مقالات

وزير التعليم بين التردد والحسم!!    (بقلم: محمد ناجي المنشاوي- مصر)

في صيف 2018 تولى الدكتور طارق شوقي مسؤولية التعليم قبل الجامعي في مصر، مصحوبا بمراكز دولية عظيمة، تولاها في مجال الحقل التربوي؛ ما جعل الأمل في إصلاح تعليمنا المصري المهترئ يكبر في نفوسنا المتطلعة لانتشال هذا التعليم الغارق في مستنقع التجارب الفاشلة والمتراكمة عبر سنوات طويلة.

  وأطلق السيد الوزير طوفانا من التصريحات مبشرا فيها المجتمع المصري برؤية جديدة قادرة على نقل تعليمنا نقلة نوعية تضعنا في صدارة الدول التي تربعت على قمة التعليم.

  والمتابع لتصريحاته في الصحافة والإعلام المرئي والمسموع، سيجد نفسه في موقف المرتبك نظرا لكم التصريحات التي تناقض بعضها بعضا في مشهد مثير للدهشة.. فكم حدثنا عن (التابلت) وما سيجنيه المصريون من ورائه ! وسارع معاليه باستدعاء المعلمين في التعليم الثانوي لحضور دورات تدريبية مكثفة قبيل العام الدراسي بأسبوع واحد، على أن يتم تدريبهم جماعة بعد جماعة.

 ثم قرر عدم الاستعانة بأساتذة التربية في الجامعات المصرية في مهمته في إصلاح التعليم، كما قرر إلغاء الكتب الخارجية إلغاء تاما وأنه سوف يعيد الطالب إلى المدرسة بعد انقطاع دام طويلا للصف الثالث الثانوى. وأخذ على نفسه عهدا أكيدا بمحاربة الدروس الخصوصية وأنه سيعقد امتحانات تعتمد على أسلوب التقويم الجديد، وهو الاختيار من متعدد بناء على الفهم والاستنباط وقرر أن المرحلة الثانوية بجميع مراحلها هي شهادة  مقسمة على تلك المراحل الثلاث عن طريق  التقدير التراكمي بعدد 12 امتحانا على مدار كل صف يؤخذ منها متوسط أعلى ستة امتحانات تضاف إلى رصيد الطالب.

   وقد قرر معاليه أن هذا سيتم منذ اللحظة الأولى، ومن ثم قرر إلغاء امتحانات الشهور ودرجات أعمال السنة وأن الامتحانات التراكمية سوف تبدأ على الفور عند وصول (التابلت)  وبقي الطلاب في تربص وانتظار لمجيئ ما لا يجئ.

والحق أنه لم يتحقق شيء مما سبق واماتحقق منه كان مضطربا ومرتبكا وعشوائيا ومتسرعا فدورات التدريب تم ندب المعلمين لها بأسلوب عشوائي فكثير من المعلمين كانوا على الطرف الأخير من سنوات الخدمة ولم يتبق لهم سوى ثلاثة أشهر أو أقل على رأس العمل ثم يخرجون إلى التقاعد.

  ولك أن تتخيل معلمين ومعلمات على مشارف الستين ماذا يكون حماسهم لتدريب مكثف وبرامج معقدة تحتاج إلى أذهان شابة يقظة يتمتع أصحابها بصحة جيدة ؟ حتى إن شباب المعلمين لم يكن في مقدوره تلقى هذا النوع من التدريب في بضعة أيام الأمر الذي انتهى بهؤلاء وأولئك إلى اليأس والإحباط؛ إذ لم يغير التدريب الروتيني هذا شيئا منهم  وكأنه كان العدم بعينه.

  أضف إلى ذلك، عدم استقرار العملية التعليمية في شهرها الأول فقد خلت المدارس الثانوية من المعلمين المتدربين ما أوحى للطلاب الجدد بعدم الجدية.. ومما زاد الطين بلّة أن ذلك قد تزامن مع تأخر وصول التابلت إلى مدارس كانت في معظمها غير مهيأة للبيئة الإلكترونية.

 وما إن اقتربنا من نصف العام الدراسي الأول ولم يصل التابلت، حتى خرج علينا الدكتور طارق شوقي ضاربا بتصريحاته وقراراته السابقة عرض الحائط، ليقرر  أن النظام الجديد سيكون مقصورا على الصفين الثاني والثالث فقط، وأن الصف الأول سيكون دائما عاما تجريبيا وتدريبيا على استخدام التابلت.. ثم قرر فيما بعد الاقتصار على الصف الثالث فانهارت خطة الوزير.

    ولما وصل التابلت علم القاصي والداني سقوط الشبكة وامتحان الطلاب ورقيا في امتحان نصف العام الذي أعده الوزير امتحانا تجريبيا وكذلك امتحان آخر العام ما دفع بالطلاب إلى التراخي والغياب عن المدرسة. وتبعهم طلاب الصف الثاني، وبالطبع كان سبقهم إلى قطيعة المدرسة والانقطاع عنها منذ سنوات مضت طلاب الصف الثالث.

  وباتت مدارسنا خاوية على عروشها.. ويمَّم الطلاب وجوههم نحو مراكز الدروس الخصوصية بكثافة شديدة، وفقدت المدرسة وظيفتها فقدانا مأساويا يدمي القلوب، ولَم يتلق الطلاب أي لون من التدريب والتعليم وفق نظام التقويم الجديد وأصبحوا فريسة لفئة من المعلمين خارج أسوار المدرسة غير مؤهلين لهذا النظام.

  ومضوا في عملهم وفق استراتيجية التلقين والحفظ والاستظهار ولم يشعر الطلاب الهائمون على وجوههم في الشوارع بمدى الكارثة التي يمرون بها (فرحين) باللهو والعبث والنجاح (السهل)، بعد أن أرسل إليهم الامتحان عبر الهواء الإلكتروني في منازلهم فأجابوا عليه بمساعدة (أولاد الحلال ذوي السبوبة والمسترزقين).

 وخرجت النتيجة بنجاح كل الطلاب بالطبع، وأعلن الوزير حينئذ أن العالم يتعلم من تجربتنا المذهلة، وصدَّق الطلاب تلك الفرية وكذلك الغالبية العظمى من أولياء أمورهم، وعبروا جميعا إلى الصف الثالث سالمين غانمين نجاحا رخيصا زائفا ومدلسا  وكانت الطامة الكبرى حين خاضوا امتحانات آخر العام فوجدوا أنفسهم أمام تقويم لا يعلمون عنه شيئا إلا قبيل امتحان آخر العام بشهر واحد.

   ولم يكن في إمكان المعلم ولا الطالب في وقت وجيز استيعاب التقويم الجديد والتدريب عليه، والمهم في الأمر أن الكتب الخارجية لم تتوقف عن الظهور وأن الطلاب لم يعودوا إلى المدرسة ومراكز الدروس الخصوصية زادت توحشا  وحالات الغش صارت أشد ضراوة واتساعا  والتابلت لم يستعمل قط.

 

 

وما انفك السيد الوزير يطلق تصريحاته من ناحية، و مازالت الأمور تمضي على سابق عهدنا بها، ولوكان الدكتور طارق ركز اهتمامه في اتجاه واحد فقط وهو الاهتمام بنظام التقويم الجديد، لكفاه.. ولكن يبدو أن أمورا كثيرة غابت عنه عن قصد أو عن غير قصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى