شارع الصحافة/ إعداد: علي الحاروني
شهدت معدلات التضخم العالمية أعلى معدلاتها فى العديد من الدول الكبرى والأسواق الناشئة فى ظل الأزمات المتتالية التى ضربت الإقتصاد العالمى بدءاً من انتشار جائحة كورونا مروراً بالحرب الروسية الأوكرانية ختاماً بتضخم غير مسبوق منذ عقود طويلة، حيث سجلت أغلب الاقتصاديات المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة معدلات تضخم قياسية وتاريخية لم تشهدها منذ عقود والتى بلغت مداها فى الولايات المتحدة بنسبة 8.3 % فبريطانيا 9 % وألمانيا 7.4% وإيطاليا 6.2 % وروسيا 17.8 % ومنطقة اليورو 7.5 % فمصر 13%.
مع الأزمات الإقتصادية العالمية نتيجة للأزمة الروسية الأوكرانية وإرتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة فضلاً عن أزمة سلاسل التوريد وإستمرار تداعيات جائحة كورونا فى بعض الدول.. أقدم البنك المركزى الأمريكى على رفع أسعار الفائدة لمواجهة إرتفاع معدلات التضخم الأعلى منذ 40 عاماً وهو ما أدى إلى هروب الأموال من الأسواق الناشئة فى أمريكا ودفع البنوك المركزية على مستوى العالم إلى تشديد السياسة النقدية لمواجهة التضخم المرتفع من ناحية وللحفاظ على إستثمارات الأجانب من ناحية أخرى، بالإضافة إلى عمليات الإغلاق الأخيرة فى الصين التى قد تسبب فى اختناقات جديدة فى سلاسل التوريد العالمية..
فما هي أسباب ومؤشرات الأزمة العالمية وبخاصة التضخم العالمي؟ وكيفية مواجهة مصر لتداعيات تلك الأزمة ؟! وهذا ما سوف نتناوله عبر محورين رئيسين:
أولاً- أسباب ودلائل التضخم والأزمة العالمية:
لا شك أن مشكلة سلاسل التوريد العالمية واحدة من أهم أسباب التضخم العالمى التى تواجه العالم حالياً حيث بدأت الازمة بسبب جائحة كورونا وما صاحبها من إجراءات إغلاق العديد من الدول وتوقف عجلة الإنتاج مما أدى إلى تعطل الإقتصاد جزئياً وتضرر حركة البضائع وزيادة الأسعار والمواد الأولية مثل النفظ والغاز والمعادن والحبوب كما أحدثت الحرب الروسية الأوكرانية المزيد من الضغوط والإختناقات فى سلاسل التوريد العالمية وذلك بسبب فرض العديد من العقوبات على الشركات الروسية.
– كما توقعت العديد من المؤسسات الدولية إستمرار الوضع الحالى لفترة حيث توقع صندوق النقد الدولى إستمرار عجز الإمدادات فى بعض القطاعات حتى عام 2023م وبالتالى زيادة معدلات التضخم حتى فى الإقتصادات المتقدمة والأسواق الصاعدة والنامية .
إلى جانب ذلك تسببت جائحة كورونا ومشكلة سلاسل الإمداد والتوريد وإرتفاع تكاليف الشحن والنقل فى نقص المعروض من المواد الأولية مثل النفط والمعادن والقمح وبعد نشوب الحرب إشتدت الأزمة نظراً لأن روسيا من أكبر موردى النفط والغاز والمعادن وكذلك القمح بجانب أوكرانيا.
ومن بين المشترين الرئيسين للقمح مصر وتركيا، كما أدى التراجع الحالي فى إمدادات هذه السلع الأولية إلى إرتفاع حاد فى أسعارها وتتأثر كلٌ من أوروبا وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط وشمال أفريقيا من هذا التراجع.
وبما أن روسيا تنتج 11 % من نفط العالم مما يجعلها ثالث أكبر مصدر للنفط وحسب تقرير البنك الدولي فإن الإضطرابات الناجحة عن الحرب من المتوقع أن يكون لها تأثير سلبى ممتد لأن العقوبات المفروضة على روسيا أجبرت الشركات الغربية على الخروج من روسيا وتراجعت إمكانية وصول روسيا إلى التكنولوجيا.
كما توقع أيضاً أن ترتفع أسعار الطاقة بأكثر من 50 % حتى عام 2024م وعلى الصعيد المحلى وعلى الرغم من الحرب الدائرة إستطاعت مصر تعويض وإرادتها من القمح الروسى الأوكراني، حيث إتجهت إلى دول أخرى مثل فرنسا والأرجنتين والهند والولايات المتحدة وتكمن إستراتيجية مصر فى توفير السلع الغذائية وضمان إحتياطى من القمح حتى عام 2023م.
وفى هذا السياق، ووفقاً لتقديرات البنك الدولى فإن تحديات التضخم وصدمات العرض الناجمة عن الأزمة الروسية الأوكرانية قد تكون لها أثراً كبيراً فى إنخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما كان له بالغ الأثر فى قيام البنوك المركزية حول العالم وعلى رأسها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكى إلى فرض المزيد من التشديد فى سياستها النقدية.
