تحت شعار (تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمى الاقتصادى الإستراتيجي) وتسلم مصر رئاسة دول السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقى (الكوميسا) وذلك بعد مرور 20 عاماً على توليها للمرة الأولى فى عام 2001م، عُقدت القمة الإفريقية الحادية والعشرين بالعاصمة الإدارية الجديدة فى 23 نوفمبر 2021م، وسط تحديات عالمية وإقليمية صعبة لا سيما مع جائحة كورونا وتباطؤ الأداء الاقتصادي العالمي، وذلك كله من أجل تحقيق حلم التكامل الأفريقى والرقمنة في الإقتصاد الأفريقي بكافة مستوياته.
فلماذا الكوميسا وأهميتها ودور مصر فى تفعيل التكامل الإقتصادي الرقمي والمكاسب المصرية من جراء ذلك مع تقديم رؤية مستقبلية للكوميسا على ضوء التحديات الحالية والمستقبلية وذلك كله عبر ثلاثة مباحث رئيسية
أولاً- لماذا الكوميسا وأهميتها ودور مصر الريادى فيها:
وبلا شك تعد الكوميسا والتى قوامتها 21 دولة من أهم التكتلات الإقتصادية فى أفريقيا منذ إنشائها عام 1994م والتي قوامها 583 مليون نسمة بناتج محلى إجمالى أكثر من 800 مليون دولار وبحجم تجارى بين دولها الأعضاء يوازى مليار دولار حتى عام 2020م.
وتحظى مصر فى علاقاتها التجارية مع دول الكوميسا بتحقيق فائض تجارى خلال الفترة من (2015 – 2020 م ) بلغت قيمته نحو 1.4 مليار دولار أمريكى وذلك وفقاً لأحدث التقارير الصادرة يوم الأحد الموافق 21 نوفمبر 2021 عن مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصرى. فتجربة الكوميسا هى تجربة واعدة لا سيما بعد تفعيل منطقة التجارة الحرة الأفريقية والتى دخلت حيز التنفيذ فى يناير 2021م , وإن كانت هناك عديد من التحديات والعقبات التى يعترضها حتى الآن منها التمسك بالمفهوم المطلق للسيادة الوطنية والخوف من أن يؤدى توسيع اختصاصات وسلطات الكيانات القاربة للانتقاص من السيادة الوطنية, وهذا يتطلب بكل تأكيد تبنى خطة إستراتيجية فى إطار الكوميسا لضمان تنويع الاقتصادات الأفريقية فى إطار تصور للتكامل والاتحاد الأفريقى على كافة الأصعدة خاصة فى ظل وجود خليط من المناطق التجارية المتنافسة والمتداخلة وهى المجموعة الإقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) فى الغرب ومجموعة شرق أفريقيا (إيك) فى الشرق ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقى (سادك) فى الجنوب والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا ” الكوميسا ” فى الشرق والجنوب.
وتجمع الكوميسا والذى يعد أحد تجمعات التكامل الإقتصادى الإقليمية فقد كان المستهدف منه فى ظل قمة الكوميسا الـ 21 الحالية بالعاصمة الإدارية بمصر تحقيق التكامل الاقتصادى بين دول الشمال والشرق والجنوب الأفريقى من خلال منطقة تجارة حرة يتبعها إقامة اتحاد جمركى ثم الوصول إلى مرحلة السوق المشتركة بين الدول الأعضاء خاصة وأن الناتج المحلى الإجمالى لدولها يبلغ 805 مليارات دولار وحجم تجارة دولها مع العالم إلى 324 مليار دولار.
إضافة إلى ذلك، فإن المأمول من الكوميسا هو الإرتفاع بمعدل النمو الإقتصادى لها والذى بلغ 5.6 % خلال عام 2019م بعدما شهد تراجعاً خلال عام 2020م بسبب تبعات جائحة كورونا وذلك حتى يصل إلى 6 % خلال عام 2021 ميلادياً وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولى المبنية على تعافى الإقتصاد العالمى وتحسن الطلب العالمى.
– وبلا شك فإن تبوأ مصر مكانتها الريادية أفريقيا سيساهم فى تفعيل أواصل أحد التعاون بين دولها والتغلب على العوائق التى تعترض حرية التجارة وتكثيف التعاون الإستثمارى خاصته بين الحكومات والقطاع الخاص فى القارة, وفى هذا السياق تسعى مصر إلى تشبيك مجتمع الأعمال المصرى فى القارة وإقليم الكوميسا وزيادة تجمعات الأعمال والتجارة والإستثمارات البينية لدعم التكامل الاقتصادى, وتعميق التكامل الصناعى وتطبيق الإعفاء الجمركى من الواردات من السلع ذات منشأ الكوميسا وإقتراح آلية لمراجعة السياسات التجارية لدول الكوميسا وتفعيل دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتجارة الخدمات , علاوة على تشجيع التكامل الزراعى بين دول الكوميسا ودمج القطاع الخاص فى تنفيذ مشروعات التنمية الزراعية ومن الطموحات المأمولة أيضاً من إتفاقية الكوميسا صياغة خطة عاجلة لمواجهة التحديات التى فرضتها كورونا فى دول الكوميسا وتفعيل السياحة فيما بين دولها وذلك كله فى إطار إطلاق إستراتيجية الكوميسا متوسطة المدى والتى سيطلقها الرئيس السيسى فى ظل رئاسته للتجمع ( 2021 – 2025 م) والتى فى ظلها سيتم تفعيل محكمة العدل للكوميسا ولجنة حكمائها.
