قراءة وعرض: سمير محمد شحاتة
يُعد الحب من المقومات الأساسية لحياة الإنسان وبقائه، وهو من أعظم القوى التى تدفع الإنسان إلى النجاح والتقدم، فهو ليس ترفًا أو مظهرًا شكليًا، بل يُعد ضرورة ملحة فى شتى مناحي الحياة، وخاصة في مجال العلاقات الإنسانية، ومن ضمنها علاقة الآباء بأبنائهم، وعلاقة المعلمين بطلابهم. وتقع على كاهل المربى مسئولية كبيرة في هذه الناحية؛ إذ تتعدد مسئولياته ومهامه لتكوين شخصياتهم وتربيتها، والتعاطف مع مشاعرهم، وحل مشكلاتهم، وتعديل اتجاهاتهم وسلوكياتهم بطرق إيجابية، والتعامل معهم بطرق تحترم ذواتهم وميولهم، وتمنحهم الثقة بالنفس وتكسبهم الفضائل الأخلاقية.
ولتحقيق ذلك، لابد من توافر نوع من التربية يُسمى (التربية بالحب)، تستند دعائمه على الحب والاحترام والتقدير والتفهم والتعاطف، وذلك باعتبارها المشاعر الأساسية التى تقوم عليها سائل العلاقات السوية بين البشر.
صدر عن دار الفكر العربى كتاب (التربية بالحب) للمؤلفة د. إيمان عصفور، أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية البنات، جامعة عين شمس، وجاء الكتاب في حدود 215 صفحة، واشتمل على خمسة فصول.
تناول الفصل الأول (ما الحب) أهمية الحب فى كونه (حاجة)، لا تستقيم حياة الإنسان بدونها، إذ يُقصد “بالحاجة” حالة الفرد الناجمة عن احتياجه للأشياء الجوهرية لوجوده وتطوره، وهي مصدر النشاط البشرى، كما تؤدى إلى حالات شخصية تساعد على التحكم فى السلوك وتحديد مجرى التفكير والأحاسيس والإرادة البشرية.
صور الحب
هناك من المفكرين من يرى أن كلمة (الحُب) تستخدم لوصف كافة أنواع العلاقات الوجدانية التي تربطنا بالأشياء والأشخاص، ومنها حب الأم لأولادها، وحب العبد لربه، وحب الفرد لوطنه، وحب الإنسان لذاته، وحب الإنسان لأخيه الإنسان. وهناك الحب فى الله الذى لا يهدف إلى منفعة دنيوية، أو لغرض زائل، ولكن محبة هدفها عمل الخير والإخلاص والوفاء. والحب فى الله يوجب محبة الله عز وجل.. وهناك حب الذات الذى يرتبط بدوافع البقاء وتحقيق الذات وكل ما يجلب الخير والأمن والسعادة، وكره كل ما يجلب الألم والضرر.
ويسير حب الذات وحب الغير جنبًا إلى جنب فى معظم الأحيان، ولكن بدرجات متفاوتة، فقد يشتد حب الغير إلى درجة كبيرة تتضح عند الأفراد الذين يضحون بأنفسهم، وبما يملكون فى سبيل المصلحة العامة. وعلى العكس هناك البعض الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الشخصية، ويتطلعون إلى الخير فقط لأنفسهم، ويتوقعون الحب والعطف من الآخرين دون أن يبادرون هم بذلك، وأولئك هم الأنانيون الذين يرغبون فى الأخذ فقط دون العطاء. ويقع معظم الأفراد بين هذين الطرفين، وعليهم الموازنة بين حبهم لذواتهم وحبهم للغير، بما يُمكنهم من إقامة علاقات مودة بالآخرين.
يقول “ابن قيم الجوزية” في كتابه (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان): “لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليها ومولاها، وربها ومدبرها ورازقها، ومميتها. فمحبته نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وصوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن”.
لغات الحب
إن كان للحب صور وأنواع متعددة، فله أيضًا لغات عدَّدها “زكريا إبراهيم” فى كتابه (مشكلة الحب)، حيث رأى أن هناك لغة أخلاقية، ولغة اجتماعية، ولغة شعرية، ولغة بيولوجية، ولغة صوفية.
اللغة الأخلاقية: يرى البعض أن اللغة الأخلاقية فى الحديث عن الحب إنما هى لغة الحلال والحرام، والمباح وغير المباح، والثواب والعقاب. وتشير اللغة الأخلاقية إلى التخلق بحسن الخلق فى الأقوال والأفعال.
