ظهرت في يوم السابع والعشرين من شهر يوليو الماضي لعام 2021 الطبعة الأولى من كتاب حديث مهم لكل محبي الفنون والثقافة والعلوم، ويدور عن أكثر السيدات تأثيرا في مجتمعهن وعلى مستوى الشرق الأوسط كاملا بدءا من الحضارة المصرية القديمة وحتى هذه اللحظة الراهنة.
يحمل هذا الكتاب المكتوب باللغة الإنجليزية عنوان: Female Pioneers from Ancient Egypt and the Middle East/ السيدات الرائدات من مصر القديمة والشرق الأوسط”. اشترك في تأليفه مجموعة من الكتاب والباحثين من جنسيات مختلفة في تخصصات متنوعة أثمر فى النهاية اثنى عشر فصلا، تبلغ عدد صفحاته في النسخة الورقية 215 صفحة، بينما تصل صفحاته في النسخة الإلكترونية إلى 371 صفحة.
يحمل الفصل السادس عنوان: (نيللي: الهرم الخالد في التمثيل والأعمال الاستعراضية السينمائية والمسرحية والتليفزيونية فى مصر والشرق الأوسط). يشير العنوان بكل دقة ووضوح ومن أقصر طريق إلى مكانة الفنانة المصرية (نيللى) الفنية شديدة التفرد بكل المقاييس العلمية، بعيدا عن الانطباعات الوهمية والفتاوى المتعثرة لغير المتخصصين ومصالح المنتفعين والشللية وتضليل بعض الإعلام الممنهج لتوجيه المتلقي توجيها خاطئا تماما بفعل الإلحاح المتواصل وتغييب وعيه.
إذا كانت (فيروز) هي الطفلة المعجزة الصغيرة فإن (نيللي) هي المعجزة الكبيرة، ليس في فنون الاستعراض وحدها طبقا للنظرة القاصرة السائدة بالإكراه، وإنما في فن التمثيل من قبل الاستعراض وهذا ما يتم تغافله باستمرار عن عدم تخصص أو عن عمد.
والنتيجة فى الحالتين واحدة، وهى التعدي على كامل قيمتها الفنية الحقيقية التي لم يأت مثلها على مر تاريخ الفن المصري.
ركز الفصل السادس على بعض النقاط المهمة المتصلة للتعامل مع إبداعات (نيللي) المتوالية عبر كافة الوسائط الفنية من سينما ومسرح وتليفزيون وإذاعة دون ترتيب، استثمارا لمواهبها التي إذا تعاملنا معها بمنطق الكم الذي يميل إليه البعض رغم عدم عدالته أحيانا كثيرة سنجدها أكثر من عدد أصابع اليدين الاثنتين.
أما منهج الكيف الأمين الذى لا يحب ولا يكره ويتعامل مع الفن الراقى كقيمة تمثله الأشخاص وليس العكس، فيجزم أن كل موهبة من مواهب “نيللى” المتعددة كفيلة وحدها بوضعها فى مكانة الريادة. أما اجتماعها وكيفية استثمارها لها طوال العمر بكل تركيز ومن خلال قرارات فنية،وتضحيات فهذا ما يجعلها معجزة فنية يُؤرخ العصر بوجودها وليس العكس، وهذه هى المكانة الحقيقية للمعجزات الفنية فى كل مكان وزمان.
إن “فيروز” ليست مجرد طفلة (لمضة) تجيد الرقص، فالمسألة أعقد من ذلك بكثير كما جاء فى تحليل الفصل السادس بأقل القليل بسبب قيود المساحة سامحها الله! إن (نيللى) ليست مجرد ممثلة تجيد الرقص يُختزل كل وجودها بكل استسهال وسذاجة فى فيلم “العذاب امرأة”، ومعه أقل القليل من عدد ضخم من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية. ولا هى تُختصر عنوة فى كلمة (الفوازير) رغم كل إبداعها بمخرجيها المختلفين سنوات طويلة. فقبل (الفوازير) كانت هى “نيللى” وبعد فيلم “العذاب امرأة” مازالت هي (نيللى).. لو كانت تُجتزأ فى هذين العملين لأصبحت فنانة قوية نعم، لكن سيطويها النسيان حتى وهى تعمل، لكنها لن تحتل مقعد المعجزة الخالدة..
كيف إذن نتعامل مع “نيللd”؟
نتعامل معها بمنطق (التقهقر الإجباري) إلى الخلف خطوات إلى الوراء”.. بمعنى أولا: عدم الانخداع بالسهولة الشديدة التي تظهرها (نيللى) في التعامل مع مواهبها، سواء بالإعداد وبالتطوير ثم التجسيد أمام الجمهور صوتا وصورة، فهذه البساطة لا وجود لها على الإطلاق! إنها ليست الحقيقة وإنما هو أسلوبها في التعبير عن الحقيقة.. مجرد غلاف رقيق من الذكاء الحاد تتواصل به مع كل من حولها ومع جمهورها، الذي إن لم يدرك هذه الحقيقة فهو يحسها جيدا، حتى لو لم ينجح في ترجمتها إلى كلمات واضحة. إن (نيللي) وجمهورها بكافة طبقاته وأعماره وتوجهاته يفهمان بعضهما البعض جدا فوق ما يتصور أي شخص.
ثانيا: نتقهقر خطوة أخرى إلى الوراء ونتخلى ولو مؤقتا عن فتنة جمالها الخارجي.. فهي كانت ومازالت مصنفة واحدة من أجمل جميلات الفن المصري بلا منازع. لكن ماذا يفعل الجمال وحده؟؟ ماذا ستجنى من الصورة وأنت لا تعرف الأصل؟؟ الجمال ليس منتهى الصورة بل أولها، إنه انعكاس يقينى لأسرار الروح وقوة ومصداقية دائرة حياتية كاملة لآليات قدرات ونفوذ العقل والقلب والجسد.
ليس بوسعي الاستفاضة أكثر من ذلك لا في النقطة الأولى ولا الثانية، ولا مجال لاستعراض ملامح الفصل السادس بأكمله، لكن طالما بدأنا نقطة الجمال فلنكملها بأقل الكلمات. إن جمال الوجه ولغة الجسد هما أقرب نقطة أمام العين المجردة للتطلع أو حتى للانجذاب إلى فترينة العرض الظاهرة أمامنا، بينما الحقيقة أنهما يحتلان المرتبة الأخيرة إذا جاء دورهما في تحليل الكاريزما.
إن أول خطوة في سر قوة وبقاء كاريزما (نيللي) الحقيقية تكمن في المجموع الكلي لصهر مفردات الإنسانة والفنانة (كلها على بعضها) كحالة شديدة التفرد في قيمتها كمعجزة فنية، بشرط أن تسير في استقبالها والتعامل معها طبقا للاتجاه الصحيح من الداخل إلى الخارج وليس العكس أبدا.. وإذا صممت على السير في الاتجاه العكسي فلن تجنى إلا نتيجة إجبارية واحدة، وهو أنك ستخسرها إلى الأبد.
زر الذهاب إلى الأعلى