💠= كثير من أعمال الفنان التشكيلي المصري مهندس رأفت عبد السلام سالم، أقرب إلى «ملحمة بصرية»، عن مسيرة الإنسان نحو المعرفة والحرية، فالسلم في إحدى لوحاته يوحي بالصع ود الروحي والعقلي، والحصان يرمز للقوة والانطلاق، بينما الثعبان يذكّر بالخطيئة والتحذير، والتفاحة تصلح رمزاً للمعرفة، أو الإغراء.. وهذا العمل أشبه بخارطة حياة أو «مانيفستو بصري»، عن مسيرة الفكر.
• رغم الطابع الرمزي والسريالي، فإن الفنان رأفت يتقن رسم الملامح البشرية، والحيوانات، والحشرات، والمعمار، بدقة واقعية تبث المصداقية في المشهد.
• تقوم أعمال الفنان رأفت عبد السلام على تركيب صور غير مألوفة، في مشاهد مركبة، وهو ما يعكس تأثرا بالمدرسة السريالية، لكن مع توجيه المعنى نحو رمزية مباشرة، أقرب للفكر الفلسفي، والرسالة الاجتماعية.
• نجد في لوحات الفنان مزيجاً بين الطبيعة (الوردة، البحر، الحشرات)، الحيوان (الحصان- الطيور- الأفاعي)، الإنسان (الوجه- اليد- القدم)، والمعمار (المسجد- الكنيسة).. ويعزز هذا التنوع طابع «التعدد الدلالي» في أعماله.
____________________
إعداد وإشراف:
د.محمود عبد الكريم عزالدين
____________________
💠= يتميز الفنان رأفت عبد السلام بمهارة واضحة في حسن توزيع العناصر، رغم كثرتها؛ ما يجعل العين تتنقل بين الرموز، دون ارتباك.. والأمر اللافت للنظر أن ألوانه قوية، مشبعة، تميل إلى الواقعية، لكنها موظفة بشكل رمزي: الأحمر للخطر والإغراء، الأزرق للامتداد والزمن، الأسود للتهديد، والأبيض للطهر والسلام.
💠= يتقن الفنان «عبد السلام» إبراز ملامح الوجه والعضلات بدقة تشريحية، وهو ما يبرز خلفيته الهندسية والمعمارية، التي انعكست في الصرامة الإنشائية، والتكوين المتوازن في أعماله.. كما أن رسمه آلاف البورتريهات- عبر مسيرته الطويلة- أكسبه خبرة وحنكة كبيرتين في مجال التشريح، جعلته قادرا على التعامل مع الجسد الإنساني، بخبرة تقنية، وبُعد تعبيري في آن معاً.
💠= يمكن القول إن أعمال الفنان التشكيلي المهندس رأفت عبد السلام، (على ما تحمله من صور تبدو شخصية نابعة من همومه الداخلية، وتجربته الفردية)، فإنها تتجاوز حدود السيرة الذاتية، لتطرح قضايا الإنسان الكبرى؛ فهو يستحضر رموز الألم والصراع، مثل الأفاعي، والعقارب، والطيور الجارحة، ليجعلها مرآة لمعاناة الإنسان، في مواجهة الزمن، والموت، والشر.
• وفي المقابل، يزرع في لوحاته عناصر النقاء والأمل، مثل الوردة والحمامة، والضوء الأبيض، ليؤكد على ثنائية الحياة، بين الألم والرجاء.. وبهذه القراءة، تتحول معاناته الشخصية إلى تجربة شاملة، تتقاطع مع هموم كل إنسان، وتجعل من لوحاته نصوصا بصرية، تتأرجح بين الخاص والعام، بين الذاتي والكوني.
💠= يتميز الفنان التشكيلي المهندس رأفت عبد السلام بقدرة فريدة، على التعبير عن رؤاه الفنية، والفكرية، من خلال أدوات غير مألوفة، في التشكيل الكلاسيكي؛ إذ يعتمد بشكل أساسي على الأقلام الخشب والجاف، بدلاً من الخامات الزيتية أو الأكريليك، التي سببت له مشكلات صحية وآلاما جسدية.
• رغم محدودية تلك الخامات، مقارنة بالزيت أو الأكريلك، إلا أنه استطاع أن يحولها إلى أداة ابتكار، و«بصمة شخصية»، حيث يجيد مزج الألوان، عبر التحكم في زاوية ميل القلم، لينتج ظلالا وتدرجات لونية دقيقة، تمنح أعماله واقعية مدهشة وروحا خاصة.
• الأمر المؤكد أن هذا الاختيار التقني لا يبرهن فقط على مهارة يدوية عالية، بل يكشف أيضًا عن إرادة فنان، يحول القيد إلى مساحة إبداع، ويصنع من أبسط الأدوات أسلوبا بصرياً مميزا يحمل توقيعه الفني الفريد.
💠= تكشف أعمال الفنان التشكيلي المهندس رأفت عبد السلام عن فنان يجمع بين دقة «الهندسي»، ورؤية «الفيلسوف»، وهو يوظف السريالية والرمزية، ليعبر عن قضايا إنسانية وجودية واجتماعية في آن معاً.
💠= من الناحية التقنية، يبدو تمكنه من الرسم الواقعي والتكوين المركب.. وعلى المستوى الفكري، يقدم فناننا خطاباً بصرياً شديد الغنى بالرموز، يمزج بين البعد الشخصي (الزمن، الإيمان، المصير) والبعد العام (الوطن، التعايش، السلام).. وأغلب أعماله تدعو للتأمل العميق، وتؤكد أن الفنان يمتلك بصمة مميزة، قادرة على خلق جدل بصري وفكري، لدى المتلقي.
💠= خلاصة القول، إن تجربة الفنان التشكيلي مهندس رافت عبد السلام ، تقدم لنا فناناً يجمع بين عقلية المهندس، ورؤية الفيلسوف، وحساسية التشكيلي؛ فمن الواضح أن أعماله تحاور الوجود الإنساني، وتطرح أسئلة المصير، وتعيد صياغة العلاقة بين الفرد والعالم، من خلال رموز بصرية مكثفة.
• الشاهد أن أعماله تدعو للتأمل العميق، وتؤكد أن الفنان استطاع أن يحول الألم الشخصي، إلى جمال كوني، وأن يترك بصمة متفردة، في المشهد التشكيلي المعاصر.




• إعداد وإشراف:
الدكتور محمود عزالدين
زر الذهاب إلى الأعلى