مجتمع

بقيع مصر.. جنة الصحابة وأرض الشهداء

كتبت: نوران الريفي

 

عند سماع اسم البقيع، يتبادر إلى أذهاننا الأرض الطاهرة بالمدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية حيث يرقد العديد من الصحابة الكرام وبعض من آل البيت الأطهار رضى الله عنهم وأرضاهم.. إلا أن كثيراً منا لا يعلم أن مصر بها بقيع ثانٍ في شمال الصعيد وتحديداً في مدينة البهنسا بمركز بنى مزار محافظة المنيا. وتضم أرض الشهداء كما يلقبها البعض وبها رفات المئات من صحابة الرسول الكريم، ومن بينهم حفيد الصحابي الجليل أبو بكر الصديق وحفيد الإمام علي ابن أبى طالب، وبجوارهم يرقد ۷۰ شهيداً من أهل غزوة بدر الشهيرة.

 

 تُعد مدينة البهنسا صفحة زاخرة من صفحات التاريخ الإسلامي الذي ترك بصمات واضحة في ربوع مصر وأنحائها، ويعود تاريخ الفتح الإسلامي لهذه المدينة إلى عام ٢١ هجرية عندما انتهي الخليفة عمرو بن العاص من فتح مدن الوجه البحري والإسكندرية والقاهرة والجيزة، فأرسل إلي الخليفة عمر بن الخطاب يطلب منه الإذن في التوجه لفتح صعيد مصر، فأشار عليه بن الخطاب قائلا إن أردتم فتح مصر فعليكم بالبهنسا وإهناسيا لأنهما مركزي الروم، فإذا سقطتا سقط الروم جميعا ولن تقم لهم قائمة بعد ذلك.

بناء علي رد بن الخطاب، أرسل عمرو بن العاص قيس بن الحارس لفتح البهنسا وقام بمحاصرتها وأرسي معسكراته بقرية قيس التي سميت باسمه بعد ذلك، وعندما سمع الروم بذلك جمعوا كل حاميتهم ومن ناحية أخرى دفع المسلمين بقوات كبيرة بقيادة خالد بن الوليد، وعبد الله بن الزبير، والمقداد بن الأسود، وضرار بن الأزور، وعبد الله بن عمر وعقبة بن عامر الجهني واشتدت المعركة التي انتهت بفتح المدينة لكن بعد سقوط عدد كبير من الصحابة والتابعين الذين تم دفنهم بالمنطقة.. أما من بقي منهم فأستقروا بها وانحدرت من نسلهم قبائل عربية مختلفة مثل قبيلة غفار التي تنتمي إلي أبو ذر الغفاري وقبيلة بني الزبير من أبناء الزبير بن العوام.

وترتب علي ذلك وجود العديد من مقابر العلماء وقباب أضرحتهم مثل قبة محمد بن أبي بكر الصديق، وقبة عبد الله بن التكرور، وقبة الأمير زياد بن أبي سفيان، وقبة خولة بنت الأزور، وقبة الجمام و أولاد عقيل، وقبة إيان بن عثمان بن عفان، وقبة أبو سمرة وقبة محمد بن عقبة بن عامر، وقبة محمد الخرسي والحسن الصالح والسيدة رقية.

قبة أبو سمرة: هو عبد الحي بن حسن بن زين العابدين المالكي، وله قبة ضخمة تقع على تل أبو سمرة الأثري الذي أجريت به أعمال حفائر البعثة الكويتية وعثر بها على دنانير ذهب من عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي، وحفظت في متحف الفن الإسلامي ويوجد بها زاوية صلاة في مواجهة القبة.

قبة إبان بن عثمان بن عفان: هو حفيد عثمان بن عفان الصحابي الجليل، ويرجع تاريخ هذه القبة إلى العصر العثماني وتم تصميم هذه القبة على شكل مربع تعلوه نافذة بالجدار الجنوبي والشرقي لها ثم يعلو المربع مثمن ويعلو المثمن خوزة .. أما مدخلها فيقع بالجدار الجنوبي الشرقي.

قبة علي الجمام وأولاد عقيل: وتنسب إلي الأسعد أبو البركات عبد القوي أحد رواة السيرة، وكذلك تنسب إلي مسلم بن عقيل الذي تولي ولاية البهنسا حتى عهد عثمان بن عفان وجعفر بن عقيل الذي تولى ولاية البهنسا في عهد علي بن أبي طالب.

قبة محمد بن عقبة بن عامر الجهني: وتضم رفات القعقاع بن عمرو، وميسرة بن مسروق، ومالك الأشتر وغيرهم ممن كتبت أسمائهم علي شاهد الحجر الجيري بأرضية القبة.

قبة السبع بنات: تقع بالنهاية الغربية للبهنسا وتضم منحدراً يلجأ له الناس بغرض الاستشفاء.

قبة عبد الله التكرور: تنسب إلى محمد يوسف بن عبد الله التكرور أحد الأمراء الذين جاءوا الي البهنسا لزيارتها .

مسجد الحسن بن صالح: يُعد مسجد الحسن بن صالح بمدينة  البهنسا أول مسجد بني في محافظة المنيا وأقدم من مسجد الأزهر الذي بني عام ٣٥٩هـ ، ويطل على البحر اليوسفي حسب  اللوحة الموضوعة بالمسجد والتي توضح أنه ت تابعاً للاثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار – وبه قبة الحسن بن الصالح من عمومة الرسول – صل الله عليه وسلم.

قبة خولة بنت الأزور: ويذكر في سيرتها أنه عندما أسر شقيقها ضرار أنقذته بأن تنكرت في زي فارس ملثم لمساعدته .

قبة الأمير زياد بن سفيان: وهو الأمير زياد بن الحارث بن أبي سفيان بن عبد المطلب ووالده يكون ابن عم الرسول الكريم صل الله عليه وسلم، وحمل راية فتح البهنسا من عمرو بن العاص وبني له ضريح محفور علي جدرانه “هذا مقام المجاهد إبن المجاهد في سبيل الله الأمير زياد وضريح الحسن الصالح بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه”

ولا تقف الأهمية التاريخية لمحافظة البهنسا عند هذا الحد بل تمتد لأكثر من ذلك حيث كانت إحدي أهم محطات رحلة العائلة المقدسة بأرض مصر، والتي تجاوزت مدتها الأعوام الثلاثة هربا من الإضطهاد الروماني وإستظلت خلالها السيدة مريم العذراء وابنها المسيح تحت شجرة تُعرف بشجرة مريم والتي لا تزال موجودة إلي الآن بجوار البئر الذي شربوا منه.

وبعد سرد كل ما سبق تتضح الأهمية التاريخية والدينية لهذه المدينة وأهمية الالتفات إليها والعمل على الاهتمام بها وترميم آثارها ورفع كفاءة قبابها التاريخية وتطوير مراكز الزوار والخدمات السياحية التي تستقبل الزوار من مختلف أنحاء العالم مثلما تستقبل أهالي القرى المجاورة والمحافظات الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى