يرى الدكتور وجدي زيد أن هناك علاقة وطيدة بين أسرار نهضة التعليم وعلاقتها بالاقتصاد، وفق تجربة دول أربع: إنجلترا، وأمريكا، والمانيا، واليابان.
تلك الدول بدأت مبكرا تفطن لهذه العلاقة ووضعت التعليم (التكنولوجيا) نصب أعينها ومركز اهتمامها الأول.
وقد جاهدت هذه الدول، لتضبط العلاقة بين التعليم (العام) والتعليم (التكنولوجي والفني)، ففي ضبط هذه العلاقة يكمن سر النهضة.
وتؤكد الأبحاث المقارنة عن كليات التكنولوجيا الجامعية أن ضبط هذه العلاقة هو الفيصل في السباق بين هذه الدول الأربع، وقد انتهت خبرات هذه الدول منذ عام 1880 وحتى الآن حول ضبط هذه العلاقة إلى قناعة بأن الوضع الآمن هو(أن يلتحق نحو ثلثي أعداد الطلاب بعد الانتهاء من الفصل الثاني من المرحلة الإعدادية بالتعليم التكنولوجي والفني بينما يلتحق الثلث الأخير بالتعليم العام.
وقد استطاعت دول أن تقلل الثلث الأخير في التعليم ( العام) إلى 10 ٪ وكان ذلك سببا في تقدمها السريع، وفي ألمانيا صارت التجربة أكثر نجاحا واستقرارا من الدول الثلاث الأخرى.
والدليل على ذلك، أنه في عام 1990 وصلت نسبة الطلاب (ذكورا وإناثا) المتدربين في أعمال تكنولوجية وفنية إلى ما يقرب من 75 ٪ من مجموع الطلاب أصحاب الأعمار من (16_ 19).
وقد أرجع الباحث النجاح المتميز للتجربة في الدول الأربع، وغيرها من الدول المنافسة لها إلى أربع قناعات عند (شعوب) هذه الدول تمثلت في:
1= إن المدرسة هي البداية التي لاغني عنها لأي نهضة حقيقية 2= إن أية جهود للتطور والتقدم في اي دولة لايكون أساسها ومركزها التعليم هي جهود متخبطة وتعود غالبا بالدولة إلى نقطة الصفر عند تعرض هذه الجهود إلى قلائل ومتغيرات حادة في داخل او خارج الدولة.
3= لم تعد نهضة التعليم حتمية للدول المتقدمة فقط بل هي ضرورة بقاء للدول النامية والمتخلفة فقد أصبح العالم اليوم شديد الاتصال Hyper Connected وهذا له تبعات خطيرة تهدد بقاء الدول النامية والمتخلفة.
4= إن سر أسرار نهضة التعليم والاقتصاد، هو ضبط العلاقة بين التعليم (التكنولوجي والفني) و(التعليم العام) بحيث يستحوذ القطاع الأول على ثلثي الطلاب.
ويقرر الباحث أن ألمانيا كانت الأكثر نجاحا واستقرارا في تجربتها للأسباب الآتية فقد استطاعت 1= إزالة الفواصل بين مستويات التعليم ومجال العمل (النظرية والتطبيق) من خلال ا= الدمج التام بين قطاعي التعليم العام والفني ب= خلق هياكل تعليمية مرنة ومفتوحة.
ج= مراعاة الاحتياجات الفردية للتعليم وتطوير المهن والأعمال واعتبار الخبرة جزءا أصيلا لا غني عنه للتعليم د= خلق ثقافة مجتمعية تسمح للأفراد على كل المستويات أن يطوروا بشكل دائم مهاراتهم العملية والمعرفية، وأن يشاركوا بقوة في الاستفادة من مزايا التغيير التكنولوجي والاقتصادي في المجتمع.
2= الدفع بشكل فعال ومثمر رجال الأعمال والكيانات الصناعية والمهنية والمؤسسات غير الحكومية نحو مشاركة كاملة في ذلك.
3= راعت الإدارة وواضعو الاستراتيجية أن تتوافق الصناعات مع عنصرين هما ا= إمكانات الأقاليم المحلية المختلفة ب= المناهج الدراسية في كليات التكنولوجيا وغيرها من مستويات التعليم الأخرى.
4=تمكنت الإدارة الألمانية من صناعة رأي عام وتعبئة عامة جعلت كل أفراد المجتمع يؤمنون ويشاركون ويستفيدون من هذه الاستراتيجية التعليمية.
ويقرر الباحث ان ماسبق يساعدنا هنا في (مصر) على أوجه الخلل في نظامنا التعليمي، كما ينعي في الوقت نفسه على المسؤولين المصريين عبر عصور مضت أولئك الذين أهدروا قدرات ومهارات الأجيال الناشئة حتى بلغت ذروة سوء التخطيط وتخبط الرؤية إلى تحويل مناهج أكثر من (550) من المدارس الصناعية والتجارية والزراعة إلى مناهج التعليم العام..
ولهذا يرى الباحث انه لابد أن يستقر في وعي المصريين ان هدف التعليم لم يعد إعداد الطالب أو الطالبة من أجل الحياة فقط بل من أجل العمل، وأن تصير قاعدة لا يتأسس عليها فقط توجهات وخطط وسياسات النظام التعليمي، بل أيضا كل المناهج الدراسية في أي نظام تعليمي ويرتبط عضويا وبشكل كامل باقتصاد الدولة.
ويشير الباحث إلى أن التاريخ يذكر أن كل الدول المتقدمة قد عانت من قبل ولسنوات طويلة وبدرجات متفاوتة من جراء بناء أنظمتها التعليمية وفق مفهوم (التعليم من أجل الحياة) لا (التعليم من أجل العمل) إذ أدت تلك النظرة إلى انفصال سوق العمل عما يدرسه المتعلم في المدرسة والجامعة..
لكن هذه الدول أدركت بعد دراسات وأبحاث عملية ضرورة الربط العضوي بين المناهج الدراسية وسوق العمل، وضرورة إكساب المتعلم مهارة التوظيف أثناء مراحل التعليم أو إيجاد عمل وهي مهارة تستلزم استخدام خبرات المتعلم ودرجاته العلمية، إضافة إلى مهارات الحاسب الآلي والإنترنت والقدرة على التواصل والمساهمة بذكاء وبشكل متكامل مبدع مع الآخرين في محيط العمل.
ويعبر الباحث عن دهشته عندما يقرأ التقارير الخاصة التي أعدها مجلس التعليم البريطاني بعد الحرب العالمية الثانية عن الانفصال الكامل بين ما يحصله الطالب ومهارات التوظيف التي يطلبها العمل وكيف أن المدارس والجامعات البريطانية ليست سوى (مؤسسات زائفة) لأنها لاتقدم المطلوب منها حقيقة، ولكي تعود إنجلترا إلى مكانتها بدأت وبسرعة إعادة (بناء نظامها التعليمي) لتكون الجوانب التكنولوجية في التعليم هي بيت القصيد في عملية التغيير كلها.