في دراسة تقف على التدافع في التصورات المعرفية بين الذات والآخر، يقدم الدكتور حاتم الجوهري المشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب، دراسته وترجمته الجديدة عن دار خطوط وظلال الأردنية، بعنوان : “الصمود الصورة غير النمطية للعربي في الأدب الصهيوني”، والمتاحة في جناح الدار بمعرض القاهرة الدولي الـ 53 هذا العام.
وفي هذه الدراسة يعود حاتم الجوهري لتخصصه الجامعي المعتمد كأستاذ منتدب للنقد الأدبي والدراسات الثقافية بقسم اللغة العبرية، بعد أن قدم للمكتبة العربية كتابين شديدي الأهمية عن الثقافة الإنجليزية والثقافة الفرنسية (أغنيات البراءة والتجربة لوليم بليك، وتأملات في المسألة اليهودية لجان بول سارتر).
يطرح الجوهري في دراسته تصور الذات الصهيونية لنفسها، وفي الوقت نفسه يرصد تصورها للذات العربية، موضحة الدراسة انها تقف على صورة مغايرة وغير نمطية للذات والآخر في الكتابات الصهيونية، إذا تكشف الدراسة عن صورة للذات الصهيونية تقوم على الأزمة مركزها فكرة التعالي، وفي الآن نفسه تكشف الدراسة عن صورة للآخر أو الذات العربية تقوم على الصمود والكمون، وانتظار اللحظة التاريخية لاسترداد الحق في الوجود.
وتأتي ترجمة حاتم الجوهري الجديدة باعتباره من الأساتذة المتخصصين في مصر والعالم العربي في دراسة الأدب الصهيوني وفق منهجيات البحث الثقافية والحضارية غير التقليدية، والتي حصل فيها من قبل على جائزة ساويرس في النقد الأدبي عام 2014م، عن كتابه “خرافة الأدب الصهيوني التقدمي”.
وتأتي الدراسة الجديدة مصحوبة بترجمة كاملة للمختارات الشعرية التي عملت عليها بعنوان: “الحل النهائي للمسألة العربية”، لتقدم صورة مغايرة ومفاجئة للعربي في الثقافة الصهيونية غير معتادة من قبل، تقوم على فكرة القوة المختزنة والكمون في الزمن وانتظار لحظة الانتصار الوجودي، تمييزا لها عن الصور النمطية لدي الصهيونية الكلاسيكية يمينا ويسارا.
حيث كان اليمين الصهيوني يقدم العربي في صورة بربرية وحشية عدوانية غلظة، واليسار الصهيوني كان يقدمه في صورة الضحية والشريك القديم المتخيل لتيار “الصهيونية الماركسية” الذي نشأ في روسيا وأسس الأبنية السياسية والحزبية والنقابية والمستوطنات على طبعته الماركسية وخبرات تنظيمات اليسار الروسي اليهودي القديم.
لكن دراسة الجوهري تقدم للمرة الأولى صورة مغايرة وبعدا مغايرا للعربي وغير نمطي في الأدب الصهيوني، عند أحد أبرز مثقفي وشعراء الصهيونية (دافيد أفيدان)، وتُرجعُ مصدرها الفكري والسياقي لتحول قطاع كبير داخل اليسار الصهيوني بعد حرب عام 1948م لفكرة تسميها الدراسة «الصهيونية العدمية».
إذ قامت هذه “الصهيونية العدمية” ومدرستها على فكرة الأبوكاليبسية وانتظار الخراب الوجودي الكامن والمؤجل على يد العرب الفلسطينيين، حيث اعتبرت أن يوتوبيا الصهيونية كانت «الصهيونية الماركسية» ودعوتها لدولة مشتركة متخيلة بين يهود أوربا المستعمرين الفاتحين التقدميين، وبين العرب البدائيين الذين تعرضوا للاحتلال!
وحين انتهىت خرافة الصهيونية التقدمية أو «الاحتلال التقدمي» مع حرب عام 1948، وقرار تقسيم فلسطين إلى دولتين اعتبر قطاع كبير من أنصار الصهيونية الماركسية أن العالم (الصهيوني) قد انتهى وأن العرب الفلسطينيين، لابد بحكم الخبرات التاريخية سينتفضون في يو مما بقوة كافية لتفكيك المشروع الصهيوني.
ومن ثم سيطرت على أشعارهم وكتاباتهم فكرة الأزمة الوجودية والخراب الوجودي ونهاية العالم، ووضعوا في أشعارهم صورة غير نمطية ولم يتم رصدها من قبل في الأدب الصهيوني، تعتبر ان العربي صامدا وفي حالة كمون وانتظار لاسترداد ما سلبته منه الصهيونية.
وظهرت عندهم في الشعر مجموعة من القيم الجديدة وتصوراتها للذات اليهودية/ الصهيونية، وللذات العربية/ الفلسطينية كآخر، فصوروا الذات اليهودية في ثوب المتعالي بمرجعيات عدة تاريخية ودينية وعرقية، وصوروا العربي بأنه رغم كل هذا الظلم وطبقا للسنن الطبيعية التاريخية لابد سينتفض ليسترد وجوده السليب.
وكأن الدراسة ترصد صورة مغايرة للذات الصهيونية وللآخر العربي في عمل مزدوج لجهدها النقدي من خلال منهج النقد الثقافي، مقدمة الاستشهادات الشعرية ونقدها لتدلل على الصورة المغايرة تلك للذات الصهيونية، وللذات العربية.
ويسعى د. حاتم الجوهري لتقديم مشروع طموح بوزارة الثقافة، يقوم على فكرة الترجمة للآخر وفق اشتراطات جديدة للخطاب، طرح بعضها في هيئة الكتاب من خلال توليه الإشراف على «المركز العلمي للترجمة» بها.
زر الذهاب إلى الأعلى