اللغة الاجتماعية: تشير إلى أن الحب سلوك اجتماعى يتميز به الإنسان الذى لا يملك إلا أن يعيش فى جماعة، يخضع فيه الفرد لأنماط جمعية يحددها العقل الجماعي.
اللغة الشعرية: تربط اللغة الشعرية الحب بالجمال، وتنتزع تجربة الحب من محيطها العادى لكى تسمو بها فوق المستوى البيولوجى والاجتماعى. ومن مزايا اللغة الشعرية فى الحب أنها جعلت منه موضوعًا تغنت به قلوب البشر. وعندما ارتبط الحب بالشعر صار مزيجًا من الحقيقة والخيال، وأصبح الحديث عن الحب تحليقًا فى سماء الشعر.
اللغة البيولوجية: هى لغة علماء الفسيولوجيا الذين يرجعون هذه الوظيفة السيكولوجية إلى مجموعة من الغدد، وحجة أصحاب هذه النظرة أن الظواهر الفسيولوجية تتكفل بتفسير شتى المظاهر النفسية للموجود البشرى، بما فيها الحب والكراهية، والطموح والغيرة ..الخ.
اللغة الصوفية: هي لغة أولئك الذين يريدون القضاء على الذات الفردية، والتحرر من أسرار الشخصية من أجل الاندماج فى حقيقة عليا تستوعب كل الموجودات، أو من أجل الفناء فى الذات الإلهية نفسها. ويتناسون أن من شروط الحب توافر التجانس والتوافق بين المحب والمحبوب من جهة، وقيام ضرب من الاختلاف فى السمات الشخصية بينهما من جهة أخرى.
كيمياء الحب (هرمون الحب الأوكسيتوسين)
هرمون الحب هو “الأوكسيتوسين” oxytocin، يفرز فى حالات الحب، والثقة، والهدوء، وهو هرمون الغدد النخامية الموجودة فى منطقة تحت المهاد الموجودة فى المخ، وتفرز الغدة النخامية العديد من الأحماض الأمينية التى تساعد الهرمون على القيام بعدة وظائف مثل الشعور والعاطفة، وهو أيضًا يحفز هرمون الأمومة المسئول عن الإنجاب والرضاعة الطبيعية، كما أنه مسئول عن الاستقرار النفسي، ويوجد الهرمون عند كلا الجنسين ولكن بنسب متفاوتة.
ويفرز هرمون الحب أو هرمون العناق فى حالات الحب والشعور بالثقة فى الآخرين، فيقوى الروابط الاجتماعية، ويمكن تحفيزه بصلة الرحم والعناق في الأوقات الصعبة ومساعدة الآخرين فى الأزمات. وقد اكتشف هذا الهرمون لأول مرة على يد “فنسنت دو فينيو”، عالم الكيمياء الحيوية الأمريكى والحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1955.
وتشير المؤلفة فى الفصل الثاني المعنون “المشاعر والصحة الوجدانية”، إلى أن المشاعر هي الملكية الوحيدة الخاصة للإنسان، فهى الحال الداخلي له تحدث كصور ذهنية فى مسرح عقله، فيبوح بها لقلبه فتهز وجدانه وتحرك أوصاله، وتجعله سعيدًا أو حزينًا، مطمئنًا أو خائفًا، مُحبًا أو كارهًا، ضحوكًا أو عبوسًا، واثقًا أو مرتبكًا، راضيًا أو ساخطًا، لطيفًا أو قاسيًا. وذلك كله فى حديث هامس لا يسمعه إلا صاحبه، وأحياًا يصعب التعبير عنه بالكلمات أو البوح به للآخرين.
المشاعر والذاكرة والتعلم
للمشاعر أثر قوى يجتاح كيان الإنسان بأكمله، وقد أثبتت نتائج البحوث أن الذكريات الوجدانية يتم تذكُرها بالتفصيل بصورة أكبر من الذكريات العادية المحايدة، ونظرًا إلى أن الحالات الوجدانية الإيجابية تحفز المستقبلات العصبية بالمخ إلى خلق حالة فسيولوجية وجسدية أكثر راحة وأمانًا، فإن النشاط الكيميائى العصبي يؤثر على المناطق المسئولة فى الدماغ عن ترميز الأحداث وتخزينها واسترجاعها بسهولة.
أى أن المشاعر الإيجابية تقوي عمليات الفهم والتذكر فتعزز الذاكرة وتدعمها، وبالتالى تحقق تعلُمًا أفضل. ويمكن استخدام محفزات تعليمية تتراوح بين الكلمات الإيجابية المشجعة، وعرض الصور، والشرائح التى تُدعم المنطوق اللفظى، كما يمكن استخدام السير الذاتية لأنها تعزز عمليات الترميز والتخزين بقوة وترفع كفاءة عمل الذاكرة.
