عقدت يوم الثلاثاء الماضي الموافق 22 مارس، فعاليات مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر وتونس، الذي رأسه ودعى إليه د. حاتم الجوهري أستاذ النقد الأدبي والدراسات الثقافية والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب، واستضافته مجلة أدب ونقد برئاسة تحرير الشاعر والكاتب عيد عبد الحليم.
وكان المؤتمر حافلا بالحضور، وفي مقدمتهم السفير التونسي محمد بن يوسف، والملحق الثقافي بالسفارة الدكتورة ضحى الشويخ، والسفير الليبي السابق بمصر عمر الحامدي، والدكتور عبدالرقيب منصور المستشار الإعلامي بسفارة اليمن، مع لفيف من الحضور المصري والعربي الرفيع.
وشملت افتتاحية المؤتمر كلمة الباحثين المشاركين في المؤتمر التي ألقاها الدكتور عمر كامل حسن من العراق الشقيق، واستهلت الجلسة الأولى للمؤتمر بالورقة البحثية الخاصة بالدكتور قاسم المحبشي من دولة اليمن الشقيق، مع كلمة رحب فيها الشاعر عيد عبد الحليم بالحضور باسم مجلة أدب ونقد في الجلسة الافتتاحية، وقدم السفير التونسي كلمة بالمناسبة.
وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة رئيس المؤتمر د.حاتم الجوهري التي شرح فيها فكرة المؤتمر، ومشروعه حول (الدراسات الثقافية العربية المقارنة) وانتظامها وفق فلسفة (المشترك الثقافي)، وهي الفكرة التي فصَّلها حاتم الجوهري في ورقته البحثية التي جاءت في الجلسة البحثية الأولى، وشهدت حضورا مكثفا وأدارها د. بهاء درويش الذي أشاد بالطرح الفلسفي لحاتم الجوهري كثيرا، مع تأكيده على أن المشترك الثقافي وفلسفته لا يتعارض – أو لا ينبغي أن يتعارض- مع التنوع الثقافي الرحب بطبيعته في (مستودع الهوية) العربي.
وقد كان المؤتمر حافلا للغاية ليشهد ست جلسات بالتوازي، كل جلستين في وقت واحد، منهم جلسة افتراضية للمشاركين من تونس، كما ألقى أحد الباحثين المشاركين ورقة د. أحمد نسيم برقاوي، عميد بيت الفلسفة بالفجيرة لتعذر حضوره في موعد المؤتمر، كما صدرت أبحاث المؤتمر في كتاب ضخم قاربت صفحاته الـ 600.
والجدير بالذكر أن هذا المؤتمر وفلسفته عن المشترك الثقافي و(الدراسات الثقافية العربية المقارنة)، يعد تتويجا لمشروع حاتم الجوهري الثري وطرحه البديل الذي يعمل عليه في الفترة الأخيرة بعنوان (ما بعد المسألة الأوربية) وضرورة تجاوز متلازماتها الثقافية، فبدا الأمر وكأن حاتم الجوهري يؤكد قدرة الذات العربية في العبور للمستقبل ومعه طليعة عربية فاعلة أسست للطرح النظري وشاركت في ضربة البداية الخاصة به.
ويقدم «شارع الصحافة» مقتطفات مما جاء في كتاب أبحاث المؤتمر (21 بحثا) تأكيدا على فلسفة (المشترك الثقافي)، والذي حصل على ترقيم دولي (I.S.B.N 978-977-94-1375-4)، وصدر بعنوان: (فلسفة المشترك الثقافي: نحو دراسات ثقافية عربية مقارنة):
“تقف الذات العربية في لحظة تاريخية شديدة التدافع في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، ما بين الأحلام والآمال العريضة وما بين التكسر والتراجع، وإن كانت هناك من مهمة للثقافة بوصفها ضوءًا يستطلع مسارات المستقبل ويرصف الطريق إليه، فإنه سيكون عليها أن تقدم تصورات للذات العربية و(مستودع هويتها) وفق فلسفات مغايرة لتلمس ذلك الطريق للمستقبل، وتجاوز الاستقطابات والتدافعات التي مرت بها.”
حاتم الجوهري- مصر (الكتاب ص 19)
“واختلافات الوعي وصراعاته لا يتم مع الأسف في حقل الحرية والديمقراطية. ولو أن المنطقة العربية قد سارت نحو شكل من الاتحاد القومي العربي بأية صورة من الصور وبمضمون ديمقراطي، لكان الآن الوعي قد أخذ ملامحه الهوياتي بصورة أوضح. ولهذا مازالت أسئلة التقدم والتاريخ والهوية أسئلة مشتركة في كل إنحاء الوطن العربي، وستظل هذه الأسئلة حاضرة حتى تتحول الإجابات عنها إجابات عملية وليست نظرية، فهل نشهد صحوة بعد هذا السبات، نتمنى ذلك..”
