أدب وثقافةمقال رئيس التحريرمميز
مشروع المشترك الثقافي العربي يطرح فلسفة تفكيك التناقضات
عقد مشروع «المشترك الثقافي العربي» يوم السبت الماضي 11 فبراير مؤتمر «المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية»، وذلك في مقر جمعية الكتاب والفنانين (أتيليه القاهرة)، برئاسة الدكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب ومؤسس المشروع.
وجاءت أبحاث المؤتمر في أربعة جلسات بحثية أدار الجلسة الأولى حاتم الجوهري، والجلسة الثانية الدكتور سامح شوقي، والجلسة الثالثة الدكتور أحمد سعد عيطة، والجلسة الرابعة الباحث/ خالد أحمد جودة، ولقد جاء كتاب أبحاث المؤتمر في جزئين بحوالي 1000صفحة يشمل 13 بحثا، وحمل الكتاب عنوانا ملفتا هو “فلسفة إدارة التنوع وتفكيك التناقضات”، وحمل عنوان فرعيا بعنوان «استعادة المتون العربية وتحدياتها في القرن الحادي والعشرين».
إدارة التنوع واستعادة تماسك الكتلة الجغرافية العربية عبر «الجغرافيا الثقافية» وتفكيك التناقضات
•• عرض الجوهري في الجلسة الافتتاحية الفلسفة العامة للمؤتمر والتي يطرحها للمرة الأولى على المشهد الثقافي العربي، مبينا أن هذه الفلسفة تأتي في سياق تجاوز اللحظة التاريخية الراهنة بأزماتها وأنساقها الثقافية التي تعود إلى المسألة الأوربية وعقدها الثقافية سواء مع أو ضد، خصوصا ما طرحته مدرسة الدراسات الثقافية الغربية مع فلسفتها للانتصار للهوامش، والتي اخترقت الثقافة العربية وحولتها إلى جزر منعزلة دون متن جامع أو حاضنة واسعة تحتمي به.
وفي عرضه لورقته البحثية المؤسسة لفلسفة المؤتمر بعنوان: (استعادة المتون العربية: فلسفة إدارة التنوع وتفكيك التناقضات وتحدياتها)، وتطرح الورقة الأولى تصورها للنمط المستقبلي البديل الذي تقترحه وتقدمه كفرضية جديدة خاصة بها لرفد واقع المتون العربية، وهو مقاربة التدخل في الحالة العربية ومتونها ومجتمعاتها بفلسفة «إدارة التنوع وتفكيك التناقضات»، أي «إدارة التنوع» الثقافي وتوظيفه العضوي و”تفكيك التناقضات” العربية وضبط تفاعلاتها وفق سياسات فاعلة وفعالة تبدأ بالتسكين والعلاج وصولا للتفكيك والتجاور والتعايش في حاضنة التنوع التي تفجرت.
وتقدم ورقة الجوهري مجموعة من التعريفات والمفاهيم الجديدة، مثل تصورها لـ«الذات العربية المختارة» وتعريفها، وتعريفها لـ(المتن العربي) الجديد وسماته، وتطرح استراتيجية لما تسميه «الجغرافيات الثلاث» وأولوية “الجغرافيا الثقافية” في بناء المتن العربي الجديد، وبوصفها مقدمة لـ”الجغرافيا الطبيعية” وتفعيل التعاون الاقتصادي وتوظيف التنوع في الموارد الطبيعية العربية، وصولا إلى )الجغرافيا السياسية)، وتقارب الرؤى الإقليمية والدولية في المتن العربي الجديد، طارحا حاتم الجوهري تصوره للجماعات البشرية في شكل «كتلة جغرافية»، وان هذه الكتل الجغرافية لابد أن تفعل “الجغرافيا الثقافية” التاريخية الجامعة لها حتى تكون منصة لاستعادة متنها في لحظة تاريخية ما.
مساهمة يمنية في النظرية
وفي المحور التأسيسي نفسه جاءت الورقة التي قدمها د.قاسم المحبشي من اليمن بعنوان “المتون الحضارية: السياق الثقافي والمعرفي للمفهوم”، وتسعى هذه الورقة البحثية إلى استشكال مفهوم المتون الحضارية/ العربية، والتعرض لظروف إنتاجه المعرفية في القرن الحادي والعشرين، بما يكون من شأنه الإحاطة بواقع الحضارة والثقافة مفهوميا وتاريخيا، بوصفهما قوتين من قوى التاريخ الأساسية الذي يراهن عليهما في اللحظة الراهنة التي تواجه فيها المجتمعات العربية جملة من التحديات الحاسمة، بما ينطوي عليه من راهنية أبستمولوجية ومنهجية، بوصفها محاولة لتسليط الضوء على أهم المفاهيم المفتاحية في هذا المشروع الثقافي الطموح للتجديد وسياق إنتاجها وجدلها مع السياقات السابقة عليها، والنظر في جدلها مع مفهومي الحضارة والثقافة بوصفهما مفهومان أساسيان في الدراسات الإنسانية والتاريخية المعاصرة، فضلا عن اتصالهما بمشروع المتن/ التجديد العربي المنشود في القرن الحادي والعشرين.
