ثمة أناس وصلت بهم ظروفهم الصحية القاسية إلى الدخول في غيبوبة عميقة فيتطلب الأمر وضعهم تحت أجهزة الإنعاش والإفاقة عسى أن تكتب لهم النجاة فلا هم أحياء ولا هم أموات، كذلك بعض مؤسساتنا، فلا تستطيع وصفها إلا بالحاضرة الغائبة أو الحية الميتة.
ومن المثير للدهشة ويدعو للعجب أنه في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السياسية- في إطار الجمهورية الجديدة- سعيا دؤوبا في اتجاهات عديدة، تبني وتشيد، وتعمر هنا وهناك وتتحول على يديها مساحات الرمال الصفراء إلى واحات من الخضرة تقر بها أعين المصريين، وكذلك من التي تحولت إلى أبنية أنيقة تتوفر فيها كل الخدمات لساكنيها وكذلك المشروعات التنموية التي تتمدد على أرض الوطن، نرى ذلك ونسعد ونلتفت إلى جانب آخر فنحزن لما عليه من بؤس المشهد وخمول الأداء، وفي مقدمة هذه المؤسسات الخاملة البائسة مراكز شباب القرى التي بلغ عددها على مستوى الجمهورية قرابة (4374).
وتتجه الدولة في الوقت الراهن لإنشاء (271) مركز شباب بالقرى، وتطوير عدد من مراكز الشباب على مستوى الجمهورية، بادئة بصعيد مصر، وواقع الأمر تعد هذه المراكز الشبابية إذا تم تفعيلها تفعيلا حقيقيا وشاملا لأصبحت أجنحة قوية لتحقيق السياسات التنموية للدولة فمركز الشباب ليسج مجرد زينة زائدة أو أداة تجميل للدولة ولكنه له شخصيته الاعتبارية المستقلة ورئيس مجلس إدارته وهو الذي يمثله أمام القضاء.
ومركز الشباب شخصية اعتبارية، لا تستهدف الكسب المادي ويكون الغرض منها تحقيق الرعاية للشباب وإتاحة الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وذلك عن طريق توفير الخدمات الرياضية والقومية والاجتماعية والروحية والصحية والترويحية في إطار السياسة العامة للدولة والتخطيط الذي يضعه المجلس الأعلى للرياضة ولكن للأسف نجد أن هذه المراكز يخيم عليها صمت مطبق كصمت القبور.
وإذا كان لابد لمركز من تلك المراكز من نشاط فتجده محصورا في نشاط رياضي ضيق مثل كرة القدم أو الطائرة إلى جانب بعض الأنشطة الاجتماعية التقليدية وكان من المفترض أن تتحول هذه المراكز إلى أدوات فاعلة في بناء التنمية الشاملة.
ولكن للأسف الشديد لا تقوم هذه المراكز بدورها الذي ننتظره بعدان كان لها دور في مرحلة سابقة يتميز بالحيوية والتنوع فقد كانت مراكز الشباب تقوم بدور تثقيفي توعوي يشمل النشاط الفني والمسرحي والصحفي وعقد الندوات والأمسيات وتجميع الشباب في دورات رياضية في مختلف فنون الرياضة ككرة القدم والسلة والطائرة ورفع الأثقال وكمال الأجسام.
وكم من أبطال خرجوا من هذه المراكز وكم من فنانين ممثلين صنعتهم مسارح هذه المراكز وكذلك الكتاب والأدباء الذين نهلوا من مكتبات هذه المراكز الشبابية كما أنقذت شبابنا من الانحراف الاجتماعي فقدكان كل شاب يجد ضالته في إشباع هوايته المفضلة من خلال تلك المراكز التي احتوت الكبير والصغير في أسرة شبابية واحدة وكانت هذه المراكز تتبادل الزيارات مع بعضها بعضا فتوطد علاقات المودة والترابط بين أبناء القرى المختلفة.
لقد كانت الملاذ الآمن الذي يحتوي شبابنا بل كانت مراكز لنقل الخبرات ومواطن لتبادل الحوار، وهذا ما نريده من هذه المراكز الآن؛ فما أشد حاجتنا إليها لتدعم خطة تنمية القرية المصرية وفق توجهات وطموح الجمهورية الجديدة والجدير بالذكر أن هذه المراكز الشبابية بدأت أولا في أوروبا مع ولادة الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلادي ولكنها تمركزت في المدن الأوربية على العكس لدينا في مصر.
فقد كانت الدولة المصرية تضع اهتماما كبيرا لتنمية القرية المصرية ومن هنا جاءت فكرة إقامة هذه المراكز بالقرى لرفع درجة الوعي عند أبناء القرية وتثقيفهم والرقي بهم والآن نحن في حاجة إلى وعي شبابنا وأهلنا في قرى مصر ونجوعها بخطط الدولة نحو التنمية وضرورة انخراط الشباب في خطة التنمية وانتشالهم من الوقوع في براثن أفكار التطرف التي تنمو بين شبابنا في غياب مراكزهم التي من شأنها أن تجمعهم حول معاني الانتماء والتنمية والإصلاح، وأظن أن قطاع الثقافة الجماهيرية يقع عليه الدور الأعظم في مجال الارتقاء بهذه المراكز لتكون أجنحة حقيقية للخطط التنموية.