وبناء على هذا، فإن الذكريات المثيرة للمشاعر تتحول وفقًا لنظرية معالجة المعلومات إلى أحداث ثابتة فى الذاكرة طويلة المدى، فى حين أن ذكريات الأحداث غير المثيرة للمشاعر تُعد أكثر عرضة للنسيان، ولذا يُنصح باستخدام الكلمات الدالة على الشعور أثناء عملية التدريس لاستنطاق الأجواء الانفعالية حول الموضوعات المدروسة لتعزيز فهمها وتذكرها وإثارة اهتمام المتعلمين وحفز وظائف ذاكرتهم مثل: الفرح، الحزن، الراحة، الألم، الفخر، الخزي، الدهشة..الخ.
ومن الأجزاء الدماغية المسئولة عن المشاعر، والانفعالات، والتعلم، والذاكرة، وتوجيه السلوك، جزء رئيسى يُسمى الجهاز الحوفي أو المخ اللمبي Limbic System، ولأهميته ووظيفته الكبرى يعتبره علماء التشريح بمثابة (مخ ثان) يطلقون عليه المخ الوجداني أو الانفعالي Emotional brain، ويتموضع فى كلا النصفين الكرويين، ويظهر بوضوح على السطح الداخلي لهما، وهو المسئول عن الوظائف الانفعالية فى جسم الإنسان، فهو الذى يتحكم فى المشاعر والانفعالات المختلفة، ويتكون من مجموعة من التراكيب الدماغية.
الصحة الوجدانية
تُعرف الصحة الوجدانية بأنها حالة إيجابية من الرفاهية التى تمكن الفرد من العمل فى المجتمع وتلبية المطالب من الحياة اليومية. ومع ذلك فهناك العديد من الأمور التي تحدث فى الحياة، ويمكن أن تعرقل الصحة الوجدانية، والتى تؤدى إلى الإصابة بمشاعر سالبة كالحزن والتوتر والقلق، ومن أمثلة هذه الأمور المعرقلة للصحة الوجدانية ما يلي:
الاستغناء المجبر عن الوظيفة – الفشل الدراسي – الشعور بالوحدة – عدم التقدير المناسب – إنجاب أطفال كثيرة رغم ضيق العيش – الحرمان من الإنجاب – وفاة أحد أفراد الأسرة – الطلاق – الإصابة بالأمراض – الحوادث المفاجئة – المعاناة من المشاكل المالية – الفشل فى علاقة عاطفية – تراكم المشكلات وتفاقمها.
يتناول الفصل الثالث المعنون: “الأمية الوجدانية والتنور الوجدانى” تعريف الأمية الوجدانية Emotional Illiteracy بأنها تجاهل المشاعر، وافتقاد القدرة على التعبير عنها بطرق صحيحة، وضعف القدرة على قراءة مشاعر الآخرين وتفهمها، وتجاهل الآثار السلبية المترتبة على ذلك، وافتقاد القدرة على التحكم فى الانفعالات، وإقامة العلاقات الاجتماعية الناجحة، مما يؤدى إلى ضعف طرق التواصل الوجدانى مع الذات والآخرين، وتوالد العديد من المشكلات.
ويفتقد الأميون وجدانيًا القدرة على فهم أنفسهم وفهم الآخرين بصورة صحيحة، فهم فقراء وجدانيًا يصعب عليهم تفسير مشاعرهم أو مشاعر من حولهم، وغالبًا ما يعتبرون الضحك أو البكاء مجرد محاولات لإزعاجهم، وهم لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم بطريقة صحيحة ويسيئون التصرف فى الكثير من المواقف الاجتماعية، ويستجيبون بطرق غريبة كالضحك وقت الحزن مثلاً، أو الكآبة والتجهم خلال أجواء المرح.
وتتعدد صور ومظاهر الأمية الوجدانية، فمن مظاهرها: الاستخفاف بمشاعر الآخرين والتسفيه من اهتماماتهم وطموحاتهم، وممارسة التنمر ضد الآخرين بأنواعه المختلفة، والإهانة والاحتقار وانتهاك الكرامة، والتجاهل المتعمد والحرمان من حقوق مشروعة، والتسلط والإرغام على فعل شئ بالقوة أو الجبر على الانفصال المعنوى أو قهر النفس وكسر الروح وسلب الابتسامة وافتقاد الشعور بالأمان.
