هناك ثلاثة سيناريوهات مستقبلية لأزمة تايوان على النحو التالي:
(1) السيناريو الأول: استقلال تايوان وانفصالها عن الصين
وهذا السيناريو يمكن وصفه بأنه ( رؤية تايوانية ) ويتبناه النظام الحاكم فى تايوان ويتمثل أحد مفرادته فى تشبثها بدعم الولايات المتحدةسعياً إلى الإستقلال؛ إذ ترى تايوان نفسها دولة مستقلة لها دستورها وقادتها المنتخبون وذلك منذ تشكيل قيادات الحزب الوطنى حكومة مستقلة في الجزيرة تمثل جمهورية الصين وذلك بعد فرارهم وهزيمتهم من الشيوعيين.
وفى هذا السيناريو تحاول الولايات المتحدة توظيف قضية تايوان لعزل وإحتواء تايوان والتى أصبحت أحد المسببات الرئيسية للصراع والتنافس بين الصين والولايات المتحدة.
ومما يفاقم من الأمر محاولة الولايات المتحدة إشراك حلفائها فى مضيق تايوان من خلال وسائل مختلفة وتضخيم ما يسمى بالتهديد الصينى فى محاولة لإختلاق الأعذار لمزيد من التدخل فى قضية تايوان وهو ما تبلور مؤخراً ومنذ يناير 2022م في توقيع إتفاقات دفاعية بين اليابان وأستراليا والولايات المتحدة للضغط على الصين دولياً.. إضافة إلى رفع أمريكا مستويات التبادلات الرسمية مع تايوان وتكثيف الدعم العسكرى معها وذلك كله لإفراغ مبدأ الصين الواحدة.
هذا مع الإشارة إلى قيام عدة مسئولين وخبراء أمريكيين بالتحذير من النهج الإستعدائى للصين وتداعياته السلبية على المصالح الإستراتيجية الأمريكية , حيث نادوا الإدارة الأمريكية بضرورة العمل على مد جسور العمل والتفاهم والتنسيق مع الصين والعمل على ترشيد توجهاتها العالمية والإلتزام بسياسة الصين الواحدة.
2- السيناريو الثاني:
وهو السيناريو الذي تدعمه مجموعة من الأسانيد التاريخية والقانونية والسياسية والواقعية والتى تؤكد حتمية عودة تايوان إلى الوطن الأم وعلى إعتبار أن تايوان ( خط أحمر ) وفقاً لتصريحات الرئيس الصينى ( شى جين بينج).
وقد يتحقق هذا السيناريو من خلال عدة صور واّليات منها إمكانية إعلان تايوان منطقة إدارية خاصة على غرار الوضع في هونج كونج وماكاو.. أو من خلال وصول القوى المؤيدة للصين إلى سدة السلطة فى تايوان وإعلان رغبتها فى إعادة التوحيد مع الصين، أو عن طريق طرح إستفتاء عام لتحديد مستقبل تايوان.
وكل هذه السيناريوهات لإعادة تايوان إلي الوطن الأم لتحقيق مبدأ الصين الواحدة لا يستبعد لجوء الصين للحل العسكري لضم جزيرة تايوان وذلك في حال إصرار الولايات المتحدة علي تحقيق إستقلال تايوان وإنفصالها عن الصين وتشديد العقوبات الدولية عليها على كافة المستويات.
3 – السيناريو الثالث:
وهو سيناريو المصالح المشتركة والتعاون بين أمريكا والصين حيث تجنب المواجهة والحفاظ على الوضع الراهن في تايوان
فكلٌ من الولايات المتحدة والصين يسعيان إلي الحفاظ علي الوضع الراهن في تايوان تجنباً للإنزلاق نحو حرب كارثية فالصين لديها عزوف عن المواجهة العسكرية لإدراكها بأن مستوي قواتها العسكرية لم يصل بعد إلي مستوي القوات الأمريكية , هذا مع موجود مصالح لدي البلدين يصعب تجاوزها إذ تعد الصين أكبر دائن للولايات المتحدة.
ومن المرجح عزوف الولايات المتحدة عن الإنخراط في حروب عسكرية خاصة بعد فشلها في حروبها في أفغانستان والعراق وتكبدها خسائر بشرية وإقتصادية فادحة مع معارضته الرأي العام الأمريكي بشكل عام للإنخراط الأمريكي في الحروب خاصة مع معاناه الولايات المتحدة من تحديات خارجية وفي مقدمها تداعيات الحرب الأوكرانية الروسية وتأثيرها السلبي علي المصالح الأمريكية.. هذا مع مواجهتها للتحديات الداخلية وفي مقدمتها الإرهاب الداخلي وتنامي التيار اليميني المتطرف.