ثانياً- مكاسب مصر والكوميسا والاقتصادى الرقمي:
أن الكوميسا بصفتها تجمع حكومات ودول شرق وجنوب أفريقيا هو احد ثمانى مجموعات إقتصادية إتفق الاتحاد الأفريقى أن تقود هذه التجمعات الإقتصادية لتعزيز التكامل الاقتصادى على المستوى الأفريقى وفى ظل القمة الحادية والعشرين بمصر سعت مصر من خلال التجمع لتعزيز القدرة على الصمود أمام التحديات الحالية والمستقبلية من خلال التكامل الرقمى بهدف تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد لتسيير ممارسة الأعمال داخل تجمع الكوميسا وتعزيز قدرة الدول الأعضاء البالغ عددها 21 دولة على الصمود لمواجهة التحديات السلبية لجائحة كورونا على إقتصادياتها.
ومن هنا جاء شعار تلك القمة بالعاصمة الإدارية الجديدة تحت عنوان (تعزيز القدرة على الصمود من خلال التعامل الرقمى الاقتصادى الاستراتيجى)، لاسيما مع الثورة الرقمية والتى تتزايد فى العالم وبالتالى تسعى قمة الكوميسا لتعزيز تلك الثورة فى فى كافة الدول الأفريقية ، ولعل هذا يتطلب تفعيل القوى الناعمة وهى الاستثمار والتجارة بعد نجاح اتفاق الكوميسا على المستوى السياسي من خلال تحقيق حلم السوق الأفريقية الموحدة.
وبلا شك فإن هناك مكاسب عديدة حققتها مصر من استضافتها لقمة الكوميسا على رأسها إمكانية زيادة التبادل التجارى مع الدول الأفريقية والترويج لإصلاحاتها الاقتصادية خاصة وأن تجمع الكوميسا يعتبر من أهم وأبرز الشركاء التجاريين لمصر حيث أن مصر تصدر لدول تجمع الكوميسا حوالى 60% من إجمالى صادرات مصر للقارة الافريقية هذا علاوة على رغبة مصر فى تحقيق معدل نمو أعلى وتوفير فرص عمل للدول الافريقية داخل تجمع الكوميسا ، مع زيادة الفرص الاستثمارية لزيادة حجم الناتج الاجمالى وفتح اسواق جديدة للمنتجات المصرية لغزو السوق الافريقى.
يُضاف إلى ذلك، تذليل كافة العقبات للانتهاء من مشروع ( القاهرة – كيب تاون) والذى يربط مصر بالدول الأفريقية ويمر داخل 9 دول أفريقية مما يساهم فى زيادة حجم التجارة البينية وان كان التحدى الأول لمصر فى هذا السياق متعلق بالبنية التشريعية وكيفية عمل اتفاقات تشريعية بين مصر والقارة الافريقية لتسهيل عملية التبادل التجارى والاستثماري مع العمل على نشر المناطق اللوجيستية فى أفريقيا بالتعاون مع المجالس التصديرية واتحاد الصناعات والمشاركة فى الفعاليات الأفريقية التجارية من أجل تحقيق الحلم المصرى وهو 100 مليار دولار صادرات سنوياً.
ثالثاً- رؤية مستقبلية للكوميسا والتكامل الإقليمي:
لقد حققت الكوميسا نجاحات عديدة حيث على المستوى السياسي إهتمت بإقرار السلم والأمن بين اعضائها وتزويد دولها بالأداة التى يمكن الالتجاء إليها لفض المنازعات بالطرق السلمية وعلى المستوى الاقتصادى تمثل الكوميسا سوقاً رائجة ومتنفساً للعديد من المنتجات والسلع مع الاستفادة من الاعفاءات المتبادلة حيث إنضمت معظم دولها الى منطقة التجارة الحرة التابعة للكوميسا، مع تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل والاستفادة من المساعدات المالية التى يقدمها بنك التنمية الافريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية فى مجال تنمية الصادرات إلى الافريقية وفقاً للمادة (158) من اتفاقية الكوميسا.
أما على المستوى البيئي فتم انتهاج مبادرة برنامج للتصدي للتغيرات المناخية واطلاق برنامج التنمية الزراعية الشاملة في أفريقيا.
ورغم ذلك لا يزال أمام الكوميسا تحديات عديدة خاصة فيما يتعلق بالقصور فى التكامل المالى والاقتصادى الكلى رغم الوصول إلى مرحلة التكامل التجارى ومنطقة التجارة الحرة، اضافة الى ان الكوميسا لم تصل إلى مرحلة الاتحاد الجمركى والتى نصت عليها (اتفاقية أبوجا) ولعل ذلك يرجع في المقام الأول الى غياب الاستقرار السياسي للدول الاعضاء ووجود معوقات للاستثمار والنزاعات والحدودية والحروب الأهلية وتغليب الاعتبارات السياسية على المصالح الاقتصادية ومحاربة القوى الكبرى لكافة أنواع التكامل الإقليمى الذى يعرقل مصالحها الاستراتيجية فى القارة الافريقية فبالإرادة السياسة وإنهاء الصراعات الداخلية وتخالف الحكومات مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدنى ستنهض أفريقيا الرقمية اقتصادياً وسياسياً, وإقليمياً ودولياً.
زر الذهاب إلى الأعلى