إن إنترنت الفضاء والذي هو من طرق الاتصال بالإنترنت بإستخدام الأقمار الصناعية بسرعات عالية جداً إلي المستخدمين وذلك عبر مدارات قريبة من الأرض مما يطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل الإنترنت بصورة خاصة وتأثيراته على سيادة الدول وأمنها القومي لا سيما وأنه أصبح بوسع الأفراد الحصول علي الإنترنت خارج سيطرة الدول وذلك من الفضاء مباشرة وعبر القمر الصناعي فما هو إنترنت الفضاء وأهم تطبيقاته ؟ وما هي التحديات التي تواجهها دول العالم في ظل انترنت الفضاء وتداعياته علي الأمن القومي العالمي ؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه عبر ثلاثة محاور رئيسة على النحو التالي:
أولاً- ماهية إنترنت الفضاء وتطبيقاته ؟
لم تكن الدول تبدأ بتدشين شبكات الجيل الخامس للاتصالات التكنولوجية والمعلوماتية والذكاء الإصطناعي حتى اشتعل الصراع الدولي بين كبريات الشركات في العالم بتقديم خدمات إنترنت الفضاء والذي من خلاله يتم الإتصال بالإنترنت عبر عدد قليل من الأقمار الصناعية المتحركة حول الأرض والتي تنقل البيانات والمعلومات بسرعة فائقة ودون الحاجة إلى محطات استقبال أرضية أو من خلال أطباق استقبال وإرسال كتلك التي تستخدم في استقبال البث التلفزيوني الفضائي ولكن بحجم أصغر ومن دون الحاجة الي توجيهها لقمر صناعي معين، حيث يقوم الهوائي بالتبديل بين الأقمار الصناعية بصورة تلقائية.
ومن أهم الشركات التي بدأت بالفعل في إرسال أقمارها لبث الانترنت إلي الأرض من هناك شركة (إسباسى إكس)، بمشروعها (ستار لينك ) تليها شركة (وان ويب)، والتي بدأت بإطلاق أقمارها وتقديم خدماتها التجريبية في أوروبا وشركة أمازون الأمريكية وذلك عبر مشروع ” كويبر ” ثم شركة (تيلي سات) الكندية التي تسعي لتقديم خدماتها إلي بعض الدول الأوروبية بحلول عام 2024م وذلك من خلال إطلاق 298 قمراً صناعياً لتوفير خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية للهيئات الحكومية وشركات الطيران والملاحة البحرية.
ثانياً- التحديات والمعوقات أمام الدول في ظل انترنت الأقمار الصناعية:
ان مشروعات انترنت الفضاء مثل (سباس إكس) أو (وان ويب)، تواجه عدة تحديات رئيسية من أبرزها القيود التي تفرضها الدول علي الشركات حيث أنه عادة ما ترغب الدول في فرض الرقابة على تدفق البيانات الخاصة بمواطنيها والتحكم فيها ولذا تطلب الدول الحصول على خاصية الإغلاق الطارئ لشبكة الإنترنت الفضائي في أي وقت.
وقد يمكن تحقيق ذلك عبر منح أو منع تصاريح المحطات الأرضية وهذا النموذج يصلح مع شركة (وان ويب) ولكن لا يصلح مع شركة سباس إكس التي يستطيع من خلالها ان يمتلك أي فرد محطة إرسال واستقبال حيث يمكن تهريبها لصغر حجمها حتى لو وضعت الدول قيوداً على بيعها، إضافة إلى أن هذه الشركات قد لا تحتاج أصلاً رخصة تشغيل من الدولة لبث خدماتها إلي المستخدمين بداخلها ومن هنا فلا سيادة للدول علي انترنت الفضاء.
كما ان ذلك يعني فقدان سيطرة الدول على قطاع الاتصالات خاصة وأنه أصبح بإمكان الأفراد الحصول مباشرة على الانترنت عبر الأقمار الصناعية دون الحاجة إلى محطات أرضية تتولى الإرسال والاستقبال وإذا استطاعت الشركات التكنولوجية إنتاج هواتف ذكية تعمل على شبكة الأقمار الصناعية القريبة من الأرض وبتكلفة تشغيل منخفضة فإن ذلك يعنى أن الاتصالات التقليدية خارج هيمنة الدولة.
ثالثاً: إنترنت الفضاء والأمن القومى العالمى (رؤية مستقبلية):
مع توجه الدول نحو الرقمنة في ظل التغيرات الهائلة التي يشهدها قطاع الاتصالات والمعلومات ليعلن بذلك عصر جديد من الاتصالات اللاسلكية فائقة السرعة دون الحاجة الى الاتصال بمحطات أرضية والذي في ظله يتم التحويل نحو الخدمات الذكية وبناء المدن الذكية، ومع اعتماد الأفراد على التقنيات الذكية من انترنت الأقمار الصناعية وتطبيقات الويب والهواتف الذكية فإن عدداً كبيراً جداً من تلك الخدمات والاجهزة والتقنيات سوف يعتمد على انترنت الفضاء نظراً لسرعة البيانات والقدرة على انتشارها حتى فى المناطق التى تعجز فيها الدول على مد خدماتها إليها وهذا يعنى أن الدول ومواطنيها أصبحوا تحت رحمة الشركات العالمية لخدمات الانترنت الفضائى والتى تمتلك كثيراً من البيانات والمعلومات والتى تستطيع من خلالها تهديد الأمن القومي للدول.
ومن هنا فإن الدول وكافة منظمات المجتمع الدولى أن تحاول تقنين وضع شركات الانترنت الفضائى مع سعي الدول لتقديم حلول بديلة ومبتكرة للقضاء على هذه الهيمنة والسيطرة حيث أن تلك الشركات تستطيع في أى وقت تمويت الدول بمؤسساتها وهيئاتها وقطاعها الخاص من خلال قطع خدمات الانترنت عنها وتعريض جميع خدماتها ومواردها وأمنها القومي للخطر.