التحديات الجيوسياسية للمتون العربية
وفي المحور التأسيسي ذاته جاءت الورقة التي قدمها د.عمر كامل حسن من العراق بعنوان “التحديات الجيوسياسية للمتون العربية: صِعاب وممكنات”، وتتناول الورقة الثانية موضوع المتون العربية الجديدة الممكنة في القرن الحادي والعشرين، من خلال زاوية التحديات الجيوسياسية التي تواجهها في ظل محاولات إعادة تشكيل الإقليم العربي، وفي معادلات للقوة تحضر فيها القوة الدولية التقليدية والبازغة حديثا والقوة الإقليمية المتنافسة مع الذات العربية، بحيث تقارب الدراسة موضوع المتون العربية الجديدة والاحتمالات الممكنة أمامها بين صعاب معوقة وممكنات وفرص متاحة، ولقد تناولت الورقة مستويات الصراع بين المركز والأطراف في العموم، والتحولات الجيو- تاريخية من المركز الهامش ومسارها الثقافي والسياسي، ونظرت في الواقع الجيوسياسي الراهن وحلم المتن العربي الجديد، وانتهت بالسعى لرسم ملامح نظرية عربية لإمكانية استعادة المتن العربي وبنائه من جديد.
المتون الجديدة وعلاقة العربي بالإسلامي
وفي المحور التأسيس ذاته قدمت د.يمنى طريف الخولي ورقة بحثية بعنوان “إعادة قراءة أصولنا ومتونها: تنضيد للمشترك في المنهجية العلمية المستقبلية”، لتقدم هذه الورقة رؤية كلية تؤكد على الشكل العلمي والمنهجي للمتون القيمية والحضارية المستمدة من الذات العربية والدين الإسلامي وتجربته الحياتية، في مواجهة محاولة نزع الشكل العلمي والتجريبي عن الحضارة الإسلامية، التي يستخدمها البعض كوسيلة للتأكيد على المسألة الأوربية ومتلازماتها الثقافية ومركزيتها في مواجهة كل الذوات الإنسانية الأخرى، مؤكدة الورقة على تمثلات المشتركُ العروبيُ الإسلامي وما بينهما من احتواءٌ منطقيٌّ متبادل؛ فالعروبة قلب الإسلام وأرومته، والإسلام أفق العروبة وامتدادتها المتوالية. وأن هذا “المشترك العروبي”، الذي يمثل الإسلام آفاقه العُليا المتوالية، يتجسد عينيًّا وواقعيًا في عالمٍ معيش يضمُ سبعًا وخمسين دولة، رسمت اليونيسكو حدودًا حولها بوصفِها عالم الثقافة الإسلامية أو دائرة الثقافة الإسلامية، باحتوائها السمح المتعايش لكافة مواطنيها في متن ممكن وقادر على العبور للمستقبل.
المتون الجديدة والتمثيل الزائف لفرق الدين السياسي
وفي السياق العام ذاته قدم الباحث صبحي عبد العليم نايل بعنوان: “المشترك الثقافي العربي: وجهة نظر في الكوابح المعرفية والمجردة”، وتنطلق هذه الورقة من رؤية نقدية للخطاب الذي تقدمه فرق الدين السياسي وخلطها ما هو ديني بما هو سياسي، معتبرة نفسها تمثل التصور والامتداد السياسي للمقدس في البلدان الإسلامية والعربية، ومعتبرة الورقة أن خطاب هذه التيارات يعتبر كابحا معرفيا في حد ذاته لمحاولات الذات العربية استعادة متنها، وأنه يجب تجاوز هذا الخطاب ونقده من أجل الوصول إلى خطابات جديدة يمكن لها أن تساهم في ظهور المتن العربي الجديد في القرن الحادي والعشرين، وأنه لا سبيل لتحديد ملامح ثقافة ما دون تحديد آليات إنتاجها المعرفي، وتفكيك الكوابح المجردة والمتعينة لها.