شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:
يحتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام وهو اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في عام 1973م بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية في المنظمة؛ نظراً لأنها لغة الإبتكار والتجديد وأكثرها إنتشاراً وإستخداماً في العالم، حيث ينطق بها حوالى 430 مليون متحدث في 60 دولة.
و(العربية) من اللغات الرسمية الستة للأمم المتحدة حيث يتكلمها أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم وذلك لقدرتها على التطور ومواكبة وإستيعاب التغيرات العالمية ولدورها الثقافي والتاريخي والعلمي.. فكيف لا وهي لغة القرآن الكريم والتي ذكرت في الأحاديث النبوية الشريفة وتمثل اللغة الرسمية فى الدين الإسلامي، والتي نقلت تاريخ ثقافة الحضارات العربية عبر الزمن ومن أهم العوامل التي حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.
ولعل هذا اليوم العالمى للغة العربية هى مناسبة فريدة لنحتفى بلغتنا الأم ولندرك أين وكيف أصبح حالها حيال صعود لغات العولمة وإبتعاد معظم البلاد عنها خاصة فى ظل العالم الإفتراضى وحجب معظم المنصات الرقمية العربية عن إستخدامها فى المحتوى المنشور واستبدالها بمفردات عامية فى محاولة للتقرب من المتلقى وإيصال المعنى بسهولة مما أضر باللغة العربية ويؤدى الى إضعافها.
فما هو أهمية اللغة العربية العالمية؟ وما هو واقعها والتحديات التى تواجهها؟ وكيف يمكن رد الاعتبار لها لتعود من جديد لغة عالمية أثرت الحضارات والثقافات وركن من أركان الحوار الثقافى بين الشعوب؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه عبر ثلاثة مباحث رئيسة.
أولاً- لماذا اللغة العربية.. لغة عالمية ؟
قد تعد اللغة العربية من أكثر اللغات إنتشاراً أو استخداماً فى العالم نظراً لإحتوائها على الكثير من الكلمات والالفاظ والمعانى ومن أهم مقومات الهوية العربية حيث أسهمت فى حفظ تاريخ العرب قديماً وحديثاً وكانت معجزة نزول القرآن الكريم بهذه اللغة الأمر الذى أضفى عليها القدسية والعناية الإلهية وأصبحت لغة أمة اسلامية قادت العالم لقرون متتالية وساعدت على نقل المعارف العلمية الفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا فى عصر النهضة.
كما أن اللغة العربية تمتلك سجلاً ضخماً من المخطوطات العربية والإسلامية وتتربع عرش لغات العالم فيما تملكه من مخطوطات من دون منازع وهى هوية الأمة العربية وتتميز بالبلاغة والبيان. كما انها لغة الابتكار والتجديد وتمتاز بقدراتها على التكيف والابداع فى مختلف العلوم كالهندسة والجبر والطب والفنون والتجارب العلمية بالاضافة الى ما وصلت اليه من الابداع فى مجالات الأدب والتأليف.
ومما تميزت به اللغة العربية عن باقى لغات العالم أنها تنطوى على العديد من الأساليب اللغوية كالفصحى والعامية والأساليب الشفهية والمكتوبة ، علاوة على التنوع الفنى فى الخطوط الكتابية والنثرية والشعرية والعلمية ، وقدرتها على نقل العلوم والمعارف من مختلف اللغات والحضارات ، مع إمكانية التحاور بها كلغة مع مختلف اللغات والثقافات.
ثانياً- التحديات الحالية والمستقبلية التى تواجه اللغة العربية
تواجه اللغة العربية اليوم تحديات كبرى على كافة الأصعدة وبشكل خاص فى ظل التحول الرقمى والثورة التكنولوجية وعبر وسائل التواصل الاجتماعى أو عبر الاعلام والتى لعبت دوراً فاعلاً فى تهميشها حيث أسهمت هذه الوسائل فى ولادة لغة وسيطة تجمع بين اللهجات العربية المختلفة واللغة الفصحى وظهرت مفردات غربية وغريبة دخلت إلى اللغة العربية حتى أصبحت جزءاً منها وأفقدتها شعبيتها.
وقد تراجع الاهتمام باللغة العربية فى التعليم بدءاً من المدرسة حتى الجامعة حيث نشهد إنتشاراً واسعاً للغات الأجنبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية تليها اللغة الفرنسية، مع تفضيل الأهل على التواصل مع أطفالهم باللغة الأجنبية مستبعدين فى ذلك اللغة العربية، فضلا على لجوء بعض المنصات الرقمية الى استخدام مفردات عامية ولهجات ركيكة وغير مفهومة لدى المتابعين فى أنحاء العالم العربى ومن هنا فإن معظم المحتوى المنشور فى الاعلام الرقمى يتسم بالضعف من الناحية اللغوية وهذا عائد الى القصور من المتخصصين فى اللغة العربية وعدم خوضهم مجال العالم الافتراضى ودعم المحتوى الثقافى واللغوى فيه.
