تزدحم المكتبة العربية بكتب تقدم وتشرح وتفسر الحداثات الغربية (الحداثةmodernity وما بعد الحداثة post_modernity وبعد مابعد الحداثة post _post modernity
لقد غمرت فلسفة الحداثة عالمنا الإسلامي حتى الغرق، متكئة تلك الحداثات على (مفهوم المركزية الغربية)، الذي طفق يتمدد وينتشر يتعمق مع الاستعمار الأوربي لدول الشرق العربي والإسلامي والقارة الإفريقية، عبر وسائله المتعددة والمتنوعة في صورة غزو ثقافي غربي جامح، كالتبشير، واستقبال البعثات التعليمية من الدول الواقعة تحت نير الاستعمار، وبناء مناهج التعليم في العالم الإسلامي وفق ما يراد له من المستعمر.
وقد لعب معظم طلاب البعثات الإسلامية دورا كبيرا في تثبيت هذه الحداثات الغربية في أذهان ابناء الشعوب الإسلامية، من خلال المقررات الدراسية في المدارس والمعاهد والجامعات في لحظة ما سمي بالنهضة، ثم المد القومي العربي، وبناء الدولة القومية (ما بعد الكولونيالية)، وانبنت هذه المقررات وفق مناهج وتوجهات حركات الاستشراق من تشويه للتاريخ العربي والإسلامي في جميع عصوره.
ولم يفلت عصر إسلامي من ذلك، حتى ليخيل لغير الباحثين، أن تاريخ الحضارة الإسلامية الممتد عبر قرون طويلة محض وهم، أو تاريخ مختلق، ومنتحل في أغلبه.
وللأسف، انساق بعض قادة الفكر العربي وراء هذه المزاعم وكتبوا ما كتبوا- سامحهم الله تعالى- على ما اقترفت أقلامهم في حق فكرنا وثقافتنا وتاريخنا الإسلامي، فقد كان من أثر ذلك أننا بتنا مجتمعا ممسوخا يئن تحت وطأة التماهي والمسخ والاغتراب، فقد شاعت قيم الحداثة الغربية المادية في مجتمعاتنا الإسلامية، فبهتت القيم الإسلامية وغاب بعضها.
وفي كل دورة من دورات الحداثة الغربية بقيمها السلبية تسقط معها قيمنا الإسلامية بالتشويه المستمر لها تارة والتغييب لبعضها تارة أخرى، ثم جاءت العولمة الغربية التي هي أبشع آلة من آلات الحداثة لتجرف كل أخضر ويابس..
فهي تبدأ من الغرب وإلى الغرب تنتهي وما دون هذا الغرب مجرد هوامش وأطراف همجية تافهة، عالة على المجتمع الغربي الآري عنصري النزعة شكلا ومضمونا.
ومن المحزن، أنه في لحظة انبهار المسلمين بالمنتج الأوربي المادي وتقدم علومه الطبيعية وما وقع للمجتمعات الغربية من تحديث (Modernisition)، لم يفطنوا إلى الجانب الآخر الروحي والقيمي الديني في هذه الحداثة الغربية..
فقد قامت الحداثة الغربية على فصل الدين عن الدولة، وأنكرت الغيبيات وأحلت الإنسان محل (الله ) واعتبرت الأديان السماوية مجرد خرافات بشرية، كما فصلت القيم عن الدين واعتبرت الإنسان بأهوائه ونزعاته هو مصدر القيم.
لقد غاب عن الباحثين وغيرهم أن هناك حداثة أخرى مفارقة لكل الحداثات الغربية، ولها عتبات فارقة بينها وبين سائر الحداثات وتمتاز بمنطلقات ومصادر وقيم ومبادئ ليست لغيرها من سائر الحداثات الأوربية وهو مايروق لنا في هذا المجال بصك مصطلح (الحداثة الأبدية:
Eternal modernity) على تلك الحداثة المغيبة ألا وهي الحداثة الإسلامية او الحداثة القرآنية، فلماذا هي جديرة بأنها (الحداثة الأبدية) لأنها مفارقة للحداثات الغربية فيما يأتي فمن حيث مصادرها أولا: القرآن الكريم وثانيا: السنة النبوية الشريفة وهما مصدران أبديان غير قابلين للتبديل أو التغيير.
إما من حيث المبادئ التي تقوم عليها الحداثة الأبدية فهي:
1-التوحيد؛ وهو المبدأ الذي ينتفي أي مبدأ دون الإيمان به، فالتوحيد هو الأساس الأول والأصيل في تحقيق الحداثة 2- القيم الإسلامية؛ وهي القيم المستمدة من الوحي الإلهي
3-العمل النافع الصالح المحاسب عليه صاحبه يوم القيامة.
4-أمانة الاستخلاف (الاستخلافية ) أن يؤدي المسلم هذه الأمانة وهي عمران الكون في حدود طاقته البشرية.
5-الإنسان ليس مركزا للكون ولكنه مكرم من الخالق على سائر المخلوقات لحمل أمانة العمران وعبادة الله.
6- التأمل والتدبر والبحث العلمي في العالم المادي والكوني والإنساني لغاية نفعية لصالح الإنسانية ومعرفة الخالق جل شأنه.
7- التكافل البشري هو أصل العلاقات الإنسانية في مجتمع الحداثة الأبدية.
8-الطبيعة بكل عناصرها ليست عدوا للإنسان، ولا يصح الصراع معها واستهداف التغلب عليها بل الاستفادة منها والإحسان إليها.
9-التعارف بين البشر في إطار السلام لا العدوان واحترام كل الثقافات.
10- الحرب إجراء يتم حال وقوع الظلم أو الاعتداء على دين الله.
بالإضافة إلى مبادئ أخرى لا يتسع لها هذا المجال.