ونظراً لإرتفاع معدلات التضخم قام البنك المركزى المصرى برفع أسعار الفائدة 1 % خلال شهر مارس 2022م و 2 % خلال شهر مايو 2022م لتصل إلى 11.25 % للإيداع و 12.25 % للإقراض خاصة في ظل سعى البنك المركزي المصري لمواجهة التضخم وتحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة لدعم القوة الشرائية للمواطنين كما قامت البنوك العاملة في السوق المحلية في طرح شهدات إدخار مرتفعة العائد لمواجهة موجات التضخم
ثانياً- برامج عمل لمواجهة التضخم والأزمة العالمية:
إلى جانب قيام مصر بعديد من الإجراءات لمواجهة الأزمة الإقتصادية والتضخم العالمى وأزمة سلاسل التوريد وإرتفاع تكاليف الشحن عن طريق رفع سعر الفائدة البنكية وطرح شهادات إدخار بعائد 18% قامت الدولة بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع البنوك على منح التمويلات للشركات وتبنى مبادرة دعم القطاع الخاص الصناعي في مصر بعائد 10 % والذى تناقص بعد ذلك خاصة فيما يتعلق بقطاعى الزراعة والمقاولات ليصل العائد إلى 8 %.
ويأتي هذا رغبة فى سعى مصر إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي من المنتجات الأساسية وهو ما يتطلب دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة كما أن هناك ضرورة لدعم القطاع الصناعي لتحقيق الإكتفاء الذاتى والحفاظ على العمالة وخفض معدلات البطالة وذلك من خلال تحقيق نوع من التكامل بين المؤسسات التمويلية والقطاعات التنموية المختلفة.
إضافة إلى ذلك لا بد من فتح آفاق جديدة للإستثمار وزيادة المشاريع القومية الكبيرة للقدرة على توفير السلع والمنتجات الإستهلاكية لمواجهة التضخم العالمي.. كما أن التعامل مع التضخم بالسوق المصرى يحتاج إلى التقليل من حركة الإستيراد وتقليل النفقات على السلع الغذائية تحديداً مع توفير تمويل منخفض التكاليف للمشروعات الحيوية والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر.
وعلى الرغم من الأزمة العالمية وإرتفاع معدلات التضخم العالمى يمكن لمصر أن تستفيد من تلك الأزمة خاصة مع تراجع ثقة مجتمع الأعمال في القارة الأوربية نتيجة للأزمة الروسية الأوكرانية, ما يدفع المستثمرين الأجانب إلى التوجه للسوق المصرية بإعتبارها الدولة الأعلى كثافة سكانية على مستوى الشرق الأوسط خاصة مع قيام الدولة بتحديث البنية التحتية وتهيئة المناخ الإستثماري والبنية التكنولوجية والنقل علاوة على أن مصر تعد أحد الدول الأقل تكلفة في الإنتاج نظراً لثبات الدخول في القطاع الخاص الذى يشكل النسبة الأكبر من العمالة فى مصر حيث لا تتعدى تكلفة الأجور 20 % من إجمالى تكلفة الإنتاج في مصر.
– كما يوفر الإستثمار فى مصر تخفيض تكلفة السلع والذي يدعم تنافسية الصادرات المصرى فى تلك الأسواق العالمية أمام نظرائها الأجنبية والتى ستعزز من تدفقات النقد الأجنبى الداخل إلى مصر.
وأخيراً هناك عديد من الإجراءات الحاسمة التي إتخذتها الدولة لمواجهة موجة إرتفاع الأسعار للسلع الغذائية نتيجة لنقص المعروض فيها عن طريق إتباع سياسة نقدية شديدة من قبل البنك المركزي لمواجهة التضخم العالمي وحجم المعروض النقدي والعمل على توفير مخزون إستراتيجي من السلع وتفعيل قوانين حماية المستهلك وإحكام الرقابة على الأسواق ومكافحة الإحتكار.
ويجب إعادة تخصيص الموارد المالية وإعادة النظر فى بعض المشروعات التى لا تمثل أولوية قصوى في هذه المرحلة من أجل تخفيف تأثير إجراءات الدعم فى مواجهة جائحة الأسعار على الميزانية العامة، مع خفض ضريبة القيمة المضافة على عدد من السلع والخدمات ما يعني خفض تكلفة الحصول على تلك السلع والخدمات بنحو 14 % للحد من تأثير إرتفاع السعر الأصلي للسلعة على المستهلكين.
– هذا علاوة على تنظيم مصر لمؤتمر الإبداع لسلاسل الإمداد واللوجستيات للعام الثالث على التوالي لتعويض وإرادتها من القمح الروسي الأوكراني وإتجاه مصر لدول أخرى مثل فرنسا والهند والأرجنتين والولايات المتحدة لتوفير السلع الغذائية وضمان احتياطى من القمح والسلع الغذائية.
وبلا شك فإن سياسات الإصلاح الإقتصادى والإجراءات البنكية والإستثمار قد قامت بزيادة قدرة مصر على تحمل الصدمات الإقتصادية العالمية وجعلها تصل إلى حد الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الإستراتيجية لمدة تصل إلى ستة أشهر، وإن كان الزيت هو أكبر تحد للدولة نظراً للاعتماد الكبير على استيراد الزيت الخام، ما دفع الدولة إلى تبنى مبادرات لتشجيع أصحاب المعاصر وأصحاب القدرات الإنتاجية على استيراد البذرة وتصنيعها داخل مصر وتم تحقيق إنتاج محلي ببذرة مستوردة بنسبة 42 %.