وهناك عديد من العوائق التى تواجه اللغة العربية وتطورها ومنها عدم إضافة مصطلحات جديدة حتى تواكب التطور البشرى وتطور الوسائل والمعارف وأن تتصل بالواقع والمتغيرات، مع عدم إضافة حروف وتراكيب جديدة وإهمال الجانب الوظيفى لاستخدام اللغة العربية، وعدم تنمية المهارات اللغوية المطلوبة فى الحياة العملية، مع غياب التدقيق اللغوى وانتشار ركاكة الأسلوب كما أن عدداً كبيراً من المدراس الخاصة والدولية لا تهتم بتدريس اللغة العربية لاسيما فى مراحلها التأسيسية، وهذه المدارس تكتفى بالحد الأدنى فى تدريس اللغة، وعدم تطور علم النحو وغياب الرغبة فى الصحة النحوية والسلامة اللغوية من مستخدمي اللغة العربية.
وثمة نقص فى برمجيات تعليم اللغة العربية وتعلمها، وعدم استعمال الناطقين باللغة العربية لغتهم الأم واستخدام اللغات الأجنبية فى التعامل وفى مختلف المناسبات والأعمال، مع ضعف وغموض الترجمة لمعظم الكتب فى مجال الثقافة العلمية، مع عدم تطوير علم اللغويات للغة العربية وندرة وجود قواميس حديثة وجهود متطورة ومتكاملة للقواميس سواء العامة أو المتخصصة، مع وجود ندرة فى مراجع حديثة للمرادفات أو مراجع للاستخدام العملى فى النحو وغياب أدوات التقنية الحديثة من المدقق الإملائى أو النحوى أو خاصية التعرف البصرى على الحروف.
ثالثاً- رؤية مستقبلية للغة العربية على ضوء التحديات المعاصرة
إن اللغة هى البيئة الفكرية والحضارية للشعوب والأمم والتى تربط بين حاضرها ومستقبلها ومن هنا فإن علينا واجب تطويرها من حيث طرق تعريف المصطلحات العلمية العربية وتطوير علوم اللغة وأدواتها وتحديث مراجعها ، مع الاهتمام بأساليب نشر الثقافة العلمية ومراعاة الدقة لحد الصرامة فى نشر المفاهيم والنظريات العلمية لعامة الناس.
ولابد من تحديث مناهج تعليم اللغة العربية للنشئ والكبار ولغير المتحدثين لهذه اللغة ووجود تنسيق الجهود الرسمية أو الحكومية فى حركة ترجمة الكتب والدوريات والوثائقيات العلمية رغم قلة الترجمة عموماً فى مجال الثقافة العلمية، ويمكن إقامة قاعدة بيانات للأعمال المترجمة من خلال المشاريع القومية للترجمة في كافة الدول العربية.
وبالإمكان العمل على مضاعفة حجم الترجمة من اللغات الآخرى إلى اللغة العربية فى كافة المجالات عموماً وفى مجالات الثقافة العلمية خصوصاً، كما أنه لا بد من تعريب التعليم الجامعى وتشجيع البحث العلمى باللغة العربية والعمل على تطوير وإنشاء دوريات علمية عربية محكمة لنشر هذه الأبحاث والعمل على تعظيم المحتوى العربي الرقمي على شبكة الانترنت بشكل عام والمحتوى العلمي على وجه الخصوص.
ومن الأهمية بمكان، العمل على ضرورة رفع جودة المنتج العلمى العربى باللغة العربية الانتشار للمنتج العلمى العربي في الجامعات ومراكز الأبحاث، فضلاً عن الحاجة الملحة لإنشاء مرصد عربي للكتاب هدفه متابعة مركز النشر العربي بشكل دقيق ومواجهة قرصنة الكتب.
والمؤكد أن للمؤسسات الثقافية والدينية والاعلامية والأسرة دورًا فى إثراء اللغة وفى غرس حب اللغة فى الأجيال المستقبلية ، مع التأكيد على دور المؤسسات التعليمية والعلمية فى التواصل المكثف مع المدارس لتبسيط المناهج للاقبال والترغيب فى اللغة العربية والعمل على فض النزاعات بين اللهجات وصولاً الى مصالحة لغوية.
كما أنه لابد من مخاطبة المؤسسات والكيانات الحكومية والخاصة فضلاً عن الجامعات من خلال دعوتها للاهتمام باللغة العربية الفصحى فى مكاتباتها الداخلية والخارجية وعدم إقحام اللغات الآخرى لتحل محلها إلا فى حالات الضرورة المتمثلة فى مخاطبة غير الناطقين بها.
وينبغي عقد برامج لتأهيل العاملين بها وذلك ليتم التحدث باللغة العربية بشكل جيد مع دعوة المؤسسات التعليمية لإعطاء اللغة العربية الأولوية مقارنة بغيرها من اللغات التى تدرس للطلاب ، وفى هذا السياق يجب العمل على تنظيم الفعاليات وورش العمل لكى نزيد بوعى الطلاب باللغة العربية وتعليمهم الخط العربى والقراءة الشعرية لأدباء اللغة العربية.
وفي النهاية يجب التأكيد على الدور الحضارى والثقافي والعلمي والأدبي للغة العربية، وهذا ما جعل شعار اليوم العالم] للغة العربية لعام 2021م هو (اللغة العربية جسر بين الحضارات) للتأكيد على دورها في تعزيز الحوار وبناء السلام.