بقلم: زهرة شوشة
في السنوات الأخيرة، تحوّلت قائمة المنقولات الزوجية في مصر من وسيلة لحماية حقوق الزوجة إلى عبء ثقيل يثقل كاهل الأسر، بل ويُسبّب أزمات اجتماعية ومالية قد تصل إلى السجن والتفكك الأسري. ومع انتشار ثقافة المنافسة والمظاهر الزائفة، دخلت “القائمة” في نفق مظلم يُنذر بعواقب وخيمة، سواء على مستوى الأفراد أو المجتمع ككل.
المنافسة الاجتماعية والتزوير في الفواتير في العديد من المجتمعات الريفية والحضرية على حد سواء، أصبحت قائمة المنقولات ميدانًا للتفاخر بين العائلات، تسعى كل أسرة إلى تجهيز ابنتها بأكبر عدد من الأدوات المنزلية والكهربائية، حتى وإن كانت لا تُستخدم أو تفوق احتياجات الزوجين الفعلية. فالمنافسة مع القريبات والجيران تُشعل هذا السباق غير المحمود، مما يدفع بعض الأهل إلى تزوير الفواتير لتضخيم قيمة القائمة.
يحكي أحد التجار من منطقة العتبة: “بيجيلي أهالي يطلبوا فواتير مضروبة بمبالغ أكبر من اللي دفعوه عشان يثبتوا للناس إنهم جهزوا بنتهم بأشياء غالية. دا بقى عرف في بعض الأماكن، وكل واحد عاوز يثبت إنه أحسن من جاره أو قريبه”. عبء الديون وسجن الآباء ليس خافيًا على أحد وأن الكثير من الآباء يضطرون لدفع ثمن الجهاز بالتقسيط، ما يضعهم في مواجهة مع تراكم الديون والفوائد، ونتيجة لذلك، يعجز البعض عن السداد، مما يؤدي إلى سجنهم.
يحكي والد فتاة أنه كان يعمل ليل ونهار لسداد أقساط جهاز ابنته: “اتفقت مع محلات على التقسيط، وبعد الجواز بشهور، مرضت ومحدش عذر ما قدرتش أسد الديون واتحبست”. هذا المشهد يتكرر في كثير من الأسر، حيث يتحول الزواج من حلم إلى كابوس يُسجن فيه الآباء بسبب عدم قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم المالية، وذلك في ظل غياب الوعي المجتمعي بأهمية التيسير على الأسر في تكاليف الزواج. زواج على شفا جرفٍ هار. تقول الآية الكريمة “أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ والله لا يهدي القوم الظالمين” [التوبة: 109] وهي تجسد تمامًا ما يحدث في كثير من الزيجات القائمة على المظاهر والمنافسة وليس على أسس من التقوى والمحبة. وكثير من الزيجات اللائي تبدأن بقائمة منقولات ضخمة تنتهي بالطلاق بعد أشهر قليلة، حيث يظهر أن الزوجين لم يكن بينهما تفاهم يُمكن الزواج من الاستمرار.
في هذا السياق، تقول أخصائية اجتماعية: “الزواج أصبح شكليًا في بعض الأسر، فالأهالي يهتمون بالمظاهر، والنتيجة تكون بيوت غير مستقرة، خاصة عندما تكون الفتاة قد تزوجت وهي تعلم أن الانفصال وشيك، طمعًا في الحصول على القائمة كوسيلة للابتزاز المالي”. وقائمة المنقولات وسيلة للاستغلال تظهر على الساحة كظاهرة جديدة أكثر خطورة، حيث يتم استغلالها للكسب المادي. وفي بعض الحالات، تتزوج الفتاة بنية الطلاق بعد فترة قصيرة لتحصل على القائمة، وهي في الواقع خطة مدبرة من البداية.
تتحدث سيدة عن هذه الظاهرة فتقول: “فيه بنات بتعمل حسابها على الطلاق من أول يوم. بتتجوز عشان تخلص القائمة وتطلب الطلاق، ويكون ده هدفها”. هذا النوع من السلوك يفتقد للضمير ويزيد من تفاقم الأزمة، حيث يتحول الرباط المقدس إلى صفقات مادية بحتة، دون أي اعتبار للمشاعر أو القيم.
الحلول المطروحة لمواجهة هذه الكوارث الاجتماعية، تكمن في الحاجة الملحة لتوعية الأسر بأهمية التخفيف من المغالاة في تجهيزات الزواج والتركيز على أسس الزواج السليمة. كما أن المؤسسات الدينية والاجتماعية يمكن أن تلعب دورًا في توجيه الأسر نحو الاهتمام بالقيم الحقيقية للزواج.
وفي الختام، فإن قائمة المنقولات التي كانت في الماضي وسيلة للحفاظ على حقوق الفتاة، أصبحت اليوم مصدرًا للخراب إذا لم تُضبط الأمور بحكمة وعقلانية، والابتعاد عن المظاهر الزائفة والالتزام بتعاليم الدين والقيم الإنسانية وهما السبيل الوحيد لتفادي هذه الكوارث.
زر الذهاب إلى الأعلى