تحليل يكتبه- علي الحاروني:
إن دعوات الحوار الوطني المتزايدة في دول الشرق الأوسط مثل الجزائر والمتمثلة في مبادرة (لم الشمل) في مايو 2022م وتونس في 4 يونيو 2022م وفي ليبيا في 20 مارس 2022م والسودان في القترة من 8 إلي 12 يونيو 2022 وأخيراً مصر حيث تم إطلاق دعوة للحوار الوطني يجمع القوي والتيارات السياسية الحزبية والشبابية لبحث أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة وحددت الأكاديمية الوطنية للتدريب التابعة لرئاسة الجمهورية الأسبوع الأول من يوليو 2022 م موعداً لإنطلاق أولي جلسات الحوار الوطني ….
كل تلك الدعوات هي بهدف تعزيز الاستقرار ومواجهة التحديات والأزمات الراهنة وتفاعل جميع القوي السياسية لرسم خريطة مستقبل دول الشرق الأوسط ومعالجة الأزمات الراهنة.. فما هي أهداف الحوار الوطني وعوامل نجاحه وكيفية تفعيله وتأمين مسارات نجاحه ؟! هذا ما سنحاول التعرف عليه عبر ثلاثة مباحث رئيسية .
أولاً- أهداف وأماني الحوار الوطني:
– لقد شهدت العديد من دول المنطقة دعوات للحوار الوطني منذ بداية عام 2022 م في السودان وليبيا ومصر وتونس والجزائر وذلك من أجل تحقيق جملة من الأهداف والتي تتنوع بحسب طبيعة الأجواء السياسية والإقتصادية والإجتماعية في كل دولة ومن أهمها تحقيق التوافق حول مجموعة من الإصلاحات الإنتقالية لمعالجة المعضلات السياسية والإقتصادية والدستورية كما في تونس حيث سعي الحوار الوطني لمعالجة الأزمات المتصاعدة منذ قرارات يوليو 2021 م وإعادة صياغة العلاقات بين السلطات الثلاث في الدولة بعد القرارات والإجراءات الإستثنائية التي إتخذها الرئيس التونسي بتجميد البرلمان وغيرها وكذلك الأمر في السودان بعد قرارات مجلس السيادة في 25 أكتوبر 2021 م والتي ضاعفت من الاحتجاجات الشعبية مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بها.
إضافة إلي ذلك تأمل دعوات الحوار الوطني في مصر وتونس والجزائر إلي تأسيس الجمهوريات الجديدة والتوافق حول مشروعات وطنية سياسية وإقتصادية لتجاوز الأزمات العالمية الراهنة والقيام ببعض الإصلاحات في كافة المجالات وهو ما حدث في مصر حيث أعلن الرئيس السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية في شهر رمضان الماضي إطلاق الحوار الوطني والذي يجمع كافة فئات الشعب السياسية والحزبية والشبابية، قطاع مدني وخاص، ووعد بحضور المراحل النهائية من جلساته وتم اختيار نقيب الصحفيين ضياء رشوان منسقاً عاماً للحوار والأمين العام للمجلس الأعلي لتنظيم الإعلام / محمود فوزي، رئيساً للأمانة الفنية للحوار وأيضاً دشن الرئيس (عبدالمجيد بتون ) الجزائري في مايو 2022 م مبادرة (لم الشمل) دعماً لمبادرة “اليد الممدودة” ومشاركة أغلب الأحزاب والتجمعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني منها لرسم خريطة للتوافق الوطني وتجاوز الأزمات السياسية والإقتصادية المختلفة وصولاً إلي مبادرة لم الشمل مع المعارضة .
كما يستهدف الحوار الوطني ودعواته إلي دعم دائرة المشاركة بين الفاعلين علي الساحة السياسية وإدارة الحوار البناء الذي يشارك فيه جميع القوي الوطنية ، مع إستبعاد القوي المتورطة في أعمال العنف والإرهاب لضمان سلامة الحوار الوطني وعدم عرقلة مسيرة الحوار والإصلاح الوطني وتلافي الإنزلاق إلي المواجهات والعنف وزيادة أعمال الإرهاب وذلك كما حدث في ليبيا ومصر.
