مقالات
الرشوة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية بين التأصيل وسبل المواجهة (علي الحاروني- مصر)
إن الرشوة هي داء إقتصادي يهز كيان الإقتصاديات للأمم لأنها تؤدي إلي التخلف الإقتصادي وغياب العدالة الإجتماعية وهو ما خدرت منه العديد من التقارير والدراسات الأكاديمية الحديثة ومنها التقرير الصادر عن الأمم المتحدة وبرنامج التنمية المستدامة والذي حذر من الرشوة بإعتبارها من أهم عوامل غياب العدالة والتهميش الإجتماعي والفقر .
ونظراً لخطورة إشكالية الرشوة فإن الإتجاه الفعال لمواجهتها يتطلب تأصيلها وتشخيصها لمعرفة أسبابها وتداعياتها ومدي تغلغلها في المجتمع ومن ثم وضع تصور عملي وواقعي بمواجهتها.
أسباب ودوافع الرشوة:
هناك عديد من الأسباب التي تقضي إلي إنتشار الرشوة ومن أهمها ضعف الوازع الديني وفساد الأخلاق والفساد الإداري وغياب الرقابة والمساءلة وإتسام القوانين بالغموض وتعدد تفسيراتها مع وجود البيروقراطية الإدارية والإجراءات الروتينية طويلة الأمد وغياب العدالة في تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ، مع ضعف الوعي والثقافة المجتمعية وتغليب المصالح الشخصية والإنتماء القبلي والعشائري علي الإنتماء الوطني وهذا يرجع إلي الخلافات المذهبية أو الطائفية وإتساع الفجوة بين طبقات المجتمع.
أضف إلي ذلك ضعف النظام التربوى وغياب دور الأسرة والمؤسسات التعليمية وإفتقاد القدوة الحسنة وإفتقار المناهج وطرق التعليم إلي بث القيم والأخلاق النبيلة مثل الصدق والأمانة والحياء والقناعة والرضا بقضاء الله وأخيراً من أهم أسباب الرشوة الخلل في المنظومة الإقتصادية حيث الخلل وعدم عدالة توزيع الدخل وتدني الأجور مع ارتفاع الأسعار وضيق الحالة المعيشية وتردي الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية.
تداعيات الرشوة:
من أهم التأثيرات السلبية للرشوة أنها تترك بصماتها السيئة علي كافة الأصعدة حيث تؤدي إلي تفاقم الأزمات الإقتصادية من تبعية وتخلف وتدهور إقتصادي إلي تفكك وإنحلال أخلاقي وعدم العدالة الإجتماعية في الثروة والدخل والأجور وزيادة الكراهية والبغضاء والحسد بين فئات المجتمع للتفاوت الكبير بين طبقات المجتمع إقتصادياً وإجتماعياً ومما يؤثر بالسلب علي المجتمع سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً.
برامج عملية وواقعية للمواجهة:
من أهم الآليات الفاعلة لمواجهة الرشوة سواء علي المستوى التشريعي أو الرقابي أو الإعلامي والمجتمعي يتمثل في ضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بالرشوة والفساد الإداري والاقتصادي لسد منافذ وثغرات تلك القوانين ومنع تعدد التفسيرات والتأويلات القانونية وتشديد العقوبات لتكون أكثر ردعاً، مع الإهتمام بضرورة العمل علي رفع المرتبات والأجور بحيث تلبى الإحتياجات المعيشية وتمنع فتح الأبواب الخلفية للرشوة.
يُضاف إلى ما تقدم، ضرورة الفصل بين السلطات خصوصاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لمنع تكوين طبقات وشخصيات ذات مناصب وسطوة إدارية ومالية، مع تفعيل دور الرقابة والمساءلة ووضع معايير عادلة وشفافة في تطبيق مبدأ التعيين والترقية لتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص.
وأخيراً لا بد من العمل من خلال وسائط الإعلام علي الترويج للأخلاقيات والقيم الدينية النبيلة والقائمة علي العفه والشرف وقضاء حوائج الناس بلا غرض أو مصلحة فالفساد الأخلاقي والتربوى وغياب القوانين والتشريعات الرادعة والعدالة الإجتماعية كلها منافذ تحتاج إلي إعادة هيكلتها وإصلاحها جذرياً للمحافظة علي مجتمعاتنا العربية والإسلامية من الرشوة والتي هي ذات تأثير قوى علي الإقتصاد والعدالة الإجتماعية وهما عماد قوة الاقتصاد.