أدلى الدكتور حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب، بتصريحات خاصة لـ«شارع الصحافة»، حول مشاركته صباح يوم الأحد الماضي 3/7/2022م في الحلقة النقاشية التي عقدت في السفارة اليمنية بالقاهرة بقاعة سبأ، بعنوان «اليمن وهندسة المصالح الإقليمية»، التي تعقد ضمن مشروع «اليمن وهندسة المصالح المحلية والإقليمية والدولية».
حيث صرح الجوهري بأنه قدم مداخلة تقوم على أهمية الوعي بضرورة «إدارة التناقضات» التي تفجرت بشدة في «مستودع الهوية» العربي، لصالح مكونات هوياتية إقليمية ودولية أخرى.
وحذر «الجوهري» من أن البديل عن أهمية الوعي بإدارة التناقضات المفخخة حاليا، قد يؤدي إلى تفكيك الذات العربية تماما فيما يشبه الفناء أو الذوبان لصالح ذوات أخرى وأجندات إقليمية ودولية تنتظر الفرصة.
واستطرد الجوهري موضحا أن مستودع «الهوية العربي» يتعرض إقليميا لتفجر التناقضات مع أربعة مكونات أخرى إقليمية، المكون الأول هو المكون الأفريقاني أو المركزية السوداء العنصرية «الأفروسنتريك» التي تهدد العالم العربي عبر السودان، حيث استطاعت أثيوبيا بتوجيه ودعم خارجي تحويل خطاب الوحدة الأفريقية المعروف بـ«البان أفريقانيزم»؛ إلى خطاب العنصرية السوداء المتطرفة والمشوهة ضد مصر وشمال أفريقيا العربي، مستقطبة العديد من مثقفي السودان.
المكون الثاني هو المكون المذهبي الشيعي/ السني مع إيران، لأن إيران تتمدد في الدول العربية من خلال دعم وتذكية التنظيمات والطوائف الشيعية ليكون لها تواجد سياسي في البلدان العربية كما هو واضح في: لبنان- العراق- اليمن.
كما أن أمريكا/ بايدن تسعى للترويج لنسخة معدلة من صفقة القرن تقدم فيها إيران كفزاعة لبناء تحالف عسكري «ناتو إقليمي» تقوده الصهيونية، «إسرائيل»، وتسيطر من خلاله على موارد الطاقة في المنطقة تعويضا لآثار غزو أوكرانيا وحظر الغاز والنفط الروسي عن أوربا.
المكون الثالث وهو المكون العثماني/ التركي الذي يسعى للتمدد والحضور في الدول العربية، حيث استغلت تناقضات فترة الثورات العربية في العقد الماضي لتتحالف مع فرق الدين السياسي العربية (الإخوان بشكل رئيس)، وهذا التحالف والحضور أنتج استقطابا في ليبيا وفي ملف سد النهضة لمصر وفي سوريا وغيرهم.
المكون الرابع والأخطر هو المكون الصهيوني أو «إسرائيل» التي تعد لاعبا رئيسيا ومنافسا مركزيا لمستودع “الهوية العربي” ويسعى لتفكيك حاضنته وتفجير مكوناته لصالح صعودها الناعم والخشن، الخشن عن طريق الحروب والصراعات كما كان يحدث في القرن الماضي ومع لبنان وسوريا وإيران حاليا.
والأخطر صعودها الناعم حاليا عبر «الاتفاقيات الإبراهمية»، وخطاب «الاستلاب للصهيونية»، الذي يقدمه مثقفون عرب على أزمة مع مستودع هويتهم، حيث تسعى الصهيونية حاليا للتمدد الطائفي/ الديني في مدينة القدس والمسجد الأقصى، وتسعى للتمدد العسكري «الناتو الإقليمي»، والتمدد الاقتصادي والثقافي والسياسي عبر الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن.
ويوضح حاتم الجوهري أن فلسفة «إدارة التناقضات» في اللحظة التاريخية الحالية؛ لابد أن تعتمد على ثلاثة مقاربات: التسكين- الكبح- المشترك، أولا تسكين المواجهة مع بعض المكونات (التركي/ الإيراني)، وضبط التقدم وكبح صعود بعض المكونات الأخرى (المركزية السوداء والصهيونية)، والعمل لزيادة مساحة «المشترك الثقافي» بين الدول العربية بعضها البعض.
وعلى المستوى العالمي؛ أشار الجوهري إلى أن التناقضات الدولية لها مصالحها المتضاربة في الإقليم العربي التي تقوم على تفجير التناقضات، مشيرا لتعيين مبعوثة بريطانية للقرن الأفريقي بعد شهور قليلة من تعيين مبعوث صيني، وبعد حوالي عام على تعيين مبعوث أمريكي! ليتشكل محور صيني/ روسي يواجه محور أمريكي/ بريطاني، ولكل منهم مصالحه الخاصة التي لا تهتم بالحرص على المصالح العربية وقد يكون تفجير تناقضات «مستودع الهوية» العربي في صالحها، كما حدث في جنوب السودان وفي الصومال وفي جيبوتي، وفي ملف سد النهضة.
وتناول الجوهري ما يحدث في المغرب العربي وتفجير تناقضات «مستودع الهوية» إرث مرحلة ما بعد الاستقلال، في ملف الصحراء المغربية الذي وظفه ترامب لاستقطاب المملكة المغربية لتوقع على الاتفاقيات الإبراهيمية، وأثر ذلك على علاقتها مع الجزائر التي زاد التوتر معها كثيرا، ثم أثر هذه العلاقة على مصر التي دعمت المغرب ورد الفعل الجزائري الذي انعكس في ملف سد النهضة على مصر.
وختم حاتم الجوهري تصريحاته بأن اليمن هو بوابة البحر الأحمر الجنوبية والحارس على باب المندب ويمثل أهمية كبيرة لمصر، ويقع في مواجهة القرن الأفريقي، وسوف يكون من صالح جميع الدول العربية العمل على تسكين التناقضات التي تفجرت في مستودع الهوية الخاص به، وكبح الشارد منها، والتأكيد على مساحة المشترك فيها، مشيدا بمشروع «هندسة المصالح» اليمنية وأنه يتقاطع كثيرا مع مشروع الدراسات الثقافية العربية المقارنة، الذي طرحه أخيرا، وترأس من خلاله مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر وتونس، داعيا إلى إقامة مؤتمر موسع للمشترك الثقافي بين مصر واليمن يخدم اللحمة العربية، والوعي بـ«إدارة التناقضات» القائمة بها، في لحظة حضارية شديدة القلق تسعى للبحث عن آفاق أرحب للمستقبل.