ومن صورها: العنف اللفظى والبدنى بين أفراد الأسرة الواحدة (الزوج والزوجة والأبناء)، وعدم احترام حق الجار كما أوصانا به رسولنا الكريم، وافتقاد الحب والاحترام والتقدير بين المعلم والمتعلم، بل وعناصر الإدارة المدرسية، والضغائن والأحقاد بين العناصر البشرية فى المؤسسات المختلفة، وانتشار معدل الجرائم ونسب الانحرافات السلوكية بالمجتمع (كالاغتصاب والقتل والسرقة والنصب والاحتيال …الخ).
ويُعد التنور الوجدانى من الأمور المهمة التى يجب الالتفات إليها خاصة بعد أن أثبتت الأبحاث أن (80%) من النجاح فى الحياة يعتمد على النواحى الوجدانية. وإذا كان إشباع الحاجات الأساسية للإنسان شرطًا لبقائه البيولوجى، فإشباع الحاجات الوجدانية لا تقل أهمية لتحقيق الصحة الوجدانية. فعندما يشعر الفرد بالجوع أو العطش يعبر عن احتياجه للطعام أو للماء، وكذلك عند شعوره بالفرح أو الحزن أو الألم فإنه يحتاج أيضًا إلى التعبير عن ذلك بكلمات صحيحة تجعله يشعر بالارتياح.
دور المعلم في تعليم الوجدانيات
لابد أن يعلم كل معلم خاصة فى مرحلة الطفولة أن الأسابيع والأشهر الأولى من المدرسة هي وقت فارق في حياة الأطفال الصغار، حيث يقيمون علاقات مع البالغين والأقران، ويتعلمون أن يكونوا جزءًا من مجتمع الفصل الدراسي.
وتُعد قدرة كل طفل أو طالب على تكوين علاقات اجتماعية ووجدانية، والتفاعل بنجاح مع الآخرين أمرًا بالغ الأهمية للنجاح في المدرسة والحياة، لذا يُعد بناء اتصالات قوية من بداية العام الدراسى ذا أهمية كبرى فى إحداث تحول كبير لدعم تطور الأطفال والطلاب العاطفى والاجتماعى، ومنذ حضور الطلاب فى اليوم الأول للمدرسة وحُسن معاملتهم يمكن أن يحدث فرقًا إيجابيًا مدى الحياة.
استراتيجيات تدريسية للتعلم الوجداني الاجتماعي
-
استخدم القصة للتعلم: تُعد القراءة بصوت عالٍ الأداة المثالية لاستكشاف الموضوعات الاجتماعية العاطفية مع الفصل الدراسى. ولا يقتصر الأمر على الأطفال الصغار، ولكن سيفضلها الطلاب الكبار أيضًا. وهناك الكثير من الكتب المصورة الرائعة ذات الموضوعات المركبة، والمفردات الجديدة التى سيحبها الطلاب الكبار.
-
لعب الأدوار: يُعد لعب الدور ومسرحة المناهج من الأمور المهمة فى التعبير عن المشاعر المختلفة من خلال التمثيل الدرامي وتقمص بعض الشخصيات.
-
التدريس بالفن: عن طريق استخدام الشعر، والأدب، والموسيقى، والرسم للتعبير عن الانفعالات الإيجابية والسلبية.
-
استراتيجية كتابة اليوميات: تُعد أحد استراتيجيات الذكاء اللغوى، ويتم فيها حث المتعلمين على تسجيل أهم الأحداث التى مرت بيومهم، سواء لأنفسهم أو لغيرهم، وتحليلها لتنمية الذخيرة اللغوية والتعبير عن المشاعر الكامنة.
-
الاستراتيجيات البصرية: عن طريق استخدام الرسوم والمخططات التنظيمية، والخرائط الفكرية، والذهنية، وشبكات التفكير البصرى المتنوعة للتعبير عن المفاهيم والانفعالات المتنوعة.
ولتحقيق مستويات نجاح عالية بمجال التعليم، ينبغى تدريب المعلمين على مهارات العلاقات الإنسانية التى يحتاجون إليها فى إدارة الصفوف الدراسية بطريقة ديمقراطية تعاونية، وتدريبهم على تشجيع طلابهم على التفاعل معهم، ويمكن تحقيق ذلك من خلال عدة ممارسات مثل: إعطاء الأولوية لإقامة العلاقات البناءة، واحترام الآراء أثناء الحوار، وممارسة التشجيع والمساندة الاجتماعية، واتخاذ قرارات جماعية، وحل الصراعات، والاهتمام بالأنشطة الترفيهية.