ومن هنا فإن كلاً من الولايات المتحدة الصين لديهما دوافع قوية لتجنب المواجهة وهذا ما أكده تصريحات الرئيس الصيني والأمريكي علي هامش إجتماع مجموعة العشرين بأندونيسيا وتلاقيهما في ضرورة وضع حواجز أمان للعلاقات بين البلدين، مع إستبعاد أو تكون لدي الصين خطط وشيكة لغزو تايوان وأن بكين لا تسعى لتحدى واشنطن وأن بينهما مصالح مشتركة مع تأكيد وزير الخارجية الأمريكي والصيني علي هامش إجتماعات الدورة السنوية (77) للجمعية العامة في نيويورك على أهمية الحفاظ علي خطوط الإتصال المفتوحة بين البلدين رعاية لمصالحهما المشتركة.
وختاماً يمكن القول بأن الحفاظ علي الوضع القائم في تايوان هو لمصلحة الولايات المتحدة وتايوان هو السيناريو الأرجح في المستقبل القريب لتعزيز المكاسب الأمريكية في القارة الأسيوية والحيلوله دون سيطرة الصين علي إنتاج الرقائق الدقيقة والإ سينجرف العالم إلى كارثة إقتصادية عالمية .
ولا تزال الصين تتبع نهج الصبر الإستراتيجي تجاه تايوان وأنه من غير المحتمل لجوئها في المستقبل القريب إلي الخيار العسكري خاصة وأن الغرب والولايات المتحدة تعانيان من تدهور إقتصادي وإجتماعي وبالتالي فميزان القوي يميل لصالح الصين.. علاوة علي إتجاه الصين لإستغلال نفوذها الإقتصادي والدبلوماسي في أفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط لحصد الدعم الدولي وخاصة فيما يتعلق بقضية تايوان وهو ما يسمي بتكتيك المنطقة الرمادية.
وقد استفادت الصين من دروس الحرب الأوكرانية وعدم وقوعها تحت طائلة العقوبات العسكرية والإقتصادية الغربية والأمريكية، مع رغبة الصين في إستكمال مرحلة بناء وتطوير قواتها العسكرية.
الحلم الصيني لاستعادة تايوان … هل سيتحقق ؟؟
الخيارات الصينية المستقبلبة للتعامل مع أزمة تايوان
من إجمالي الدراسات الحديثة وما توصلت إليه من توصيات وحقائق وما أشارت إليه التطورات على كافة المستويات والمجالات يمكن القول بأن هناك عدة خيارات للصين للتعامل مع أزمة تايوان ومن أهمها: ممارسة الضغوط الإقتصادية والحظر التجاري علي تايوان وهذا ما تبنته الصين خاصة بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي بيلوس لتايوان حيث تم فرض عقوبات اقتصادية على تايوان لأكثر من 100 منتج غذائي تايواني.
ولم يعد بإمكان تايوان إستيراد الرمال من الصين التي تعتمد عليها صناعة البناء هذا علاوة علي ممارسة الصين الضغوط علي عديد الدول المتقدمة لعدم توقيع إتفاقيات تجارة حره مع تايوان وإستبعاد تايوان من التكتلات التجارية متعددة الأطراف.
واعتادت الصين على شن حرب نفسية علي تايوان وحصارها بالآلات العسكرية والوصول بالتدريبات والمناورات العسكرية إلي مرحلة (زرع الرهبة في نفوس تايوان)، وإظهار عدم قدرة أمريكا علي حماية حليفتها.
وأخيراً حاولت الصين تعزيز تحالفاتها مع دول خارج المعسكر الغربي مع تعزيزها وتوسيعها لتكتل (البريكس)، والتخطيط لضم تسعة دول إضافية له وهذا كله لزيادة قدرتها علي التعامل مع ملف تايوان ومواجهة الضغوط الغربية – الأمريكية في المستقبل ومحاولة تحييد الدول الأوروبية ومحاولة دفعها عن موقف واشنطن خاصة فيما يتعلق بتايوان .
وفي النهاية يمكن القول : بأن قضية تايوان أدت إلي تحول في ثقل الأمن الدولي نحو منطقة أسيا والمحيط الهادي وإحداث توترات وتجاذبات بين أمريكا والصين ودول الإتحاد الأوروبي وروسيا، بالإضافة إلي تأثيراتها علي الاقتصاد الدولي.
مع الوضع في الاعتبار أنه مع تعدد السيناريوهات المتوقعة للتصعيد الأمريكي – الصيني في تايوان ما بين التصعيد خاصة مع المناورات العسكرية الصينية والتدريبات العسكرية التي أجرتها أمريكا مع الدول الحليفة في إندونيسيا، إلا أن هذا السيناريو يضعف تحققه مع الحرب الأوكرانية – الروسية والإنفاق العسكري الذي تقدمه واشنطن لتايوان أو كان السيناريو الأوسط بمعني إستخدام الصين سياسة الحظر وفرص العقوبات على بعض المواد الخام إلي تايوان أو على بعض المؤسسات التايوانية الداعمة لإنفصال تايوان إلا أن هذا السيناريو لن يتحقق مع نتائج الإنتخابات المحلية البلدية والمؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني والذي عقد في 22 أكتوبر 2022 م. علاوة علي عدم تجاوب أمريكا مع تهديدات الصين بالتوقف عن الدعم المستمر لتايوان للإستقلال.