سعدت كثيرا عندما لاقى الحوار الذى أجريته مع الناقدة المسرحية والسينمائية والأدبية د. نهاد إبراهيم عن بحثها العلمى بعنوان نيللى: الهرم الخالد فى التمثيل والأعمال الاستعراضية فى السينما والمسرح والتليفزيون فى مصر والشرق الأوسط” هذا الصدى الواسع من الاهتمام..
إن نيللي أسطورة بالفعل يعشقها جمهور الفن الراقى. والغاضبون من السطحية كثيرون ولكن مختفون..
وأسفت كثيرا عندما سارع البعض وعلانية فى منافذ إعلامية شهيرة بنسب خلاصة نتائج البحث لنفسه، والذى قدمته الناقدة فى الفصل السادس من كتاب “النساء الرائدات من مصر القديمة والشرق الأوسط/Female Pioneers from Ancient Egypt and the Middle East” إصدار دار نشر “شبرنجر/Springer” الدولية 2021، والتى تحتل المرتبة الثانية فى العالم فى نشر الأبحاث العلمية، وتتولى نشر أعمال الفائزين بجائزة نوبل..
يبدو أن وصف المحكمين الدوليين لفصل <نيللى> بالرؤية العلمية الجديدة العميقة والممتعة، قد استفز البعض وأغضبه.. وعز عليه وعلى كرامته ألا ينوبه من الحب والرأى جانبا!!
وصاحبة البحث كما عرفتها قليلة الكلام جدا، نادرة الظهور فى الإعلام منذ بداية عملها عام 1994. لم يرهقنى الحوار معها بقدر ما أرهقنى اقناعها بالموافقة على المبدأ وبشروطها. ولم يرهقها الحوار معى بقدر ما أرهقها البحث لنفسها عن صورة، لأنها تنزعج جدا من التصوير!
لم أشأ أن أخبرها بعملية السطو التى حدثت على جهدها العلمى إلا فى النهاية، حتى لا ترفض مواصلة الحديث عن الجوانب الفنية التحليلية لبحثها..
*ما هى أهم أركان بحثك العلمى؟
-البحث العلمى بناء شامخ، له أسبابه وبراهينه وأهدافه. ولابد من إدراك طبيعة وثقافة الجمهور المنوط بالقراءة باللغة الإنجليزية، وبالتالى أقمت الرؤية النقدية التحليلية على المزج مع آليات التوثيق العلمى بأسلوب شديد البساطة كما تعودت دائما. وهو وعد قطعته على نفسى أمام الناقد الجليل الراحل الأستاذ رجاء النقاش، الذى أتشرف أنه قدمنى ومنحنى الفرصة فى مجلة <الكواكب> العريقة بدون أى معرفة سابقة. وطلب منى دمج التحليل بالمعلومة باستمرار بأسلوب شيق، لأن مهنة الناقد التنويرية ليست فقط التحليل وإنما التثقيف أيضا.
*نيللى بحورها واسعة.. من أين بدأت؟
-من جمهورها ورأيه فيها بدون أى ترتيب مسبق. صحيح أن النقد علم له قوانيه ومصطلحاته، لكنه يتعامل مع الفن أمتع ما فى الوجود.. وبصفتى قاصة وشاعرة عامية أيضا حكيت قصة قصيرة جدا حدثت بالفعل، ملخصها أننى ذات يوم كنت أشعر بضيق شديد، فدخلت محلا تجاريا لا أحب منتجاته. وإذا بى أجد البائعين مختلفى الأعمار مشغولين بمشاهدة عمل مصرى ردىء للغاية يدعى الاستعراض كذبا، لكنهم يبلوننا دائما بالإلحاح فى عرضه! فنسيت ضيقى الأصلى وسألتهما بحدة الناقد الغاضب من التضليل: كيف تجرؤان على تلويث ذوقكما بهذا العرض المهلهل؟ فصاح الرجلان:الاستعراض هو نيللى.. إنها العلامة التجارية النقية لخلاصة الفنون الاستعراضية وغير الاستعراضية. إن نيللى التى تخصنا نحن نملكها وهى تملكنا!
*ومغزى القصة؟
-تأثير نيللى الجارف فى الشعب المصرى والعربى بمختلف الأعمار. النظرة المغلوطة جدا لها التى تعطيها جزءا من حقها فى الاستعراض، لكنها أبدا لا تراها بنفس القدر كممثلة، مع أن التمثيل هو أساس بديهى لفنها كممثلة استعراضية!! الإلحاح الإعلامى الذى توهم أنه سينجح فى خلط الأوراق عند الجمهور بفعل إجبارنا على عرض الفن الردىء فى عمليات غسيل مخ منظمة، لكنه أبدا لا يعرف ان الشعب المصرى لا ينخدع مهما طال زمن الخداع أو قصر.
*ومنها انتقلت إلى تحليل أعمالها القديمة؟
-لا يوجد فى الفن مسمى عمل فنى قديم. هذه حسبة الأوراق الباردة والأرقام الجوفاء. إن كل مرة يشاهد فيها المتلقى الإيجابى العمل، يؤرخ له شهادة ميلاد جديدة تحت خانة <ولد حديثا>. وهذا المتلقى الذى يعيد إنتاج استقبال هذا العمل داخله، هو نفسه يولد معه من جديد! ولهذا يقبل الجمهور على مشاهدة الفن الراقى مرة ومرات وإلى الأبد.
