أدب وثقافة
د. حاتم الجوهري يطرح فرضية جديدة في السياسة الدولية
في سياق مشروعه الفكري الذي يعمل عليه مؤخرا حول “المسألة الأوربية” وما بعدها قدم الدكتور حاتم الجوهري الأكاديمي والكاتب المعروف، دراسة جديدة بعنوان (الطريقان الرابع والثالث.. استعادةالمسألة الأوربية أم تجاوزها!)، وذلك في عدد شهر سبتمبر من جريدة (أدب ونقد).
وهي الدراسة التي تطرح فرضية جديدة في السياسات والعلاقات الدولية والفكرية، مفادها أن ما سمى بمشروع الأوراسية الجديدة الذي تطرحه روسيا مؤخرا في القرن الحادي والعشرين، وتسميه الطريق الرابع، هو في حقيقة الأمر محاولة لإعادة إنتاج التناقضات و(الثنائيات الحدية) الخاصة بـ(المسألة الأوربية) القديمة، من ثم تقدم الدراسة فرضية أن الطريق الرابع الروسي هو تخليق لنقيض جديد في مواجهة الطريق الثالث الغربي الأقدم.
وترى الدراسة أن روسيا تستخدم المسيجية الشرقية الأرثوذكسية شعارا في مواجهة المسيجية الأمريكية البروتستانتية، وتلتقي معها في بعض مبادئ الليبرالية، لكن أثر (الثنائية الحدية) وتناقضاتها الجديدة على العالم وإعادة إنتاج (المسألة الأوربية)، سيكمن في السعي الروسي للتمدد الجغرافي لحصار الحضور الأمريكي ودفعه للوراء.
حيث تقدم الأوراسية الجديدة والطريق الرابع استقاطبا حضاريا بين ما تسميه قوى البر الأوراسية بقيادة روسيا والتي تقع جغرافيا في المنطقة الممتدة بين أوربا وأسيا، وبين ما تسميه قوى البحر الأطلسية بقيادة أمريكا والغرب، والقدرة على التمدد الجغرافي والتمدد الجغرافي المضاد بينهما، في مناطق العالم المختلفة.
ولكن أخطر ما تقدمه الدراسة– تطبيقا على الحالة العربية والمصرية – هو “نموذج معرفي” جديد استنادا للفرضية النظرية الرئيسية لها،وترصد في هذا النموذج مشاهدة دالة مفادها خروج بيان لوزارة الخارجية الروسية في شهر يوليو 2021م بالتواكب مع تصريح لوزير الخارجية الروسي بفارق يوم واحد تقريبا، إذ يأخذ البيان موقفا حادا من الحق العربي المصري والسوداني في أزمة “سد النهضة”، ويعلن تصريح وزير الخارجية دعم الكنيسة الروسية والخارجية لما أسماه “اضطهاد” مسيحي الشرق الأوسط الذي ارتبط بـ”فرض الديمقراطية” الغربية!
فتعتبر الدراسة هذه المشاهدة مؤشرا محتملا لظهور “نمط روسي” (Pattern)بخطاب جديد في السياسات الخارجية تجاه الذات العربية ومنطقة الشرق الأوسط، مقدمة فرضية تضعها محلا للبحث والدرس، وهذه الفرضية تقوم على وجود رابط بين بيان الخارجية الروسية، وبين صعود “المسيحية الشرقية” بوصفها أحد أبنية مشروع “الطريق الرابع” أو “النظرية الرابعة” الروسية، وتفترض أن “النمط الروسي الجديد” هو محاولة لإعادة إنتاج تناقضات “المسألة الأوربية”.
وتعمق الدراسة من نطاق فرضيتها البحثية لتفترض أن “الطريق الرابع” نفسه هو نتاج لسمة قديمة في “المسألة الأوربية”، وتَعَقدها وتحولها إلى “متلازمات ثقافية” تدور حول نفسه دون حل وهي سمة “الثنائيات الحدية” المتصارعة، وأن “الطريق الرابع” الروسي في الشرق هو الرد الذي تأخر قليلا على ظهور “الطريق الثالث” في الغرب والنيو ليبرالية، مهتمة الدراسة بأثر ذلك على الذات العربية وملفاتها الساخنة، خاصة في ملف سد النهضة بوصفه تمددا جغرافيا روسيا لبناء النفوذ وفق الأورسية الجديدة وطريقها الرابع، ولكن على حساب الحق المصري والسوداني.
ولكي تبحث الدراسة في هذه الافتراضية وتختبرها انقسمت الدراسة إلى مبحثين وستة عناصر، المبحث الأول بعنوان: مؤشرات استعادة “المسألة الأوربية” وتناقضاتها الجديدة، وشمل ثلاثة عناصر هي: الاستعادة أم التجاوز؟ الصراع الكامن بين الذات العربية والأوربية، روسيا والمسيحية الشرقية وإعادة إنتاج تتناقضات “المسألة الأوربية، “الثنائية الحديدة” الجديدة والطريق الثالث الغربي والرابع الشرقي.
والمبحث الثاني بعنوان: سمات الطريقان الثالث والرابع وأزمة الذات العربية، وشمل ثلاثة عناصر هي: سمات إعادة إنتاج “المسألة الأوربية” بين الغرب والشرق، صراع الحضارات في طبعته الشرقية وقوي البر ضد قوى البحر، الذات العربية والبحث عن استراتيجية لمواجهة “المسألة الأوربية”.