تم الإعلان أمس الأول الأربعاء عن تدشين مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق.. حضارات الموجة الأولى في عالم جديد»، الذي ينظمه مشروع المشترك الثقافي العربي، بالمشاركة مع ست مؤسسات عراقية متخصصة في الثقافة الشعبية والثقافة والحضارة العراقية عموما.
ومن المقرر أن يعقد المؤتمر في يوم 27 ديمسبر 2023م، بعد حوالي خمسة أشهر من الآن، ويرأس المؤتمر الدكتور حاتم الجوهري أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، ومنسق المؤتمر هو الدكتور منتظر الحسني مدير تحرير مجلة التراث الشعبي العراقية.
وضمت اللجنة العلمية للمؤتمر 11 أستاذا من سبع دول عربية وهم: (خليل عودة – فلسطين، عبد الحكيم خليل – مصر، عمر كامل حسن – العراق، ليبيا عبد الله دماج – اليمن، عدي كامل حمادي – العراق، نعيمة بن عثمان – تونس، علي مهنا – العراق، سليمة مسعودي – الجزائر، أحمد الزبيدي – العراق، انتصار مسعود- ليبيا، شذى خلف حسين – العراق).
وشملت اللجنة الاستشارية العليا للمؤتمر كلا من: د.إبراهيم سعيد البيضاني/ الأمين العام للاتحاد الدولي للمؤرخين، د.إحسان علي الحيدري/ رئيس المجمع الفلسفي العربي، د.جاسب فنوخ الجبوري/ مدير الكلية التربوية المفتوحة/ فرع القادسية، د.حميد مهدي راضي/ مدير مركز نيبور للأبحاث والدراسات، د.صالح زامل/ رئيس مؤسسة شناشيل لإحياء التراث الإنساني، د.منتظر حسن الحسني/ مدير تحرير مجلة التراث الشعبي.
وضمت محاور المؤتمر 13 محورا، هي: (فرص التفسير الجديد لحضارات العالم القديم- حضارة الموجة الأولى وفلسفة السلام والحرب- الشخصية القومية المتعايشة والراسخة وسماتها في مصر والعراق- مآل «دولة ما بعد الاستقلال»، عن الاحتلال الأجنبي في كل من مصر والعراق- المراكز التاريخية والجغرافيا السياسية ودور هذه المراكز في رفد حاضنتها البشرية- أزمة ما بعد المسألة الأوربية وفرص الذات العربية في رفد المستقبل البشري- الفلسفة ونصوص الحكمة والأخلاق والأمثال لدى كل من الحضارتين المصرية والعراقية- الأدب الشعبي وقصص البطولة والملاحم والأساطير في الحضارتين بين الماضي والحاضر- الدرس اللغوي المقارن وتطبيقاته بين مصر والعراق- حضور الفنون الشعبية والعادات والتقاليد وإعادة توظيفها بين البلدين- إدارة التراث الثقافي غير المادي وحمايته بين البلدين ومفهوم الذات العربية- السينما والمسرح والأدب والأيديولوجيا في الذاكرة المعاصرة بين البلدين- علاقات التصاهر بين الشعبين في العصر الحديث.. عوامل النجاح ودوافع التطوير).
والمعروف أن هذا هو المؤتمر أو الدورة الثالثة لمشروع المشترك الثقافي العربي، بعد نجاح لدورتين سابقتين من مشروع «المشترك الثقافي العربي»، في مؤتمر «المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والآمال»، المنعقد في 22 مارس 2022م، وفي مؤتمر “المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية” المنعقد في 17 فبراير 2023م، إضافة إلى «المائدة المستديرة»، التي عقدت حول «المشترك الثقافي» بين مصر والسودان في 20 سبتمبر 2021م.
كما أن فكرة المؤتمر تتسم بالجرأة عن: حضارات الموجة الأولى وإرثها المسكوت عنه، حيث تقول دعوة المؤتمر عن فكرته: تنتمي مصر والعراق لما يمكن تسميته بحضارة «الموجة الأولى»، أو حضارات “الأرض المقدسة” التي تضم بشكل رئيس: (مصر- العراق- الصين)، وهي الحضارات الإنسانية التي نشأت مكتفية بنفسها على المستوى المعنوي/ الثقافي، من خلال الشعور بالتحقق والامتلاء الذاتي دون حاجة أولية أو مبدئية للصدام مع الآخر أو الحصول على اعتراف منه.
