مقالاتمميز

المواطنة والجمهورية الجديدة.. وجماعات الرجعية المتجمدة!! 

بقلم/ محمد ناجي المنشاوي

منذ أن تمكن الشعب المصري من خلع نظامين في حقبة زمنية قصيرة، بعد تردي أوضاع البلاد في النظام الأول، ومحاولة سيطرة الفاشية الدينية في النظام الثاني، جاءت القيادة الجديدة بمؤازرة شعبية كاسحة من شمال البلاد إلى جنوبها.. فقد استشعرت الجماهير الغفيرة أنها أمام قيادة وطنية مخلصة تصدت لجماعات التطرف والإرهاب، تلك الجماعات التي نالت في لحظة تاريخية سوداء من مقدرات الوطن حتى أنهكته.

وقد تمكنت القيادة- جيشًا وشرطة وشعبًا- من شن حرب موجعة ضد هذه الجماعات، ما أجبرها على التراجع والانكسار والانحسار.. ورفعت القيادة المصرية الجديدة شعارًا طالما راود أحلام المصريين، وهو «الجمهورية الجديدة»، وهو الشعار الذي ألحّ قائده ولا يزال على ضرورة نشر الوعي بين أبنائها، بالتوازي مع ما تحقق على أرض الواقع من إنجازات عظيمة.

غير أنّ مصر العظيمة لا يمكن أن تبني جمهوريتها الجديدة بالشعارات وحدها؛ فالشعارات- ما لم تُفعَّل- قد تتحول مع الوقت إلى عبارات لغوية جميلة رنانة تتداولها الألسن دون أن تُحدث أثرًا ملموسًا، ما قد ينعكس على المواطنين بإحباط ويأس.

فهذه الشعارات تحتاج إلى جهود جبارة موسومة بالإخلاص والجدية، ووضوح الرؤية، وسلامة التخطيط، ودقة الإنجاز واتساعه وديمومته.. وكل ذلك لا يتحقق إلا عبر سياسات استراتيجية تقوم على قيم إيجابية قادرة على استنفار جهود الجماهير، وإلا فإن كل بناء ينهض ويرتفع سيبقى وراءه معول يهدمه.

وإذا اتفقنا على أن الأساس الأول اللازم لهذه النهضة في الجمهورية الجديدة هو تحقيق مبدأ المواطنة، فإنه يكمل مبدأ سابقاً عليه هو الوطنية، وكلاهما مكمل للآخر. فالوطنية ظاهرة نفسية اجتماعية تربط الفرد بوطنه، وتقوم على حب الأرض والتراث والسكان.. أما المواطنة فتعني المساواة في الحقوق والواجبات الدنيوية، بين من يعيشون في وطن واحد، بصرف النظر عن دياناتهم.

ويرى بعض الباحثين أن مفهوم المواطنة بدأت إرهاصاته في مصر مع بناء الدولة الحديثة على يد محمد علي، ثم نما وأصبح أكثر وضوحًا مع تعزيز النضال الوطني ضد الاستعمار، والكفاح من أجل دستور يرسخ سيادة المواطن وحقوقه العامة والخاصة.

ولا شك أن العقبة الكؤود التي تمثل حجر عثرة أمام هذا المبدأ هي جماعات التطرف الديني: المتسلفة الوهابية الرجعية المتجمدة، والمتخونجة الدولية المارقة، وما يتفرع عنهما من جماعات وعصابات ومليشيات تشبه السوس الناخر في العظام.

ومن ثمّ، فإن الجمهورية الجديدة ملزمة بأن تؤكد على مبدأ المواطنة وتحوله من موقع الشعار إلى موقع الفعل، ومن الخطاب إلى الواقع، لتبني عليه كل أبنيتها في العلم والاقتصاد والاجتماع والفن وسائر مناحي الحياة.

ولا نبالغ إذا قلنا إن الدولة المصرية بقيادتها الراهنة قادرة على تحقيق ذلك.. صحيح أن هناك صعوبات وعوائق، لكنها لن تُعجز الدولة المصرية، فالأمر ليس مستحيلاً، ولا سيما في مجتمع واحد النسيج عاش مترابطًا: مسلموه ومسيحيوه، رغم محاولات بث الفتن بينهما، التي لم تلق قبولًا ولا نجاحًا، وفي كل مرة باءت بالفشل الذريع.

ومن المؤكد أن حياة المصريين ستكون أكثر أمانًا واستقرارًا إذا تحقق لهم مبدأ المواطنة.. فنحن بحاجة إلى منهج علمي مدروس بعناية، يضع خطة بعيدة المدى لتحقيق هذا الهدف عبر أدوات ووسائل فاعلة ومحكمة، تمضي قدماً في نشر ثقافة المواطنة.

وتأتي المناهج والمقررات التعليمية في المدارس والجامعات، والمؤسسات الثقافية والإعلامية والفنية، في مقدمة هذه الأدوات، مع ضرورة التناغم بينها جميعًا لبث هذه الثقافة وتعميقها في وجدان المصريين، حتى تصبح جزءًا من تكوينهم النفسي والاجتماعي، وفرض عين على كل فرد.

وحين يتحقق ذلك، ويستشعر المواطنون جمال المواطنة، ويلمسون أثرها الإيجابي في حياتهم اليومية، تبدأ حينها أولى خطوات النهضة التي تعم كل بقعة في الجمهورية الجديدة، لتسجّل لنفسها مكاناً راسخا في صفحات التاريخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى