استحابة للدعوة التي وجهها رئيس جامعة فرهنجيان الإيرانية للدكتور حاتم الجوهري أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب والمشرف على المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية؛ للمشاركة في الندوات الدولية الافتراضية الخمس التي تعقدها الجامعة حول «أدب المقاومة» بمشاركة عشرة دول، شارك «الجوهري» عن بعد وعبر الإنترنت في الندوة الثالثة يوم الجمعة الماضية، من خلال دراسته التي قدمها بعنوان: «المقاومة وثقافتها في ظل نظريات الصدام الحضاري.. حرب غزة أنموذجا: دراسة في نظام القيم الثقافية المهيمنة وبدائلها».
حيث أشارت دراسته إلى ضرورة تلمس الأفق الحقيقي لثقافة المقاومة الإنسانية العالمية؛ من خلال حرب غزة، وما تلى عملية «طوفان الأقصى»، والبحث عن الأفق الثقافي البديل الممكن في ظل نظام القيم الثقافية المهيمنة التي ارتبطت بنظريات الصدام الحضاري، أي القيم الثقافية السائدة في أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي نهاية القرن الماضي (الـ20)، أو إعادة إنتاج المركزية في القرن الجديد (الـ21) والاستقطاب القديم بين شرق أوربا وغرب أوربا وأمريكا من خلال النظرية الروسية الجديدة «الأوراسية الجديدة»، التي ترى مركز الصراع في العالم بين «قوى البر» شرق أوربا و«قوى البحر»، غرب أوربا وأمريكا.
ونوهت الدراسة المنشورة إلى أن «إسرائيل» ليست سوى ممثل للحضارة المطلقة ونظام قيم الصراع والتعالي الخاص بها، سواء قديما في شكل الصهيونية الماركسية، التي دعمها لينين وستالين، أو في شكل الصهيونية الليبرالية المستمرة حتى اللحظة الحالية، والتي تقوم على القيم المسيحية المثالية الطبقية التي أسس لها هيجل ومن بعده أمريكا وبريطانيا وفرنسا، من ثم لن يتحقق الانتصار النهائي على فكرة «إسرائيل» العنصرية المتعالية على العرب والمسلمين، إلا بتفكك نظرية الحضارة المطلقة ونظامها القيمي، في تمثلها القديم بالقرن العشرين أو تمثلاتها الحديثة بالقرن الحادي والعشرين بين الأوراس الجدد والأطالسة، فلا سبيل للتحرير الجيواستراتيجي العالمي إلا بتفكيك وهم الحضارة المطلقة بكافة أجنحتها، واعتبارهم «إسرائيل» ممثلا لها في شكلها القديم أو الحديث.
من ثم اعتبر حاتم الجوهري في دارسته أن عملية «طوفان الأقصى» وحرب غزة تمردا على توازنات الحضارة المطلقة رغم تعالقات أطرافها معها (العربية والإسلامية)، بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى بروز كتلة جيوثقافية جديدة ومنظومة قيم جديدة، تقع في القلب منها: السردية الإسلامية (والذات العربية)، والدول الأفريقية غير العنصرية بعيدا عن المشروع الأثيوبي العنصري (الأفريقانية المركزية السوداء)، ودول أمريكا اللاتينية.
ونوهت الدراسة إلى أن ذلك يتطلب وعي ثقافة المقاومة العالمية بأهمية هذا الدور، وبروزه كمشروع حيوثقافي جديد في الكتلة الجغرافية التي تشير إليها، أي في: العالم الإسلامي/ العربي، والعالم الأفريقي، والعالم اللاتيني في أمريكا الجنوبية، حيث يقبع بيد هذا الثلاثي الجيوثقافي ( الموجود خارج نطاق الاستقطاب الجغرافي أو الجيوثقافي للحضارة المطلقة ونظامها القيمي) أمل البشرية وحلمها بالانعتاق والمقاومة الثقافية لخرافة الحضارة المطلقة، والمسألة الأوربية ومركزيتها القيمية قديما (الماركسية والليبرالية) وحديثا (الأوراس الجدد والأطالسة)..
كما أكدت الدراسة على أهمية إيجاد المسارات للدفاع عن «المشترك الديني» الإنساني وقيمه العادلة في الجغرافيا الثقافية الإسلامية، حتى في ظل الصراع على التمثيل سنة الحياة بين مكونات السردية الإسلامية الداخلية الرئيسة (العرب وتركيا وإبران).
زر الذهاب إلى الأعلى