنهن لم يرتكبن جرما، وتصدر هاشتاجان باسمي حنين ومودة، قائمة الأكثر تداولا في مصر على تويتر، وتحتهما عبر المتعاطفون،عن رفضهم للحكم، قائلين إنه يمثل تدميرا لمستقبل الفتاتين، وأن الهدف منه سياسي بالدرجة الأولى ،وهو منع الناس من التعبير عن أرائهم. وطالبت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية، منها مركز النديم والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في بيان لها بالإفراج عن الفتاتين، مشيرة إلى أن الحكم يهدف لفرض الوصاية على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.
بسنت محمد
تقول لبنى درويش، مسؤولة برنامج (الجندر وحقوق الإنسان)، بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في حديث للبي بي سي، إن الحكم الأخير، هو حلقة إضافية، في سلسلة توجيه النيابة العامة للاتهامات القانونية المطاطة، ذات الطبيعة الأخلاقية ضد نساء، لاستخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل لا تراه النيابة، متفقا مع ما تحدده هي كأخلاق مناسبة للمجتمع.
وتشرح لبنى درويش، كيف أن المادة ٢٥، من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي تجرم “التعدي على قيم الأسرة المصرية” ،هي مادة شديدة المطاطية، ولا تعرف ماهية قيم الأسرة المصرية، لأنه وكما أي مجتمع آخر تضيف درويش فإن الأخلاق هي موضوع نسبي بين شخص وآخر، وطبقة وأخرى، وحتى بين أسرة وأخرى. وتعتبر درويش أنه لا توجد قيم ولا أخلاق موحدة، يتفق عليها الجميع، وبالتالي فمادة بتلك المطاطية، تترك الحكم الأخلاقي، لمرجعية النيابة والقضاة شخصيًا، وهو ما لا يتسق مع حق الفرد في معرفة الأفعال التي يجب عليه أو عليها تجنبها لتجنب العقوبة.
وتشير درويش في حديثها إلى (بي بي سي)، إلى أن الأخلاق و “التربية” ليستا موضوعا، لتدخل القانون والدولة، ولا للحماية أو التجريم بل تقعان بكل وضوح،ضمن الحريات الشخصية للأفراد، وتضيف إن على الدولة ومؤسساتها المختلفة، احترام الحريات الشخصية للأفراد، وحقهم جميعًا في التعبير عن أنفسهم، واختيار ملبسهم وسلوكهم الشخصي، فليس من دور الدولة منع الأفراد، وبالطبع النساء بشكل خاص،من أفعال تقع بوضوح ضمن حرياتهم الشخصية، في الملبس والتعبير عن النفس والرأي. وليس من دور الدولة أو القانون، مراقبة سلوك النساء، وكأنهن يحملن مسؤولية حماية الأخلاق المجتمعية بسلوكهن الشخصي.
متربصون بالدولة
على الجانب الآخر، رأى مؤيدون الحكم بمثابة محاربة للفسق، ومحافظة على قيم المجتمع وأخلاقه، وفي حديث للبي بي سي، يشن الكاتب الصحفي المصري أحمد رفعت، هجوما على المنظمات الحقوقية المصرية، التي تدافع عن فتيات “التيك توك” ويقول إن هذا يظهر أن تربص البعض بالدولة المصرية، بات مثيرا للشكوك وللشفقة أيضا، لدرجة أن هذه المنظمات والكلام لرفعت، مستعدة للدفاع عن ارتكاب جرائم، موجودة بالفعل في القانون المصري منذ مئة سنة، مثل الحض على الرذيلة وارتكاب الفاحشة وخدش الحياء.
ويضيف رفعت أن هؤلاء، وفي الوقت الذي يدافعون فيه عن ارتكاب تلك الجرائم، فإنهم يتهمون الدولة المصرية في المقابل، بتهم مرسلة مثل التضييق على الحريات، وذلك الاتهام الأزلي بأن الدولة تتدخل في شؤون القضاء، وهو ماينفيه أحمد رفعت، مستدلا بقضية ناشطة “التيك توك” المصرية حنين حسام، إذ يقول إنه وفي حالتها كما في حالات كثيرة، فإن محكمة الدرجة الأولى، تحكم ثم تأتي محاكم الدرجة الثانية لتبطل الحكم، وهو ما يدل على أن القضاء مستقل من وجهة نظره، في وقت يحظى فيه المتهمون بضمانات كاملة، للاستدراك واللجوء إلى محاكم أعلى، مضيفا بأن تلك الضمانات متاحة حتى للإرهابيين.
وينفي أحمد رفعت في حديثه لبي بي سي، ما يقوله البعض من أن ما كانت تقوم به فتيات “التيك توك”، هو مجرد لهو برئ، ويقول إن الأمر يتعلق بنشاط منظم ،ويتم مقابل تقاضي أموال، وبه اتصالات مع جهات خارجية، ويستنكر أيضا القول بأن الأحكام تستهدف التضييق على حرية التعبير، ويعتبر أن من يقولون بهذا، يثيرون الشفقة، وأنهم يحاولون التخفي وراء حرية التعبير، والأفضل لهم أن يعلنوا صراحة بأنهم يريدون إثارة الفوضى في المجتمع المصري.