عربي ودوليمميز
كلمة السفير السوداني بالقاهرة شهادة رسمية على مأساة الفاشر ونداء لضمير العالم

متابعة/ أمنية حجاج
جاءت كلمة السفير السوداني في القاهرة، عماد الدين مصطفى عدوي، في الثاني من نوفمبر 2025، في لحظة تاريخية حرجة يعيشها السودان عامة وإقليم دارفور خاصة، إثر تصاعد الانتهاكات التي تتعرض لها مدينة الفاشر على يد ميليشيا الدعم السريع.
الخطاب لم يكن مجرد بيان دبلوماسي، بل وثيقة اتهام إنساني وسياسي متكاملة، حملت تفاصيل دقيقة عن جرائم موثقة، ورسائل مباشرة إلى المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، تدعو إلى التحرك العاجل لوقف ما وصفه السفير بـ”الإبادة الجماعية الممنهجة”.
اعتمد السفير على خطاب منظم ومتماسك، صيغ بلغة رسمية دقيقة تجمع بين السرد الوقائعي والتوثيق القانوني، مع حضور لافت للبعد الإنساني والعاطفي.
جاء الترتيب الزمني للأحداث واضحًا: من اندلاع الحرب في أبريل 2023، إلى حصار الفاشر الطويل، ثم اجتياحها في أكتوبر 2025، وما تلاه من مجازر وانتهاكات.
كما اتسم الخطاب بتوازن بين عرض الوقائع الموثقة والاستدلال القانوني والسياسي، مما منحه قوة في المضمون ومصداقية في الطرح.
المحاور الرئيسة في الخطاب
1. توثيق الجرائم والانتهاكات
استعرض السفير أدلة على استخدام ميليشيا الدعم السريع أساليب حرب ممنوعة دوليًا، منها التجويع كسلاح، والقتل الجماعي، والاغتصاب، وتدمير المستشفيات.
وقد استند إلى مصادر متعددة مثل صور الأقمار الصناعية، تقارير الأمم المتحدة، ومنظمات طبية دولية، مما منح خطابه بعدًا توثيقيًا قانونيًا لا يقتصر على الاتهام المجرد.
2. البعد الإنساني والكارثة الإنسانية في الفاشر
أبرز السفير المأساة الإنسانية من خلال أرقام دقيقة: مئات الآلاف من المحاصرين، آلاف القتلى، وموجات نزوح ضخمة تعاني من سوء التغذية والأمراض.
استخدم لغة تُظهر مأساة المدنيين بوصفهم ضحايا حصار ممنهج وجرائم منظمة، مؤكدًا أن ما يجري تجاوز الحرب إلى الإبادة.
3. الموقف الرسمي لحكومة السودان
أكد السفير بوضوح أن لا تفاوض مع الميليشيا، واعتبرها تنظيمًا إرهابيًا لا يمكن إشراكه في أي عملية سياسية.
كما شدّد على استمرار القوات المسلحة في أداء واجبها الدستوري في حماية المواطنين واستعادة الاستقرار.
4. إدانة الأطراف الداعمة للميليشيا
وجّه السفير اتهامًا صريحًا إلى الإمارات العربية المتحدة بدعم ميليشيا الدعم السريع ماليًا ولوجستيًا، وتسهيل وصول المرتزقة والسلاح، في خطوة تُعدّ تصعيدًا دبلوماسيًا نادرًا في خطاب رسمي بهذا الوضوح.
طرح أسئلة استنكارية موجهة إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي، متسائلًا عن أسباب الصمت والتقاعس أمام جرائم بهذا الحجم.
5. الدعوة للتحرك الدولي العاجل
ختم السفير كلمته بمجموعة مطالب محددة، تضمنت:
تصنيف ميليشيا الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
فرض حظر تسليح شامل عليها.
إجراء تحقيق دولي مستقل في الجرائم المرتكبة.
ضمان إيصال المساعدات الإنسانية وفتح ممرات آمنة.
وهي مطالب تضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني في كيفية تعامله مع مأساة إنسانية بحجم دارفور.
الأبعاد السياسية والرمزية للخطاب
يحمل الخطاب دلالات تتجاوز الحدث الميداني إلى إعادة تعريف الصراع السوداني أمام الرأي العام الدولي.
فهو يسعى إلى:
نقل مركز الخطاب السوداني من الدفاع إلى الاتهام، عبر تحميل المسؤولية الواضحة لأطراف خارجية.
استعادة الشرعية الدولية للدولة السودانية، بعد محاولات دعم ميليشيا متمردة بوصفها طرفًا سياسيًا.
تأطير الحرب كصراع بين الدولة والإرهاب، لا بين قوتين متنازعتين على السلطة، وهو ما يعزز الموقف السوداني في المحافل الدولية.
كما أن الخطاب يمثل تذكيرًا بذاكرة دارفور الدامية في مطلع الألفية، ليقول إن العالم أمام اختبار جديد: إما أن يمنع تكرار الإبادة، أو أن يكون شاهدًا عليها مرة أخرى.
والخلاصة أن كلمة السفير السوداني لم تكن مجرد تصريح صحفي، بل صرخة وطنية ونداء أخلاقي يحمّل المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه مأساة تتكشف فصولها في الفاشر.. ومن خلال لغة متوازنة بين الدبلوماسية والاتهام، بين الوثيقة والمرافعة، قدّم السفير عدوي خطابًا يُؤسس لرواية رسمية سودانية موثقة عن الحرب الجارية، ويعيد رسم صورة الدولة السودانية بوصفها ضحية عدوان منظم لا مجرد طرف في نزاع داخلي.
إنّ هذا الخطاب، بما تضمنه من شواهد ووثائق ومطالب، يشكل مرجعًا سياسيًا وإنسانيًا في مسار توثيق الجرائم والانتهاكات في دارفور، ويدعو ضمير العالم إلى ألا يكرر صمته الذي سمح بتكرار المأساة.





