مقالات

الفراغ والمغامرة.. وفكر المؤامرة !! (بقلم: د. إسماعيل محمد- مصر)

كان عمي- رحمه الله- يقول لي: (سافر، غامر، جرب الأشياء وتعرف على الآخرين، اعمل كثيراً وتحدّث قليلاً.. لأنك يا بني عندما ستصبح في عمري ستجد وقتاً طويلاً بلا عمل، ستقضيه في الأحاديث، فاغتنم شبابك لتعدّ العدة التي تمدّك بوفرة الحديث أيام هرمك).

مثلت لي وصية «عمي» هذه جزءاً مهماً من فلسفة الحياة التي رغبت أن أعيشها، لكن هذا لم يحدث دفعة واحدة، بل لقد تدرجتُ في تفسير كلام «عمي» وتأويله بالتوازي مع ما صادفته ومررت به من مواقف وأحداث حتى اليوم.

تعاملت مع الأمر بداية كمجرد فكرة أو رأي، ثم شعرت أنني أصبحت أكثر اهتماماً بهذه المقولة، وكأنها نصيحة ينبغي العمل بها، فصرت ميّالاً لتفضيل الأعمال على الأقوال، مؤمناً أن الأولى تستحق التعجيل، بينما لا ضرر في تأجيل الثانية قدر المستطاع.

ثم لم يمضِ وقت طويل، حتى تحولت النصيحة إلى معيار أطبقه عندما أجالس كبار السن وأستمع لهم، فإذا وجدت في أحاديثهم حكمة المجربين وخلاصة من اختبر المواقف وخرج منها غانماً، حكمت أنهم عاشوا حياة تستحق، وأنهم كانوا قادة فاعلين ومنتجين استحقوا ما وصلوا إليه عن جدارة، منحتهم سعادة واطمئنان خريف العمر، فأرى هؤلاء الشيوخ راضين عن أنفسهم، ومتصالحين مع شيخوختهم، ومع مستقبلهم.

نعم مستقبلهم، وليس ثمة خطأ في ما كتبت.. هذا أيضاً ما تعلمته من قول «عمي»، الذي استفتحت به الكلام.

وقد التقيت ذات مرة ليست بالبعيدة أحد كبار السن، وليس ذكر اسمه بالأمر المهم على أية حال، إذ يكفي أن أقول إنه من أنجح الأشخاص الذين التقيتهم في حياتي، وكان ذا باع عظيم في التجارة والثقافة، كما كان رائداً في الأعمال الإنسانية التي ارتقت جهوده فيها إلى مستوى قريب مما تقوم به الدول والمنظمات العالمية.

كان جليسي هذا ودوداً طلق المحيا ومتحدثاً بارعاً في كل الموضوعات التي عرّج عليها حديثنا.. سألته متقصداً: أما زلت تفكر بالمستقبل أم توقفت عن التفكير فيه؟

أجاب بعدما قلّب السؤال في ذهنه لبرهة لمعت عيناه على إثرها: أنا لا أفكر في المستقبل.. أنا أعيشه الآن يوماً بيوم وساعة بساعة، فقد كبرت حتى أصبح مستقبلي حاضري. سألته: ألا تحن للماضي؟ قال جازماً: عندما يكون حاضرك جيداً فإنك لا تحن لماضيك.

‏جلس شيخ عجوز يحدث حفيده ويعلمه عن الحياة. فقال الفتى: «هناك قتال يدور في داخلي، قتال بين ذئبين، شريرٌ مليء بالخبث والغضب والجشع والأنانية والكبرياء الزائف؛ وخيِّرٌ مليء بالسلام والمحبة والفرح واللطف والإيثار والتواضع».

ربّت الجد على كتف حفيده وقال: «هذه المعركة نفسها دارت وتدور في داخل كل إنسان على وجه الأرض».. فصمت الحفيد للحظة ثم سأل: «جدي، أي ذئب سيفوز إذن؟».

ابتسم العجوز وقال: «الذي تطعمه».

الخير والشر موجودان داخل كل واحد منا.. هذا واقع يجب أن ندركه، وحقيقة يجب أن نُقرَّ بها، لنسير على طريق رعاية الخير فينا، وضمان انتصاره في النهاية.

يتبع…..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى