المكان: غابة من شجر باسق ورائحة نبات الحنظل والبنفسج؛
الزمان: تعاقب للفصول وفوضى الربيع والشتاء؛
الشخصيات: وحش وساحرة يحكمان الغابة وأميرة مسجونة
وبائع المرايا غير المكسورة.
القضايا: الحقيقة والسراب والانتفاض من شروخ الماضي …
السؤال: هل ترضى ان تعيش في جيب لقميص ممزق متشبثا بخيط من حرير او تفتح الباب وتخرج؟
عنوان الرواية:
…”ومعك وحدك أستحيل امرأة”
…كبرد كل ديسمبر كان البرد لافحا للجدران ..وكسماء أكتوبر كانت النجوم متراصة منيرة وكشمس مارس كان الفؤاد متأججا حنينا….
كان الوجع بطعم مختلف ..بمذاق الدماء الجافة …
ككل ليلة كانت تفتح النافذة لترى القمر ..وضعت فنجانا متشققا فوق طاولة الشطرنج التي ورثتها عن جدها…كان بخار السمراء هزيلا لا يقدر على تدفئة كل الأركان …كانت تمسك فحوى السطور بأنامل مرتجفة وبعين مغرورقة تتجاوز المألوف من عبارات الشجن …
سمعت صوتا مشحونا بالحنين فوضعت القلم جانبا وتأففت من طول الليل المعتم ..تلاحقت ضربات القلب بوحشية ورأت النجوم تدور امامها والسماء لوحة سوداء والقمر يرقص بوحشية والأبواب تلفحها رياح عاصفة هوجاء وكأن الأرض في مقايضة مع الروح …
وعمت الفوضى وتفجرت العيون بدموع حارقة وهجرت الأنات الصدر المطبق على الزفرات المسترسلة ….
وكأنها ليست بمن ينبض …
وكأنها القابعة بزقاق عتيق…
وكأنها مدينة العيد والسماء زرقاء…
وكأنها لا تحس بأي خوف…
وكأنها تبحث عن شيء بالحشا..مغمور بحشرجة البكاء….
وكأن بالجوف انسكبت روح إنسان…
..وكان لقاء الجمر بالجمر …بجوف الجوف روح تسكنها.. تغادرها ..اين؟….
بشرعية الزمن قايضته مع الصبر…
اندلق الفنجان من فوق المنضدة…
لقف روحها نابض …عازم على تتويجها الملكة…
صوت في الداخل يصمت ويتغلغل تاركا صدى من الأشواق ..
صامتان و الروح تحتل الكيان ..
فرحة مكتومة تتسلل عبر النافذة …ضوء القمر المكتمل..
في ركن مظلم كانت تحيا وحدها تثير في نفسها إحساسا بالموت البطيء…
…مع تلك الروح الملتصقة والمشدودة بالرقبة تقف امام المرآة تسرح شعرها….
كان بالمرآة شرخ كبير طولي يمزق وجهها …كانت ترى نفسها بشعة بلا ملامح فخمة …كان كل الجمال مقسوما لشطرين…
لم تعلم الحقيقة ….لم تكن تعلم شكل المرايا الحقيقي …
وجدت أمامها تلك الحقيقة فخضعت للوحش مهزومة …
كان الوحش شريرا وأوهمها ان كل المرايا المشروخة هي الواقع والحاضر والمستقبل ..
أحكم إغلاق النوافذ وكسر كل المرايا السليمة وجفف ماء البحيرة حتى لا تنعكس حقيقتها…
ظنت أن العالم خارج أسوار الغرفة بشع، وأنها في الأمان وأن ثمن البقاء أن لا تفتح الباب أبدا…
زارتها الساحرة الطيبة وأهدتها تفاحة غير سامة ألقت عليها تعويذة الحب وتنبأت لها برائحة النهار …
قايضتها بشعرها الطويل مقابل أن ترافقها الحقيقة…
أوهمتها أنها ستصبح جميلة …
غاب الوحش بعضا من الزمن ..ومر بائع المرايا فطرق الباب وقدم للبشعة مرآة هدية…
نظرت لأول مرة لوجه غير ممزق بالطول فذرفت دمعا معطرا بالندم …..كانت ترتجف من هول الحقيقة …
مواء القطة جعلها تتشنج فوقعت من يدها الهدية وصار فيها شرخ كبير ….تكالبت الأحزان والذكريات العاتمة تنهل من جمال فؤادها وتنهش رفاتها نهشا…
بعض البقايا من كل شيء انتحب للفوضى وللدماء المنسكبة..
وضعتها في الركن جوار بقايا الحنين…والأحلام الملتصقة بعتمة الليل السحيق…
أحست برغبة في كسر كل شيء حولها ..اعتادت على أنها لا شيء …
كان الحرفي في الجلد وإحكام الوثاق والمتفنن في العقد..
نرجسيا مختلفا عن كل شيء ….
معنفا باترا لكل شيء يتنفس….
قناصا للشجن وغاصبا لوجه الفرح…
تشحذه وتتوسل لتحيا بطريقة مختلفة…
تخيط الجراح بمقص من جمر ونار وسواط من تذمر…
جروح عتيقة متجذرة تقتات على فتات ما تبقى منها…
اعتادت على رؤية الوجه الممزق وعلى كلمات تشعلها كلفافة مهترئة تجعلها رمادا…
…بين زحام المرايا والوجوه الممزقة نبض شيء بالجوف جعل من شروخ البلور بساتينا مزهرة وأصبحت تأوي روحا وهي لا تملك بيتا…استحالت حضنا ليحيا بالحشا قلب يعافر ليبقى..
كانت الحقيقة أنها الجميلة التي استحالت مع الصادق امرأة.
••••••••••••••
نجمة عمر علي- تونس
ثورة العنقاء الأخيرة