أحمد نسيم برقاوي- فلسطين (الكتاب ص103)
“فماذا بوسع النخب العربية عمله اليوم في ظل التحديات الخطيرة التي توجهها الشعوب والدول العربية في اللحظة الراهنة ؛ جملة متشابكة من التحديات بنسب ومستويات مختلفة محلية خاصة بكل قطر على حدة وتحديات إقليمية تهدد الوجود العربي بكليته وتحديات عالمية دولية تتصل بتنافس وصراع قوى الهيمنة الامبريالية الجديدة؟”
قاسم المحبشي- اليمن (الكتاب ص 67)
“لعل من نافلة القول، إن أهم العناصر أو العوامل المكونة للأمم والدول القوية هي عناصر روحية ثقافية ولعل في مقدمتها: الدين واللغة والقيم والمفاهيم السائدة والمتوارثة، وتعزز العوامل بوحدة الأصل ثم الأرض والتاريخ، وبالنسبة لنا- نحن العرب- نجد أن مشتركنا الثقافي أو مكونات ثقافتنا هي: الإسلام والعربية، والقيم والتقاليد، والمفاهيم المتوارثة والمتراكمة على مدار التاريخ.”
عمر كامل حسن – العراق (الكتاب ص 56)
“تناول البحث أحد أهم عناصر التراث الشعبي في تونس ومصر بل والعالم، وهي الأمثال الشعبية”، حيث هي جوهر ثقافة وقيم الشعوب، على قدر بساطتها وحلو لغتها السلسة الدالة والمحببة للجميع.. الكبير والصغير. وهنا برز التوافق القيمي والدلالي لمجمل أو أغلب الأمثال المطروحة للبحث، على الرغم من تعمد اختيارها العشوائي..”
السيد نجم – مصر (الكتاب ص 251)
“لئن ارتكزت الذاكرة الجمعية على المشافهة وعلى الممارسة الطقوسية والتقليد فإننا نرى، ورغم تطور المجتمعات المعاصرة وتغيرها، استمرارية للعديد من الممارسات والأمثال والاحتفالات والطقوس المرتبطة بالتقويم الفلاحي في كل من المجتمع الحديث التونسي والمصري. وهو ما يؤكد أن الذاكرة الجمعية هي أساس الهوية والحافظ للخصوصية وأحد مصادر المعارف التاريخية”.
نعيمة بن عثمان – تونس ( الكتاب ص 140)
“من هنا فإن القارئ لكتابات فتحي التريكي يلاحظ أن الهم الفلسفي الذي شغله هو الهم الإنساني البشري والزاوية التي يرى ضرورة النظر للفلسفة منها زاوية- وإن كانت خاصة بتونس- فهي ليست زاوية تفردت بها تونس ولكنها الزاوية التي إذا ما نظر منها المفكر المصري، فكأنها زاويته المعبرة عن خصوصيته، فكأن التريكي يعبر عن الهم الفلسفي المصري والهم الفلسفي التونسي، مبيناً بذلك أن زاوية الرؤية المصرية تتقاطع مع زاوية الرؤية التونسية، مما يعني أن القاسم الفكري المشترك بينهما كبير”.
بهاء درويش – مصر (الكتاب ص 105)
إنّ البحث في التّمثّلات الاجتماعيّة للحرف اليدويّة في الأمثال الشّعبيّة التّونسيّة والمصريّة، هو بحث في الدّراسات الثّقافيّة العربيّة المقارنة، وتحديدا في عناصر معيّنة من التّراث الثّقافي بشقّيه الماديّ واللاماديّ، تجعلنا نتعرّف إلى ملامح عدّة من الهويّة الثّقافيّة والخصوصيّات الحضاريّة للشّعبين التّونسيّ والمصريّ. واكتشفنا بفضل النّبش في موضوع الحِرف اليدويّة والأمثال الشّعبيّة ضخامة التّمثّلات الاجتماعيّة الشّعبيّة للحِرف اليدويّة في الأمثال الشّعبيّة التونسيّة والمصريّة.
عبد الكريم براهمي – تونس (الكتاب ص 255)
ونختتم بهذه الفقرة من كلمة السيد محمد بن يوسف السفير التونسي بالقاهرة، والتي ألقاها في افتتاحية المؤتمر:
“فالمتحدث عن الثقافة في تونس ومصر إنما يعبر عن تراث مشترك نسجته الحضارة العربية الإسلامية، على مر العصور من الدولة الفاطمية إلى الهجرة الهلالية إلى التاريخ المعاصر، وإن ثقافة كل بلد تحمل في جرابها أكثر من مدى لثقافة الآخر، وتلك لعمري إحدى خانات الفسيفساء التونسية المصرية العريقة الضاربة في القدم، والمتطلعة بكل إشراق إلى المستقبل”.
محمد بن يوسف – سفير تونس بالقاهرة (الجلسة الافتتاحية للمؤتمر).
زر الذهاب إلى الأعلى