*كيف أثبت قدرات نيللى كممثلة أسطورة أولا قبل الاستعراض؟
-من خلال إثبات القدرات الأسطورية التمثيلية أولا ثم الاستعراضية بالتبعية للطفلة المعجزة <فيروز> بالبراهين العلمية، وتحليل جوانب الصورة السينمائية قدر المتاح من المساحة.. وكيف أن فيروز شقيقة نيللى الكبرى مع والدهما، كانا لهما الفضل الأول فى تقديم نيللى الصغيرة فى فيلم <عصافير الجنة> 1955، فى دور يبدو سهلا مرحا يتوهم أى شخص أن بإمكانه أن يحل محل نيللى بكل بساطة، ولكن هذا على النقيض من الحقيقة تماما. وتلك هى المعضلة الحقيقية التى ستستمر مستقبلا.
*أية معضلة؟
-سراب الوهم الذى كبر داخل الكثيرات، أنها إذا حلت محل نيللى وقلدتها فى كل شىء حتى لو لم تعلن ذلك، فستصبح نيللى رقم اثنين، أو ربما يمكنها بمرور الأيام إزالة نيللى الأصلية من المشهد الفنى، لينشغل الجمهور بالصورة أو <بالعفريتة المظلمة> ويتناسون الأصل! وهذا الوهم الذى لا ينتهى يرجع إلى سببين. أولهما: البساطة الشديدة التى تصدِّر بها نيللى كل أعمالها وحتى أحاديثها العادية. هذه هى طريقة تعبيرها عن نفسها، لكنها ليست حقيقة مواهبها المُركبة للغاية. ثانيا: أطماع النفس البشرية التى ليس لها آخر!
*ومنها انتقلت إلى نيللى الكبيرة؟
-مازال الوقت مبكرا جدا على طرق باب نيللى الكبيرة.. يل قدمت تحليلا مسهبا لفن التمثيل داخلها بالفطرة وهى طفلة صغيرة فى فيلم <رحمة من السماء> 1958، وهو من أصعب الأدوار التى تلعبها طفلة. وكم كانت جرأة من فنان الشعب <يوسف وهبى> أن يؤلف قصة ويقيمها على أكتاف بنت صغيرة بهذا التوجه السيكولوجى المعقد.
*كل هذا قبل الوصول إلى نيللى الشابة؟
-بل قبل الوصول إلى نيللى المراهقة بطلة فيلم <المراهقة الصغيرة> 1966! هذه المرة استخدمت وجه الناقدة المسرحية، وخصصت مساحات تحليلية مركزة لانضمام نيللى إلى <فرقة الريحانى>، وكيف ولماذا أصبحت بطلتها وهى على أعتاب بدايات مرحلة المراهقة، ونتائج تحملها هذه المسئولية المخيفة لتصبح بطلة واحدة من أعرق الفرق المسرحية المصرية.
*وكيف كانت خاتمة البحث؟
-جزء منها يؤكد بالبراهين العلمية أن نيللى بعد تراكم كل هذا الكيف والكم من الخبرات والثقافات المتنوعة، كانت ومازالت تطور نفسها باستمرار. وبناء على مخزونها التصاعدى فهى لم تقدم غير أربعين بالمائة مما تملكه من قدرات شديدة التفرد. إنها دائما تخبىء الكثير فى جرابها السحرى الذى لا يعرفه أحد غيرها.
*كم استغرق منك إعداد وكتابة هذا الفصل؟
-يُعتبر هذا الفصل من أطول فصول الكتاب حيث احتل خمسا وعشرين صفحة، وقد استغرق منى البحث حتى النشر ثلاث سنوات.
*إلى هذا الحد من الدقة؟
-هذه هى أصول العلم وهذا هو المفروض.. السنوات فى العلم تساوى لا شىء.. أما الدقة فلم تكن فى التحليل النقدى فقط، وإنما فى اتباع قوانين دار النشر التى تمنع منعا باتا أى معلومة مغلوطة أو مشكوك فيها، وأى استعانة بأى استشهاد وبأى صورة بدون ذكر المصدر الأصلى، وهم يراجعون وراء المؤلفين الباحثين بمعرفتهم.
*إلى هذا الحد يحترمون حقوق الملكية الفكرية؟
-نعم.. إنهم يحترمون جهد كل إنسان تعب من أجل نشر العلم والمعرفة والتنوير.
*هل تعرفين أن خلاصة أساس بحثك العلمى أن <نيللى> كهرم أسطورى فى فن التمثيل أولا ثم فى فنون الاستعراض بالتبعية، قد <نسبه> البعض إلى نفسه بعد ساعات من نشر الحوار السابق؟
-بدون ذكر المصدر الأصلى.. على أى أساس؟؟!!
*على أساس الفهلوة والطمع والاستكثار.. النفس البشرية! كتبوا أى <كلمتين> محفوظتين عما يتردد دائما عن مواهب <نيللى> فى الاستعراض بمفردات مستهلكة على السطح، ثم أضافوا لمواهبها كلمة <التمثيل>. وبقدرة قادر أصبح البحث رأيهم!!
-فسكتت د. نهاد إبراهيم ولم ترد….
مصادر الصور من أرشيف الناقدة:
# آفيش فيلم «عصافير الجنة»: مجلة روزاليوسف 1955
#صورة فيلم «المراهقة الصغيرة» (نيللى- أحمد رمزى): أرشيف المركز الكاثوليكى المصرى للسينما