العلم، والفن اهتمام إنساني لا غني عنه، قد يبدو من الوهلة الأولي أن العلم، والفن مصطلحان بعيدان كل البُعد عن بعضهما البعض، فهل العلم والفن وجهان لعملة واحدة؟!
العلم هو دراسة الظواهر الطبيعية من خلال المشاهدة، والملاحظة، والاستنتاج، والتجارب التي يُمكن التحقق منها عن طريق المزيد من البحث، واكتشاف الحقائق، ووضع القواعد، والقوانين، والنظريات بناءً علي البيانات التى تم رصدها، وتجميعها.. كما يُعرف العلم علي أنه أسلوب منهجي لبناء، وتنظيم المعرفة في صورة تفسيرات، وتوقعات قابلة للاختبار.
أما الفن يُعرف بأنه مجموعة متنوعة من الأنشطة البشرية في إنشاء أعمال بصرية، أو سمعية، أو حركية (أداء)، للتعبير عن أفكار المؤلف الإبداعية، أو المفاهيمية، أو المهارة الفنية، والمقصود أن يكون موضع تقدير لجمالها أو قوتها العاطفية.. كما يُمكن تعريف الفن بأنه التطبيق العملي للنظريات العلمية باستخدام الوسائل التي تحققها، ويتم اكتساب الفن بالدراسة، والتمرين عليه، وهو عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة بحرفة، أو صناعة ما.
ومن هنا قد يظهر اختلاف بينهما يتمثل في أن الفن ذاتي والعلم موضوعي، الفن خيالي والعلم واقعي، الفن يتقدم بشكل أفقي والعلم بشكل عامودي، وأخيراً اختلاف طبيعة النواتج النهائية.
ولكن في حقيقة الأمر أن الفن، والعلم رفيقان أساسيان لا ينفصل أحدهما عن الآخر. ويؤكد علي هذا العالم Albrts الذي يقول أن الفن والعلم يرتبطان إرتباطاً جوهرياً، حيث أن الاكتشاف هو جوهر الفن والعلم.
ويوافقه الرأي العالم shalin حيث قال إن الفنون هي مواد خام يمكن استخدامها في التفكير العلمي.. كما أنها تمثل صلات تتيح الربط بين المجالات المعرفية التي من شأنها إنتاج رؤي علمية جديدة؛ فالعلماء يعتمدون علي الفن في شرح أفكارهم، واكتشافاتهم العلمية، والفنانون يستخدمون العلم كوسيلة للتعبير عن رؤيتهم، لذا أصبحت الفنون جزءاً مهمًا في التعليم.
لقد لعب الفن دورا مهمًا فى توضيح الاكتشافات العلمية الحديثة فى مجالات مختلفة كـ: علوم الطب والأحياء، وعلم التشريح، الذي يتطلب رسم علمي معقد بمواصفات تشريحية دقيقة ومبسطة لفهم المواصفات التشريحية لأعضاء الجسم ، وتفاصيل الجهاز المناعى، والحامض النووى DNA، ومكونات الخلية، كذلك فى تبسيط علم الكون، نظرية الانفجار العظيم، وقصه تطور الكون، كذلك تفاصيل الثقوب السوداء، ووصف طبيعة الجاذبية، وتأثيراتها المختلفة خاصه على مسار الضوء.
بدأ الاهتمام بدمج الفن بالتعليم، والتدريس للمواد الأخري في مطلع القرن التاسع عشر (19) ؛ حيث تم استخدام الفن كقوة داعمة لتنمية مستويات التفكير العليا، والدوافع الذاتية للتعلم، والتعبير عن الخبرات والمشاعر، والتعلم من أجل الفهم، وحل المشكلات بطرق إبداعية، والتفكير الناقد بهدف تدريب العقل.
استخدام الفن فى التعليم The Use of Art in Education
هناك علاقة ارتباطية بين الفن والإدراك الإيجابي للمتعلم، حيث أنه يؤثر تأثيراً كبيراً علي إدراك، وفهم الطلاب للمناهج الدراسية، واستخدام المعلمين لمختلف الأنماط الفنية مثل: (الرسم، الغناء، التصنيع، تنمية الخيال، ….) في تدريس المواد الأخري – وخاصةً تدريس العلوم -، يحقق دمجاً، وانغماساً مباشراً في عملية التعليم والتعلم. فكيف يُمكن استخدام الفن في تعليم وتعلم العلوم؟!
يُمكن استخدام ودمج الفن في التعليم بصفة عامة، وتعلم العلوم بصفة خاصة من خلال ما يلي:
1- تنمية الخيال العلمي للمتعلمين: أول الخطوات لتنمية الخيال العلمي لدى الطلاب ، هو تنمية قدراتهم الفنية ، والتكنولوجية وربطها بالعلوم؛ فالعلوم هي جانب من الفن، فهي معلومات علمية يكتسبها الطلبة، وأنشطة تحتاج إلى مهارات فنية، وهو يسعى للارتقاء بذوق الإنسان وحسه، وخياله؛ ليكون قادراً على تصور المفاهيم العلمية، وخاصةً المجردة منها ، ورسم تصورات خيالية، ومنطقية للمفاهيم المجردة.. الخيال العلمي هو الذي مهد الطريق للثورة التكنولوجية ، لذلك لابد على معلم العلوم أن يعمل على توظيف التكنولوجيا داخل الحصص الدراسية، وتنمية قدرات الطلبة على التعامل معها وخاصة إنها تشكل جانب مثير لهم.