وكذلك الشعور بالاكتفاء على المستوى المادي من خلال امتلاك الموارد الأساسية وعلى رأسها الأنهار، فكان الوجود الجغرافي/ الحضاري لتلك الدول يمثل لهم ما يشبه «الأرض المقدسة»، التي ليست في حاجة للصدام مع الآخر كنقطة انطلاق وتأسيس لها.
ولم تطور هذه الحضارات أنماطا لـ«الهجرة والاستيطان»، واستقر في وعيها العام دور الأرض بوصفها مكانا مقدسا وكان تمدد هذه الحضارات خارج أرضها وحدودها بهدف التأمين والحماية غالبا..
من ثم، فإنه يجب السعي العلمي في البحث عن قدرة الأنماط الحضارية التاريخية -خارج المسألة الأوربية الراهنة وانسداداتها- على رفد الواقع بشكل موضوعي، بعيدا عن الاستقطابات والصور والأحكام النمطية المسبقة والموروثة لدى كل جانب..
من هنا تأتي أهمية فكرة المؤتمر إذ تعد مصر والعراق منشأ الحضارة البشرية على ضفتي دجلة والفرات وفي وادي النيل، حيث يمكن البحث عن المشترك الثقافي بين البلدين فيما هو تاريخي وصولا لما هو مستقبلي وقادم.
ويبدو أن هناك الكثير من الإرث الحضاري والإنساني المسكوت عنه في حضارة البلدين/ حضارة الموجة الأولى، وفلسفتها الطبيعية، وموقفها من العالم والوجود، والسلام والآخر، والتنمية والاهتمام بالعمران، والتدوين.
وحاليا تعد مصر والعراق بوابتين رئيسيتين حارستين للعالم العربي، وحافظتين لـ«مستودع هويته»، في لحظة تاريخية حرجة وشديدة التدافع إقليميا ودوليا، بما يجعل من الأهمية البحث عن التراث الإنساني والحضاري المشترك لدى كل منهما، في سبيل البحث عن الإلهام لرفد الوجود العربي- والعالمي- وسيناريوهاته في اللحظة التاريخية الراهنة بالقرن الحادي والعشرين.
وكذلك يطرح المؤتمر فلسفة واضحة بعنوان: “تجاور الأنماط الحضارية وليس تراتبها “، حيث تقول دعوة المؤتمر: “إن الأنماط الحضارية والوجودية التي قدمها العالم في حضاراته الأولى، خاصة الحضارات التي بطبيعتها لم تصطدم مع الآخر وكانت في حالة اكتفاء معنوي ومادي، مثل حضارتي مصر والعراق (حضارة الأرض المقدسة)، تحتاج لتسليط الضوء عليها في لحظة تاريخية حدية يبحث فيها العالم عن الإلهام والمدد بعيدا عن تصورات المسألة الأوربية وهيمنتها الحدية والصراعية على الوجود العالمي، خاصة تصورها الحضاري المرتبط بوصفها حضارة مطلقة ونهائية وشمولية تَجُبُّ ما قبلها وما بعدها، وتعتلي سلم التراتب الإنساني وتغلقه خلفها.. من ثم كيف يمكن من خلال دراسة هذه الأنماط التاريخية دراسة موضوعية وجادة أن نرفد اللحظة الراهنة التي تمددت فيها أفكار الصدام الحضاري والثقافي، ونؤكد على أن الأنماط الحضارية تتجاور بتنوعها ولا تتراتب في صراع حدي وصفري، من ثم كيف يمكن الاستفادة من “المستودع الحضاري” العربي شديد التنوع والزخم داخل مصر والعراق على ثلاثة مستويات؛ أولا: في رفد العلاقات البينية بين الدول العربية في القرن الحادي والعشرين، ثانيا: في رفد العلاقات الإقليمية وتهدئة أنماط الصراع الإقليمي وأشكالها المتنوعة، وثالثا: في رفد العلاقات الدولية في ظل تزايد نفوذ الأفكار الشمولية الاستقطابية والحدية إرث المسألة الاوربية في القرن الحادي والعشرين”.