صرح الدكتور حاتم الجوهري أستاذ الدراسات الثقافية ومدير المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب- وزارة الثقافة المصرية؛ أنه رغم التعاطف الذي يبديه المثقفون العرب والمصريون على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن المشكلة الجادة الآن حقيقة في الصراع بين الفلسطينيين وبين جيش الاحتلال؛ هي الصراع على امتلاك رواية وسردية عادلة وحاضرة في المحافل الدولية، ومواجهة أدبياتها المعادية لنا وصورها النمطية وبديهياتها الفكرية.
وقال إن دولة دولة الاحتلال “إسرائيل” تقدم رواية تستمد قوتها من رواية المسألة الأوربية ووهم المركزية والسيادة الحضارية المطلقة، وهي رواية شديدة التجذر في تصورات الماركسية والليبرالية والوجودية وألمانيا ما بعد النازية، كل هؤلاء يقدمون مشروع احتلال فلسطين بوصفه العدالة الغائبة ليهود أوربا المضطهدين وحقهم في الحياة! دون اعتبار لحق الفلسطينيين العرب في الحياة!
وأضاف أنه لم يقدم المثقفون العرب روايات مضادة تفكك تصورات الصهيونية في حاضنتها الأوربية، سواء في “الصهيونية الماركسية”، أو “الصهيونية الليبرالية” بروافدها، أو “الصهيونية الوجودية” عند سارتر، أو صهيونية” ألمانيا ما بعد النازية”.. كل تيار سياسي أو ثقافي/ فلسفي/ أيديولوجي عربي يداري على الجذور الكامنة والراسخة للصهيونية في هذا التيار الذي ينتمي له، فأخفى كل منهم جزءا من الرواية المركزية للصهيونية لنصطدم الآن بالحائط الصلب للدعم الغربي لمذابح جيش الاحتلال بحجة الدفاع عن النفس!!
وأوضح أنه رغم تقديمه نقدا مركزيا للصهيونيات الأوربية أو الروايات الفكرية الأوربية التي تدعم إسرائيل؛ إلا أن التمثلات الثقافية العربية تعمدت عدم الاهتمام بها لأنها تكشف القصور او الأخطاء التي وقعت فيها تلك التيارات العربية، واكتفى كل تيار بشعارات خاصة به في مواجهة الصهيونية تصلح للاستهلاك المحلي، لكنها لا تصلح لمواجهة المركزية الأوربية في تبنيها للصهيونية ومشروعها الوجودي.
وأكد على أن أزمة الثقافة العربية والمصرية أنها تعيش على ذكريات القرن العشرين وشغف البديات الأولى التي تشبه “حب المراهقين”، دون حتى أن تقدم رؤية نقدية لتلك البدايات أو تسعى لتقديم رؤى وأفاق جديدة للذات العربية في القرن الحادي والعشرين، وهنا أنا لا أدين الثقافة العربية بقدر ما أدعو للعمل الجاد في سيناريوهات واقعية ترفد حاضر الذات العربية ومستقبلها، في ظل لحظة تاريخية شديدة التدافع وكثيرة التحولات والمتغيرات.
واستطرد قائلا: وفي المقابل عندنا روايات نمطية للاستقطاب الداخلي؛ فمن يسعى للانتصار للرواية الفلسطينية والحق العربي فيها يقدمون له صورة نمطية مسبقة بأنه يريد الحرب وتوريط البلاد في ذلك! والحقيقة أن أي حرب دون رواية متعاطفة معها، أو أي قوة خشنة في العموم دون قوة ناعمة تحميها وتمنحها مظلة للعمل بها؛ سيكون مصيرها الأزمة والتفكك والتحلل مهما كانت الموارد التي تم استثمارها فيها.
وخلص في النهاية؛ إلى أن الخطاب العربي والثقافة العربية في حاجة إلى تغيير شامل في معظم السياسات الداخلية والخارجية، لاستعادة قوة مصر الناعمة والخروج من استقطابات الاستهلاك المحلي، لرفد الذات العربية بروايات فاعلة قادرة على الصمود في المحافل الدولية والدبلوماسية، وعلى الخصوص تحتاج مؤسسة الثقافة المصرية إلى توصيف وظيفي جديد ينقلها من اجترار الذكريات والتعليق على ما حدث، إلى الانشغال بالمستقبل والاستشراف وبناء الرؤى والتصورات الرافعة الموضوعية والمنطقية، وتقديم روايات وسرديات وجودية جديدة للذات العربية في القرن الجديد بأزماته وتعقيداته وتحدياته الشديدة، وفي القلب منها القضية الفلسطينية وعدالة روايتها.
زر الذهاب إلى الأعلى