لقد أدرك صانعو القرار علي المستويين المحلي والدولي أهمية المشاركة المجتمعية والتعاونية لمواجهة الأزمات وضرورة تفعيل دور المجتمع المدني والقطاع الخاص لحشد الموارد المادية والبشرية لمواجهة تداعيات الأزمة الراهنة على كافة المستويات.. ومن هنا حثت منظمة الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في مارس 2020م والمعنون: (مسؤولية مشتركة وتضامن عالمي لمواجهة الآثار السيور إقتصادية لتداعيات فيروس كورونا) المؤسسات الخيرية والتطوعية علي تكثيف جهودها لإعانة الدولة عل مواجهة الأزمات.
– فالمشاركة الاجتماعية والمبادرات الأهلية لها دوراً فاعلاً في مواجهة الأزمات والكوارث لعدم قدرة الدولة والمجتمعات علي إجتياز الأزمات والمحن خاصة مع زيادة إنهيار النظم الصحية في أغلب بلدان العالم وتدني الأوضاع الإقتصادية. وإن كانت طبيعة وحجم المشاركة المجتمعية يتوقف علي طبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي السائد في المجتمع.
محددات الدور الإجتماعية في معالجة المحن والأزمات
يتفاوت حجم ودور المشاركة والتضامن الإجتماعي في مواجهة الأزمات علي العديد من المحددات من أهمها طبيعة النظام السياسي وحجم الإستقرار السياسي والإجتماعي السائد فيه وطبيعة علاقة المواطنين بالدولة ومدي الثقة المتبادلة بين الدولة ومواطنيها ومؤسساتها فكلما ارتفعت مستويات الثقة المجتمعية وإنعدام الثقافة الأبوية كلما إزدادت حجم المشاركة والتواصل في الشأن العام وتعدد صورها ما بين مشاركة سياسية ومجتمعية.
– إضافة إلي ذلك فإن للتكنولوجيا دوراً هاماً في تنوع وتعدد المبادرات المجتمعية لمواجهة الأزمات والكوارث إلي جانب إكتسابها للطابع الدولي والعابر للحدود والمتجاوز لكل المعايير والإنتماءات وظهور حركات التضامن حول البيئة والقضايا الإجتماعية والإقتصادية والتي أصبحت فاعلاً أساسياً علي الساحة الدولية لمواجهة الأزمات والقضايا الشائكة.
رؤية مستقبيلة للمشاركة المجتمعية لمواجهة الأزمات والكوارث
– هناك عديد من التطورات التي حدثت لمبادرات وآليات المشاركة المجتمعية في مواجهة الأزمات والكوارث فبعد أن كانت هذه المبادرات نابعة من الولاءات والعصبيات ولا تتعدي حدود الانتماءات المرتبطة برابطة الدين أو الدم، وبالتالي اتخذت الطابع غير المؤسسى حيث أن أغلبها مبادرات فردية من قبل المهتمين بالشأن العام أو من الشباب التي دفعتهم الأزمات إلي التفاعل مع مجتمعهم.
مثل مبادرات القري والنجوع لتوفير احتياجات المواطنين من الطعام والملابس وتوفير العلاج ومبادرات دفن ضحايا مرضي كورونا ومبادرات تعقيم المنشآت العامة والخاصة وتنظيم طوابير الحصول علي المعاشات ثم حدث تطور في التفاعل الإجتماعي لمواجهة الأزمات حيث إتخذ الطابع المؤسسى له سمة رئيسية وتمثل في ذلك في مؤسسة أهل مصر وجمعية الأورمان، وبنك الطعام وبنك الشفاء وغيرها من الجمعيات المؤسسات الخيرية والأهلية التي اكتسبت ثقة المواطنين، وذلك يرجع إلي دور وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت حشد كافة فئات الشعب للمشاركة المجتمعية لمواجهة الأزمات الطارئة والطاحنة ولنا في أزمة كورونا خير شاهد ودليل.
ولكن من أجل تفعيل الإتجاهات الحدثية في العمل المؤسس للمشاركة التضامنية والمجتمعية لمواجهة الأزمات والكوارث لا بد من اتباع العديد من الإتجاهات العلمية لمواجهة الأزمات والإستفاد من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال وعلي رأسها التجربة اليابانية والتي تتميز بعديد من السمات لمواجهة الأزمة حيث تغليب المنهج العلمي وتعبئة الموارد وحشد الطاقات وتنظيم الجهود وتوزيع الأدوار المؤسسية والإدارة الرشيدة الفاعلة للموارد المالية والعينية لمواجهة الأزمة والفكر الوقائي للأزمة والتخطيط السليم واتباع أسلوب العمل الجماعي التعاوني التشاركي بين كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، مع تحفيز الروح التعاونية والتطوعية لدي المواطنين للمشاركة في حل الأزمة والوعي بأهمية المشاركة المجتمعية في إحتواء الأزمة.
واستكمالاً لذلك لا بد من رفع مستوي الوعي المجتمعي بأهمية العمل التطوعي والمشاركة المجتمعية لمواجهة الأزمات وتشجيع الجهود التطوعية للمشاركة في إحتواء الأزمات والكوارث وتفعيل دور القطاع الخاص والمجتمع المدني في هذا المجال، مع ابتكار أساليب وخطوات عملية شاملة ومتطورة لمواجهة الأزمات الممتدة علي نطاقات جغرافية إقليمية أو عالمية مع الاستفادة المثلي من آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة آثار الكوارث والأزمات.
ومن الأهمية بمكان، ضرورة الاستفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي والإقتصادي لحسن إدارة الأزمات وتنوع مبادرات التضامن المجتمعي لمواجهتها علي غرار مبادرات إنشاء صندوق التضامن العالمي للقضاء علي الفقر وإعلان اليوم الدولي للتضامن الإنساني من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي يوافق يوم 20 ديسمبر من كل عام لتعزيز روح ثقافة التضامن والمشاركة المجتمعية لمواجهة القضايا والأزمات مثل الفقر والأمراض والأوبئة واللاجئين والإغاثة.