شارك الدكتور حاتم الجوهري في الندوة الدولية التي عقدتها منظمة الإيسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم)، والتي عُقدت في المغرب في الثالث والرابع من هذا الشهر بمدينة مراكش، وبالمشاركة مع جامعة القاضي عياض، حيث كان رئيسا للجلسة الثانية من المؤتمر والتي عقدت في اليوم الأول.
وشارك «الجوهري» في الجلسة الثالثة التي عقدت في اليوم الثاني بورقة بحثية بعنوان: «الدبلوماسية الحضارية والمسألة العالمية: من الصدام إلى التداول.. مقاربة جديدة».
وكانت الندوة قد شهدت حضورا مكثفا شمل الدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام للمنظمة، والدكتور فايز الشهري رئيس لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشوري بالمملكة العربية السعودية، والسفير خالد فتح الرحمن مدير مركز الحوار الحضاري بالإيسيسكو، إلى جوار العديد من الشخصيات المغربية والتمثيل الدبلوماسي بالمغرب.
وفي الورقة التي طرحها حاتم الجوهري أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية تناول مسألة الحضارة العالمية وإشكاليتها السائدة في النظام الدولي الراهن في القرن الحادي والعشرين، بعنوان «الدبلوماسية الحضارية والمسألة العالمية: من الصدام إلى التداول.. مقاربة جديدة»، وذلك بالنظر إلى حالة الاستقطاب الحضاري الشديدة التي وصل إليها العالم قرب منتصف العقد الثالث من القرن الجديد، خاصة في البؤر المشتعلة منه التي تشمل على سبيل المثال: الحرب الروسية/ الأوكرانية، تصاعد وتيرة المواجهة بين الصين وتايوان، تفجر الأوضاع في القرن الأفريقي، زيادة حجم النزاعات في المنطقة العربية والشرق الأوسط.
حيث اعتبرت الدراسة أن النمط الحضاري الحالي الذي ظهر في تسعينيات القرن الماضي، والقائم على وهم النظرية المطلقة والمسألة الأوربية/ الغربية هو السبب في الوضع الراهن، ومفترضة أن إشكالية الدراسة هي وهم «المسألة العالمية الأحادية»، التي طرحتها العقلية الغربية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار “الثنائية الحدية” التي حكمت النظرية المطلقة بين هيجل الأب التاريخي للدولة الطبقية الرأسمالية المثالية، وبين تلميذه ماركس الذي طرح نظرية مضادة له عن الدولة غير الطبقية الشيوعية المادية، خاصة عندما طرح المفكريين الغربيين والأمريكيين ورثة هيجل الفيلسوف الجرماني ثلاث نظريات تعبر عن المسألة العالمية الأحادية الجديدة، مع كل من: فوكوياما ونظرية نهاية التاريخ الأيديولوجي، وبرنارد لويس عن نظرية الصراع الثقافي الديني، وهينتنجتون عن نظرية صدام الحضارات.
وتطرح الدراسة فرضية تستشرف نمطا حضاريا بديلا يقوم على نمط «التداول الحضاري»، من خلال مفهوم «الدبلوماسية الحضارية»، الذي تبنته منظمة «الإيسيسكو»، وأن المشكلة في تغيير مفهوم النظرية المطلقة برمتها وخرافة أن التاريخ البشري كما طرحه هيجل وصل إلى ذروته مع الموجة الحضارية الجرمانية الحالية، وان التاريخ سيظل كتابا مفتوحا لكن سيكون عليه فقط تجاوز المرحلة الحالية الجرمانية حيث تقسم الدراسة التاريخ البشري لأربعة موجات حضارية رئيسية، بدأت مع حضارات الأرض المقدسة أو الحضارات النهرية الكبرى التي ارتبطت بأرضها ولم تكن في حاجة نفسية او واقعية للصدام مع الآخر، وترمز لها الدراسة بالحضارات: المصرية القديمة، بلاد الرافدين، الصينية، والموجة الثانية بعنوان حضارات الرُحل والتي ظهرت مع الفرس واليونان حيث كانا أول من طرح مفهوم المسألة العالمية عبر الصدام مع الآخر والتمدد على حساب موارده القائمة، والموجة الحضارية الثالثة مع الديان السماوية التبشيرية الكبرى التي تمثلت في المسيحية مع الرومان والإسلام مع العرب، والتي ربطت حالتها الحضارية بشرطية اتباع قواعد السماء، وأخيرا الموجة الحضارية الرابعة مع القبائل الجرمانية التي سيطرت على أوربا، وقدمت مع هيجل تمثلها الأبرز عن حضارة الذروة النهائية والدولة الراعية التي تجمع بين الدنيا الطبقية وبناء التراتب الاجتماعي والشعارات الدينية المسيحية، والتي انتهت لمشروع الصدام المستمر مع الآخر بغرض الحفاظ على وهم «الحصرية الحضارية»، ومنع الظاهرة البشرية من الحركة واستمرار عملية «التداول الحضاري»، والدخول في موجة حضارية جديدة.
