شارع الصحافة/ إعداد- علي الحاروني:
سلط أحدث التقارير الصادرة عن معهد كونيس الأمريكي لفن الإدارة الرشيدة، الضوء على دور الولايات المتحدة في تقوية الأنظمة الاستبدادية، ودعمها بالمال والسلاح، وذلك تزامناً مع قمة المئة دولة لـ(بايدن)، والتي عقدت خلال يومي التاسع والعاشر من ديسمبر 2021م، والذي يدعو من خلالها إلى حشد الدول الديمقراطية لمواجهة الاستبداد في العالم، تحت عنوان (عام من العمل) لتحقيق هذا الهدف.
وعلي الرغم من الدعوات النبيلة الأمريكية التي تتشدق بها في مؤتمر بايدن للديمقراطية والمتمثلة في الدفاع عن الديمقراطية ضد الاستبداد والتصدي للفساد ومكافحتة وتعزيز حقوق الإنسان واحترامها.. إلا ان التساؤل الذي طرحة التقرير الصادر عن معهد كونيس الأمريكي هو لماذا تدعم الولايات المتحدة دون تحفظ العديد من الحكومات الإستبدادية وتفرض عقوبات قاسية علي حكومات أخري ؟!
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الحقائق والتقارير الصادرة عن مراكز دراسات دولية تؤكد بأن الولايات المتحدة تدعم عسكرياً 74% من الدول غير الديمقراطية في العالم، بينما تخضع بقية الدول غير الديمقراطية لعقوبات صارمة وهذا ما يعمل علي ترسيخ الحكم الإستبدادي، ويغذي الفساد الأمر الذي يزيد من سلطة الدولة علي حساب المجتمع المدني وحقوق الإنسان والحركات الديمقراطية.
ويأتي ذلك لأن هذه العقوبات المفروضة علي الدول غير الديمقراطية لا تجعل الحكومات الاستبدادية تركع لها إقتصادياً بل علي العكس تقوي قبضتها علي السلطة والإقتصاد بسبب الضغوط والعقوبات الاقتصادية الأجنبية وبالتالي تتحمل الطبقة الوسطي في المجتمعات الخاضعة للعقوبات تبعات وتداعيات تلك العقوبات ومما يزيد نسبة الفقر في تلك الدول.
– ومن هنا فإن الولايات المتحدة بدلاً من الدعم الأعمي للحكومات الإستبدادية وفرض عقوبات قاسية علي حكومات أخري عليها القيام بدعم المجتمع المدني في تلك الدول لمناهضة تلك الحكومات والتأثير في سلوكهم السياسي لحساب الطبقات الفقيرة.
ونحن في محراب قيمة بايدن هناك حقيقة لابد من مواجهتها وهي أن الولايات المتحدة في حاجة لمراجعة ذاتها بجدية خاصة وأن ديمقراطيتها الداخلية تتزنج وتتراجع لا سيما مع التمييز العنصري والإضطهاد للإقليات في داخل مجتمعاتها ، وأن تعمل علي القيام بمسئولياتها الدولية والتسيق مع القوي الكبري لمواجهة كوفيد – 19 والتغير المناخي وأن تعيد استراتيجياتها تجاه العقوبات الإقتصادية المنتقاه ضد دول بعينها وغض الطرف عن الإنتهاكات الصارخة وجرائم الحرب والتي يشهد بها القاسي والداني.
ومن هنا، قامت مجلة (فوريس بوليس) الأمريكية بهجوم حاد علي إدارة بايدن أثناء احتضانة للقمة الديمقراطية وأكدت علي أن الولايات المتحدة ليست أفضل مكان لإحتضان هذه القمة لأن أمريكا علي حد قولها مصنفة بأنها في فئة (الديمقراطية المعيبة).
ففي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة حليفها الإستراتيجي إسرائيل رغم انتهاكاتها الصارخة للمواثيق والعهود الدولية نجد أن الحركة الطلابية التابعة لكية الحقوق لجامعة نيويورك تعلن دعمها وتأييدها بشكل رسمي حركة مقاطعة إسرائيل وتطالب بفرض عقوبات عليها ومتهمين المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بتواطئها مع إسرائيل في إحتلالها وإستعمارها لفلسطين والفصل العنصري والإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني من خلال استثماراتها وتعاقداتها مع الشركات التي تستفيد من جرائم الحرب الإسرائيلية. ودعت الحركة الطلابية بحقوق نيويورك بإنهاء التبادل الطلابي مع إسرائيل والإنضمام إلي حركة المقاطعة وسحب الإستثمارات وفرض العقوبات علي إسرائيل.
ليت أمريكا تتعلم من مجتمعها المدني وخاصة الحركة الطلابية لكلية الحقوق بجامعة نيويورك أكبر جامعه في أمريكا وتنتصر للشرعية الدولية وللديمقراطية الحقيقية ولحقوق الأقليات وحق الشعوب في تقرير مصيرها واسترداد أراضيها المحتلة ومعاقبة المحتل لا مكافأتة علي جرائمة.
علاوة علي أن الجميع لابد أن يعي بأن طرح الديمقراطية الأمريكية كنموذج عالمي يحتذي به وتخصيص مبلغ 424 مليون دولار لدعم حرية الصحافة والإنتخابات الحرة وحملات مكافحة الفساد هي فكرة مثالية وسيئة وغير مطابقة لأرض الواقع الأمريكي وخير دليل علي ذلك رفض بايدن حتي الآن العفو عن مؤسس موقع (ويكيليكس) ليغتال حرية الصحافة تحت إدعاءات حماية الأمن القومي.
ولعل هذا ما تم تأكيده وفقاً لأحدث التقارير والدراسات الأكاديمية واستطلاعات الرأي ومن أهمها استطلاع مركز بيو للأبحاث في أواخر نوفمبر 2021 م والذي أكد علي أن 17% من المستطلعين في 16 دولة متقدمة يعتبرون الديمقراطية الأمريكية نموذجاً يحتذي به مقابل 57% يرون أنها كانت مثالاً جيداً في السابق لكنها لم تكن كذلك في السنوات الأخيرة.
والســـــــــــؤال؛ هل يمكن لأمريكا أن تتجاهل معتقل جوانتا نامو والذي يشهد حالات واسعة من انتهاكات حقوق المعتقلين وحرمانهم من محاكمات عادلة، إضافة إلى ممارسة أبشع صور التعذيب ضدهم في الوقت الذي يحاضر فيه بايدن العالم عن ضرورة الإلتزام بحقوق الإنسان وسيادة القانون.
إن قمة المئة دولة هي نهج واضح لفرض أمريكا هيمنتها علي العالم وتبرير تدخلها في الشئون الداخلية للدول المناهضة لها وإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط لصالح حليفتها إسرائيل واحة الديمقراطية في الشرق الاوسط علي حد زعمها والإدعاء الأمريكي متجاهلة طبيعة الكيان الصهيوني العنصري والإستعماري ومحاولة إدماج إسرائيل في نسيج المنطقة العربية الإسلامية تحت ذريعة مواجهة الإرهاب لخلق نوع من الفتنة بين الحكام والشعوب وقمع تطلعات الأخيرة نحو الديمقراطية والحرية والتحرر والإستقلال ومقاومة الصهيونية الاستعمارية.
زر الذهاب إلى الأعلى