تؤكد إحصائيات البنك الدولي حول العالم لعام 2021م على ندرة المياه التي تؤثر على أكثر من 40% من سكان العالم وتشكل 70% من الوفيات المرتبطة بالكوارث الطبيعية.
هذه الأرقام تبدو أكثر خطورة عندما تتحدث عن دول الشرق الأوسط وفي القلب منها العالمين العربي والأفريقي حيث أن هذه المنطقة في العالم تواجه تحديات صعبة أهمها التحدى البيئي والفقر المائى لأسباب عديدة تتركز أساساً على موقعها الجغرافي الذى يجعل البيئة الصحراوية هي الأوسع إمتداداً في الوطن العربى وما يصاحب هذه البيئة من جفاف وندرة في الأمطار حيث تقل نسبة هطول الأمطار عن 200ملم سنوياً.
أولاً- صراع المياه فى الشرق الأوسط بعالمية العربي والأفريقي:
وهنا لابد من التطرق لفهم مصادر المياه فى الشرق الأوسط والعالمين العربى والإفريقي من حيث المصادر الطبيعية أولاً وهي مياة الأمطار التي بالإمكان وصفها محدودة نسبياً ثم ثانياً الأنهار والمياه الجوفية ومنابع هذه الأنهار حيث تكمن هنا إحدى أهم تحديات المياه في العالم العربى، حيث يوجد العديد من الأنهار فيها وأبرزها نهر النيل والفرات ودجله وجوبا وشبيلي وغيرها إلا أن أهم هذه الأنهار ينبع من خارج أراضى الدول العربية كدجلة والفرات التي تنبع من تركيا ونهر النيل الذي ينبع من إثيوبيا وأوغندا.
وبالانتقال لمصدر المياه الجوفية تعد مناطق مثل الربع الخالى والنوبة والصحراء الجزائرية وتتميز بأنها مصادر غير متجددة في حال تم استخدامها وذلك بسبب عدم إمكانية إعادة تخزينها بفعل الدورة المائية الطبيعية ويرجع التحدي الأساس فى استخدام المياه الجوفية إلى ارتفاع تكاليف الرفع والضخ من أعماق الآبار الجوفية وهو ما قد يجعل عملية شرائها أكثر جدوى من استخراجها.
وإجمالاً يمكن القول بأن دول العالم ومنها الدول العربية تعانى فقراً مائياً يتفاقم مع مرور الوقت خاصة مع تغير المناخ والإنهيار البيئى ولا سيما فى دول مثل العراق والأردن سوريا ومصر.
وفي هذا الإطار، يمكن القول بأن قضايا المياة من القضايا التي يقف العالم أمامها بمواجهة تحديات يفرضها تغير المناخ فوفقا للإحصائيات فإن ٩ من بين ١٠ كوارث بيئية تتعلق بالمياه، فما يحدث اليوم في القطب الشمالي، وفي ألمانيا وما تواجه من فيضانات الموت علي خلفية التغير المناخي مما أدي إلي إرتفاع منسوب مياة الأنهار وفيضانها.
ثانيا- الصراع الدولي للسيطرة علي الموارد المائية في البحار والأنهار والممرات والمضائق:
ومن هنا فلا عجب أن نري الموارد المائية من أكثر القضايا إثارة للتوترات في التفاعلات الإقليمية، الدولية حيث تتصاعد حدة الصراعات للسيطرة علي البحار والموارد المائية في مقابل تنامي الجهود لتنظيم ومأسسة هذه التفاعلات عبر تعزيز قوة المنظمات الإقليمية والتوصل للاتفاقيات بين الدول المعنية لمواجهة اتجاهات التصعيد من جانب القوى الإقليمية حيث تم الإعلان عن إنشاء مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة علي البحر الأحمر وخليج عدن في يناير ٢٠٢٠م، مع الاهتمام بالمضايق والممرات المائية الدولية التي تربط بين قارات العالم وتسهل الملاحة التجارة ومن أهمها والتي يقع في منطقة مضيق هرمز، ومضيق باب المندب، وقناة السويس ومضيق جبل طارق.
ولعل هذا ما يفسر إهتمام القوي العظمي والقوي الإقليمية علي سواء بأمن الممرات البحرية وسعيها لإطلاق مبادرات وإنشاء التحالفات لتأمينها مثل التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية ومقرة البحرين وذلك في نوفمبر ٢٠١٩ م، مع تقرير أوروبا بإنشاء تحالف أوربي بحري لمراقبة التحركات في مياة منطقة الخليج.
وتمشياً مع ذلك، فإن هناك بُعداً دولياً يرتبط بأزمة المياة في العالم وهي ضبط السياسة المائية من قبل الدول المطلة علي الأنهار والمضايق والممرات الملاحية الدولية ومن هنا تم إعلان إتفاقية الأمم المتحدة لإستخدام المجاري المائية الدولية من غير الشئون الملاحية في عام ١٩٩٧ والتي تعرض في حد ذاتها سياسات وبرامج مائية للدول المتشاطئة مع المبادئ الدولية التي تؤكد علي ضرورة تفادي الإستخدام الضار للنهر الدولي ويترتب علي مخالفة ذلك المسئولية الدولية.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن من أهم الصرعات المائية التهديدات التي تواجه أمن البحر الأحمر والتي دعت العديد من القوى الدولية والأقليمية لتأسيس قواعد عسكرية في جيبوتي مثل الصين وتركيا وأمريكا وفرنسا علاوة علي أن تزايد ازمات السدود المائية في التفاعلات الدولية فإلي جانب أزمة سد النهضة الأثيوبي نجد هناك مخاوف من تأثيرتها علي تدفقات المياة عل غرار انهيار سد بوط في السودان وتصدع سد الرونة بمنطقة جباية في محافظة عمران اليمنية في أغسطس ٢٠٢٠ م وتهديدات السيول الخارجة من سد مأرب باليمن ومخاوف انهيار سد الموصل في العراق وتوظيف تركيا السدود كأداة ضاغطة للتأثير علي الأمن المائي لكل من العراق وسوريا.
ثالثا- نظرة مستقبلية للأمن المائي العالمي والعربي:
ومن هنا فنحن بحاجة ماسة إلي اتخاذ تدابير مهمه للحد من الفقر المائي ومن أهمها ترشيد استخدام المياة في الري وتحلية مياة البحر ومعالجة المياه العادمة ولابد من الإشارة إلى أن بعض الدول العربية تتصدر ترتيب أهم عشر دول تعمل علي تحلية مياه البحر في العالم متفوقة علي أمريكا وهي السعودية وتتبعها الإمارات في المرتبة الثالثة عالمياً.
ويُضاف إلي ذلك، ضرورة حث الدول الصناعية المتقدمة علي خفض إنبعاثات الكربون المتصلة مباشرة بالإحتباس الحراري والذي يعد أهم تبعات التغير المناخي في العقود الأخيرة مع تشجيع الإستثمار في مشروعات تحافظ علي التوازن البيئي والأمن المائي، مع العمل علي إقامة نظام فعال للأمن الجماعي العربي من أجل حماية الأمن القومي العربي من عناصر التهديدات المائية المختلفة ون بينهما التهديدات التي تستهدف المضايق والممرات البحرية والتصدي بكل الوسائل الممكنة لنفوذ القوي الدولية والإقليمية وأطماعها في المياه.