وقد اعتمدت الدراسة على منهج «الدرس الثقافي»، بحثا عن النسق الفعلي الحاكم لظاهرة الحضارة الغربية السائدة حاليا، المتمركز حول فكرة النظرية المطلقة، لتصل لطرح تصورها أو فرضيتها الثقافية البديلة التي تتمثل في فكرة «التداول الحضاري»، وما بعد خرافة النظرية المطلقة التي تعتبر هي النسق الثقافي الحاكم حتى اللحظة الحالية للعقلية الأوربية/ الغربية، منتصرة الدراسة لفلسفة القيم الإنسانية العليا وصيروة الظاهرة البشرية وديمومتها من خلال «التداول الحضاري»، وفطرته عبر هذا المنهج الثقافي، ومعتبرة أن المنهج الثقافي الذي اتبعه هيجل ومن بعده ورثته مع فوكوياما وبرنارد لويس وهينتنجتون، حكمته فلسفة ظرفية عابرة وهي فلسفة تمثل المطلق في نموذج الحكم والحضارة، من ثم تميل الدراسة لتصحيح الظاهرة الحضارية عبر إعادتها للمنطق الطبيعي وفلسفة التداول، من خلال توظيف آلية الدبلوماسية الحضارية.
والجدير بالذكر أن الدراسة تكونت من ثلاثة مباحث، هي أولا: نشأة المسألة «العالمية»، وأزمة النظام الدولي والظاهرة البشرية، والذي شمل العناصر: النظرية المطلقة للغرب من «الثنائيات الضدية»، إلى «المسألة العالمية»، الأحادية- النظريات الثلاثة التي حملت «المسألة العالمية»، الأحادية الجديدة – المرحلة الثانية للمثالية المطلقة: تداخل الحضاري والثقافي والمسألة العالمية، ثانيا: ما بعد النظرية المطلقة: الظاهرة الحضارية بين الصدام والتداول، وشمل: صدامية النظرية المطلقة وتاريخ الموجات الحضارية الأربعة- تمثلات الصدام الحضاري نتاج المسألة العالمية والمثالية المطلقة – البديل الغائب: التداول الحضاري والمفصليات الثقافية، ثالثا: مفهوم الدبلوماسية الحضارية ودورها وتطبيقاتها، وشمل: تعريف الدبلوماسية الحضارية وإطارها العام – الدبلوماسية الحضارية والدبلوماسية الثقافية: تكامل وتواصل – الإيسسيكو وطموح المسئولية وتطبيقات المفهوم المحتملة.
والمعروف أن حاتم الجوهري هو صاحب مشروع تفعيل المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية (هيئة الكتاب)، كما حصل على جائزة الدولة في العلوم الاجتماعية، وجائزة ساويرس في النقد الأدبي، ووصل للقائمة القصيرة لجائزة المركزي القومي للترجمة، كما ان له عدة مساهمات فكرية منشورة تشتبك مع اللحظة العالمية الراهنة وتصوراتها المستقبلية.
زر الذهاب إلى الأعلى