2- تحفيزهم علي حل المشكلات بطرق إبداعية: وذلك من خلال إطلاق العنان للطلاب بطرح أفكارهم الغريبة، وغير المألوفة من خلال التفكير اللانمطي، وتخيل هذه الأفكار ، وتمثيلها بطريقة فنيّة مبتكرة؛ ما يؤدي لوصولهم للحلول الخلّاقة المبدعة، فبدلاً من تغذية الحقائق لديهم، يُمكنهم استكشاف اهتماماتهم، والانغماس في ما يثيرهم، ويطور قدراتهم بشكل أكبر.
3- التعليم القائم علي التصنيع: يبدأ التعليم القائم على الصنع بإثارة تعاطف الطلاب مع قضية أو مشكلة معينة، يمكن من خلال جمع المعلومات وتحليلها أن يتوصلوا إلى منتج ما (أداة أو جهاز أو تطبيق) يمكن أن يساعد في سد حاجة فعلية لدى المستخدمين، ومن ثم يبدأ الطلاب على شكل مجموعات في وضع التصميم الأمثل، وعرضه على المجموعات الأخرى.
وتلقي الانتقادات والتعليقات حول مخطط المنتج، ومن ثم تبدأ عملية تحديد احتياجات المنتج، وكيفية الحصول عليها، ومن ثم مرحلة التنفيذ، وخلال كل تلك المراحل يواجه الطلاب مجموعة من المشكلات التي يجب عليهم التغلب عليها. وتلعب التربية الفنية دورا مهمًا في توجيه الطلاب نحو تحقيق هدفهم، من خلال اختيار التصميم الملائم، وتحديد المواد والمكونات اللازمة، ووضع التصميم النهائي للمنتج في صورة جذابة للاستخدام.
4- استخدام الخرائط الذهنية البصرية اليدوية، والإلكترونية: حيث تقوم الخرائط الذهنية باشراك المتعلم في التفكير الكامل للدماغ، وتسمح له بمعرفة كيف يرتبط كل الأفكار المختلفة ببعضها البعض من منظور عام ونظرة شمولية للمادة، وذلك من خلال استخدام الألوان والصور في تلخيص أهم المعلومات وإنشاء الروابط والارتباطات بالمفاهيم، والأفكار ذات الصلة ببعضها البعض، بحيث يستطيع المتعلم أن ينقل عيناه بسلاسه من معلومة إلى أخرى، ما يزيد من سرعة تعلم وتذكر المعلومات أثناء الاختبار، مما يجعل التعلم أكثر فعالية وتسلية للمتعلم.
5- توظيف الرسم في المختبر: يعتبر الرسم خطوه أساسية لبداية العمل المخبري، واختصار للكلمات الكثيرة التي توجد في خطوات العمل؛ حيث يسهل للطلبة تصور ما سوف يقومون به. فكثيرا ما يعاني المعلمين من ضياع الوقت، وعدم قدرة الطلبة على توصيل الدوائر الكهربائية، وربط الأجهزة مع بعضها البعض، ولكن من خلال رسم الدائرة الكهربائية أولاً على الورق، أو السبورة، ثم وضع الأجهزة في مكانها المخصص على الرسم، وربطها مع بعضها بالأسلاك.
كما أن الرسم يستخدم كخطوة أساسية في التعلم المبني على التصميم الهندسي حيث تسمح هذه الخطوة للطلبة بتحديد العوامل الرئيسية لحل المشاكل والمقارنة بين المزايا والعيوب للتصاميم المقترحة، وبذلك يسمح لهم باختيار أفضل الحلول، والنماذج ويمكن تفعيل هذا النهج في تدريس التراكيب، والروافع، والبكرات، وغيرها من المواضيع.
6- تجسيد المفاهيم العلمية الصعبة (المجردة) ، والجديدة بصرياً: وذلك من خلال توضيحها ، وتبسيطها للمتعلمين بكل سهولة ويسر بصرياً عن طريق الرسم ، أو أفلام الفيديو، أو المحكاه من خلال الواقع الافتراضي VR ؛ لضمان وصول الفكرة، حيثُ يُساعد الفن على تشكيل هذه المفاهيم وتجسيدها بطريقة فنيّة مبتكرة.
7- الكاريكاتير العلمي: حيث يعد توظيف الرسوم الساخرة في المواد العلمية من الطرق التي تساعد على إثارة النقاش من جهة، وزيادة معدل الاحتفاظ بالمعلومات من جهة أخرى، في إطار سلس ومرح يثير بهجة الطلاب.
8- لعب الأدوار: وهي من الألعاب العلمية التي يُمكن استثمارها في نقل المعرفة العلمية، وتنمية مهارات التفكير العلمي، والاتجاهات، والتي تعتمد في مبدأها على المزج بين الجوانب المعرفية، والوجدانية، والحركية في كل واحد يعبر عنه أداء الطالب أو الطلاب، في تقمصهم للوحة أو عمل فني مشهور، أو ابتكارهم عملًا فنيًا أصيلًا يعبر عما يجول بأذهانهم من أفكار تجاه موضوع أو قضية معينة.
وكمثال علي ذلك قضية تلوث الخضروات بالمياه العادمة المنبعثة من مصنع معين، إذ نجعل إحدي المجموعات تمثل أصحاب المصنع، ومجموعة أخري تُمثل المزارعين، ومجموعة ثالثة تًمثل الشعب المستهلك، ومجموعة رابعة تًمثل الحكومة، ومجموعة خامسة تُمثل القضاء، وتعطي المجموعات عشر دقائق لبلورة موقفها، ثم تدور المرافعة، وتدافع كل مجموعة عن رأيها أمام القضاء.
الدكتورة شيماء قنديل- مصر
____________
المراجع:
أحمد، منة الله أشرف (2018). اتجاهات المعلمين والطلاب نحو استخدام الفنون البصرية في تدريس وتعلم العلوم في إطار المنهج التكاملي، رسالة ماجستير، كلية التربية الفنية، جامعة حلوان. منشورة.
زر الذهاب إلى الأعلى