خواطر ورؤى بقلم:
د.محمود عبد الكريم عزالدين
▪️ لم يعد خافياً على أحد ، أن المجتمعات الحديثة تعيش إحدى أكثر مراحلها اضطراباً على الصعيد الأخلاقي والإنساني؛ فالتقلبات الاجتماعية المتسارعة، والانفلات القيمي الذي ضرب كثيراً من العلاقات البشرية، جعلا المرء أكثر حيرة في فهم حقيقة المحيطين به، على المستويات جميعاً والاتجاهات كافة، وأشد قلقاً في الرهان على معدن الأشخاص الذين يتعامل معهم، مهما بدا قربهم أو عظيم ودّهم !!
▪️ لقد علمتني تجارب الحياة- كما علمت الكثيرين- أن معرفة جوهر الإنسان، تحتاج إلى زمن طويل.. «طويل جداً».. زمن يُمكِّنك من أن ترى وجوه الناس الحقيقية، بعيداً عن الأقنعة الاجتماعية التي يفرضها الحياء، أو العادات، أو المصالح.
▪️ وحدها الشدائد، ومنعطفات القدَر، كفيلة بأن تكشف لك:
هل هذا الذي أحسنت إليه يحمل في داخله أصالة النبل، أم أنه يُضمر خسة لا تظهر إلا حين تسنح الفرصة؟ هل هذا القريب أو الصديق، الذي ظننته سنداً وظهيراً، قادر على الطعن حين تتقاطع رغباته مع قيمه؟ أم أنه ممن يحفظون الودَّ ويصونون العِشرة، مهما تقلبت الأحوال؟
▪️ ربما يكون من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان أن يراهن على القرابة وحدها- على الدم والرحم- أو أن يطمئن إلى الصداقة لمجرد طولها.. فكم من أخ تغيّر، وكم من صديق انقلب، وكم من قريب خان، مع أن الظنون ما كانت لتذهب إليه، ولا الخيال ليسمح باستحضاره !!
▪️ أذكر هنا واقعة مؤلمة رواها لي صديق ما زالت تفاصيلها تؤرقه حتى اللحظة.. فقد تعرض لغدر من أحد أقاربه، غدرٍ لم يكن وارداً على باله يوماً، لدرجة أنه قال لي بمرارة رجل انكسرت فيه آخر مساحات الثقة:
– «أقسم بالله العظيم، كنت أحب قريبي هذا لدرجة أنه لو طلب مني تطليق زوجتي والتنازل له عنها بشرع الله، ما ترددت لحظة واحدة في تلبية رغبته !!! ولا يعني هذا أي شيء، سوى أنني كنت أحبه، ربما أكثر من نفسي… لكنه غدر بي، وارتكب بحقي جريمة، لم أكن أتخيل أنه سيفعلها معي» !!
▪️ لم تكن كلمات صديقي صرخة غضب، بل كانت رثاءً لزمن ظن فيه أن الحب يحمي من الخيانة، وأن القرابة حصن لا يُخترق.. لكنه اكتشف- كما نكتشف جميعاً – أن الثقة العمياء قد تتحول إلى سلاح يرتد على صاحبه، وأن المبالغة في حسن الظن، قد تفتح الباب لمن لا يستحق.
▪️ إخوتي وأخواتي وأصدقائي الأعزاء: إن خلاصة التجربة الإنسانية تخبرنا أن معادن البشر لا تظهر في أيام الرخاء؛ بل تتجلى حين يختبرهم الله بسلطان، أو مال، أو رغبة أو نزاع.. عندها فقط تفهم حقيقة القلوب، وترى الفروق الشاسعة بين رجل يثبت على قيمه (مهما عصفت به الأهواء)، وآخر يتبدل، ويتخفّى، ويتحين الفرص ليطعن من أولاه ثقته الكاملة!!
▪️ لذلك- وأمام هذا المشهد المتقلب- تبقى الحكمة الخالدة:
«امنح ثقتك بقدر، وأحسن الظن بوعي، وراقب الناس بالصبر، ولا تراهن على أحد قبل أن يمضي عليه من الزمن ما يكشف جوهره لا مظهره».. فهكذا فقط ننجو من صدمات الخذلان، ونحتفظ لأنفسنا بما تبقى لنا من سلامٍ داخلي، في عالم تتبدل فيه الوجوه والقلوب، بسرعة البرق، أو سرعة الصواريخ العابرة للقارات، أو الصاعدة للمجرات الفصائية !!
🔴🔴🔴🔴
الدكتور محمود عزالدين