ثانياً- مقومات نجاح مسارات الحوار الوطني:
-لعل من أهم مقومات نجاح الحوار هو صفة الداعي للحوار والتي تعد من أهم عوامل نجاح الحوار فنجد في الدول العربية صدرت دعوات الحوار من رئاسة الجمهورية ” كما حدث في مصر ” أو رئاسة الوزراء وهو ما يدعم فرص نجاحه بالإضافة إلي قابلية تطبيق مقرراته علي أرض الواقع بشكل فعال ومؤثر ، وذلك علي عكس الحوارات التي جاءت بناءاً علي دعوات خارجية كما في السودان مما يجعلها محل شك وغير ملبية لرغبات وطموحات الشعوب العربية والإسلامية .
-إضافةً إلي ذلك من أهم عوامل نجاح الحوار الوطني هو فاعلية وإستجابة الفئات والقوي المشاركة في الحوار وتعددها وتنوعها مما يوحد الرؤي والجهود في جلسات الحوار من كافة القوي والأحزاب والنقابات وغيرها ، علاوة علي آليات إدارة الحوار وضماناته لخروج تطبيقاته ومقترحاته بصورة فاعلة وتنفيذها علي أرض الواقع بواقعية ونجاح وذلك عبر تشكيل إدارة للحوار محايدة ومحل ثقة وذات تأثير علي المشاركيين في الحوار ومنح الفاعلين فرصة للمشاركة والتعبير عن مقترحاتهم ورؤاهم بشكل متساوٍ وهو ما تنبهت إليه دول المنطقة مثل مصر لتنظيم أعمال الحوارات الوطنية وتكليف شخصيات عامة محايدة وذات قبول لإدارته وتحت قيادة وإشراف رئاسة الدولة أو مجلس وزاراتها.
ثالثاً- سبل تفعيل نجاح الحوار الوطني في المستقبل العربي:
إن آلية الحوار الوطني هي فرصة لتجاوز الأزمات التي تعاني منها دول الشرق الأوسط وتحقيق نوع من التوافق الوطني بين كافة القوي السياسية في المجتمع لإنجاز الإصلاحات في كافة المجالات أو تلافي الإرتداد إلي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وصياغة نموذج سياسي – اجتماعي جديد للجمهوريات الجديدة، مع عودة الثقة بين السلطات والقوي الفاعلة في المجتمع وهو ما يعزز من قدرة الدولة علي مواجهة التحديات في المجتمع والأزمات الحالية خاصة مع كورونا والتضخم والحرب الروسية – الأوكرانية.
مع رغبة الدول والحكومات في التصدي لأزماتها من خلال تعزيز التوافق والتماسك المجتمعي لديها وتحقيق مستويات متقدمة من الإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي في المجتمع وهو ما يتطلب مشاركة كافة فئات المجتمع في الحوار والإستفادة من الخبرات الوطنية في كافة المجالات لإدارة الحوار الوطني لاسيما الإقليمية منها وتعظيم المكتسبات وفرص النجاح ورسم خريطة عمل فاعلة لمستقبل الدول العربية علي كافة الأصعدة.
فبالرعاية الرئاسية والحكومية للحوار الوطني ومشاركة كافة القوي السياسية فيه من أحزاب ومعارضة ومجتمع مدني وقطاع خاص وبمشاركة شبابية فاعلة واختيار قيادة وإدارة فاعلة للحوار ووضع مقترحات وتوصيات الحوار قابلة للتطبيق علي أرض الواقع والإستفادة من الخبرات الدولية والإقليمية في ذلك المجال لتعظيم فرص النجاح وإقصاء سيناريوهات الفشل … لهو من أهم محددات نجاح الحوار الوطني وبناء الجمهوريات الجديدة الفاعلية محلياً وإقليمياً ودولياً .