وفى الفصل الرابع “نظريات الحب وفلسفاته” تشير المؤلفة إلى أهمية الحب باعتباره إكسيرًا للحياة، اهتم به العديد من الفلاسفة وعلماء النفس، وأشارت إلى أهم النظريات والرؤى التي تناولت الحب بالبحث والدراسة.
فقد ذهب كثير من الفلاسفة إلى أن الحب هو “فضيلة الفضائل” لأنه ينطوى على قيمة أخلاقية عظيمة هى “الإرادة الخيرة”، و”النية الطيبة”، لذا، كان الحب أكمل الخلال. والحب فضيلة إيجابية لأنه فى جوهره قرب واتصال وإقبال وحياة واستمرار، فى حين أن الكراهية بُعد ونفور وهدم وضمور. ويرى زكريا إبراهيم فى كتابه “مشكلة الحب” أنه إذا كان الفلاسفة التقليديون قد صنفوا القيم إلى ثلاث، وهى: الحق، والخير، والجمال، فإن الفيلسوف المعاصر قد أضاف قيمة رابعة، وهى “الحب”. فالحب هو الذى يخلع على تلك القيم الثلاث كل ما لها من قيمة، إذ كيف يكون الحق دون حب الحق؟ وماذا عسى أن يكون الخير دون حب الخير؟ وكيف يكون الجمال دون حب الجمال؟ والفيلسوف هو الأقدر على الحديث عن الحب، لأنه يعرف أنه لكى يُفسر الحب، فلابد من المُضى إلى ما وراء الحب.
شذرات في فلسفات الحب
تحدث عن الحب العديد من الفلاسفة، فكتب فيه كل من: أفلاطون، وأرسطو، وأفلوطين، والقديس أوغسطين، وتوما الإكوينى، واسبينوزا، وروسو، وهيجل، وشوبنهور، ونيتشة، وبرجسون، وسارتر، وجبريل مارسل، وكارل يسبرز، وكان لكل منهم فلسفته الخاصة حول الحب، وقد تميز الفكر الإسلامى أيضًا بالحديث عن الحب، والذى غلبت عليه الروح الدينية والمبادئ الأخلاقية، فكان الحب عندهم نزيهًا عفيفًا ساميًا، لأن هدفهم من الكتابة فيه كان لغاية أخلاقية تربوية إصلاحية. أما عن فلاسفة العرب الذين تحدثوا عن الحب، فمنهم: الفارابى، وابن حزم، والغزالى، وابن سينا .. وغيرهم.
سقراط
فالحب في نظر الفيلسوف اليونانى “سقراط” هو الرغبة فى اقتناء الخير بصفة مستديمة، أو هو النزوع نحو امتلاك الجميل امتلاكًا خالدًا.
أفلاطون
أما “أفلاطون” فأبرز ما يميز مذهبه فى الحب الترفع عن شوائب المادة، والسمو إلى نورانية الروح. فالحب شوق يدفع إلى الحصول على المعرفة والخير والجمال. ويبدأ الإنسان بحب الأشياء الجميلة، ثم يرتقى إلى حب النفوس، ثم إلى حب ثمرة النفس وخاصة القوانين الإنسانية، وينتهى إلى حب المعرفة لذاتها. والحب الأفلاطونى يزدرى الجمال الزائل، ويتعلق بالجمال الدائم، وهو جمال الروح.
جان بول سارتر
أما الفيلسوف الفرنسى “جان بول سارتر فالقيمة الكبرى للحب فى نظره هى أنه يجعل الفرد يشعر بأنه لم يعد مجرد مخلوق أو كائن ليس لوجوده أي معنى، بل إنه أصبح مصدر فيض بالنسبة إلى (الآخر).
فلسفة الحب عند ابن حزم
على بن حزم من أصل أندلسي، ويُعد من أكبر علماء الأندلس، وهو إمام وفقيه ظاهرى، ومتكلم، وأديب، وفيلسوف وشاعر، شرح منطق أرسطو، وأعاد صياغة المفاهيم الفلسفية. يرى ابن حزم أن الحب أمر قدري لا يد للإنسان فيه، وإنما هو أمر الله وفعله في نفوس الناس، أى أن الحب مرتبط بوجودنا ولا سبيل إلى تجاهله أو إنكاره، وهو ليس بمنكر ولا مكروه، وهو أمر خارج عن إرادتنا متى وقع، فهو: “داء عياء وفيه الدواء، وعلة مشتهاه لا يود سليمها البرء، ولا يتمنى عليلها الإفاقة، يزين للمرء ما كان يألف منه، ويسهل عليه ما كان يصعب عنه”.
مقال فوق ممتاز و رائع يتميز بالشمول و بأسلوب سلس و سهل يناسب كل مستوى القراء