نشر الدكتور حاتم الحوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجماعات المصرية، والمشرف على المركز العلمي للكتاب بهيئة الكتاب، دراسة في العدد الرابع من مجلة “حروف الضاد” التي تصدر من فلسطين، بعنوان (إشكالية الصورة الذهنية لمصر.. جدل البطل الشعبي والبطل المضاد.. فترة ما بعد 2011م أنموذجا).
وهي دراسة تتناول مفهوم القوة الناعمة لمصر من خلال صورة البطل المقدمة في الفن الدرامي والغنائي، حيث ترى أن القوة الناعمة للدول تقوم خارجيا على صورتها الذهنية عند الآخرين التي عادة ما ينقلها الفن عبر الأغاني والسينما والدراما بشكل خاص من خلال تقديمه لصورة البطل؛ وداخليا تؤثر الصورة النمطية أو التكرارية للبطل في المجال العام على تصور جموع الناس ومفهومهم عن أنفسهم وعن البطل القومي المعبر عنهم أو ما يمكن تسميته بـ”صورة الذات”، وترى الدراسة أن الصورة الذهنية لمصر قد تضررت بشدة خارجيا وداخليا في الفترة الماضية من خلال تكرارية تقديم (البطل المضاد)، وتحويله إلى الشخصية النمطية التي تقفز للذهن مباشرة عند الحديث عن مصر.
من ثم اهتمت الدراسة بتناول الأسباب الكامنة وراء صعود هذه الصورة والبحث في كيفية تجاوزها، وتقديم صورة ذهنية جديدة تعبر عن صورة البطل الشعبي القيمي الذي يجتمع حوله الناس، بما يعيد إصلاح الصورة الذهنية لمصر كقوة ناعمة خارجيا وكقوة ذاتية دافعة داخليا، وتحديدا إشكاليات هذه الصورة وتأثيراتها العامة في فترة ما بعد عام 2011م وحتى اللحظة الراهنة، من خلال الحاصل في الفن الدرامي والسينمائي والغنائي، والجدل حول ظاهرة (صورة البطل الشعبي) القيمي التاريخي وتدافعه حضورا أو غيابا مع صورة البطل الشعبي المضاد والمشوه التي صعدت في تلك الفترة، مثيرة الكثير من الرفض والاستنكار العام بين الناس.
وطرحت الدراسة إشكاليتها في البحث عن الأسباب الكامنة والمضمرة التي أدت لصعود أو إلى “صناعة النمط” المشوه للبطل المصري المضاد والتأكيد عليه، وما الدوافع التي تقف خلف تغيب صورة البطل الشعبي القيمي في تلك الفترة وتغييب النسق القيمي المرتبط به تاريخيا بوصفه الحارس على (مستودع الهوية) المصري وطبقاته المتعددة، وبوصفه التعبير عن (الكتلة الجامعة) التي تحافظ على ترابط هذا المستودع، وفي السياق ذاته قدمت الدراسة فرضية واختبرتها عبر مباحثها تشي بأن السبب الكامن وراء هذا النسق القيمي الذي يعبر عنه صعود البطل المضاد والتأكيد على صورته الذهنية في مصر، يرتبط بأن البطل الشعبي القيمي بوصفه الحارس على (مستودع الهوية) المصري والتمثل لـ(كتلته الجامعة) عبر التاريخ، ارتبط في هذه المرحلة بثورة 25 يناير والشكل المستقل لها، وأن الاستقطابات والتدافعات السياسية المرتبطة بثورة 25 يناير كانت هي الدافع وراء تغييب صورة هذا البطل الشعبي، لأنه عبر عن حلم شعبي لم تقف خلفه قوة سياسية كافية، بقدر ما حاول الجميع تقديم رواية ترفض هذا البطل الشعبي، ورأت إما تقديم البطل الشعبي في صورة البطل المضاد المشوه أو تغييبه تماما.
ووصلت الدراسة لذروتها عندما طرحت فرضية بديلة بوصفها تهتم بالدراسات الإنسانية باعتبارها دراسات مستقبلية لحل الإشكالية التي تناولتها، وهذه الفرضية تقوم على فلسفة استعادة (المشترك المجتمعي) الغائب في المجتمع المصري، وضرورة الاكتفاء بهذا القدر من تفجير التناقضات التي وصلت إلى مستوى حرج من الخطورة على السلم الاجتماعي، بسبب الترويج لصورة البطل الشعبي المضاد المشوه في السينما والدراما والمجال الأغنائي.
واتبعت الدراسة منهج (البحث الثقافي) الذي ينظر في الأنساق القيمية الكامنة والمضمرة التي تحملها الأعمال الفنية التي تناولتها، ولكنها لا تنتصر لمنهج “الدراسات الثقافية” التقليدي الذي نشأ في أوربا وتأثر به العالم العربي والانتصار لفكرة الهوامش وتمثلاتها، بل على العكس تستعيد هذه الدراسة –فق تصورها- الوجهة الصحيحة لـ(البحث الثقافي) عبر الانتصار لـ”قيم المتون” الحضارية التاريخية، وبحثها عن تمثلاتها داخل القاعدة الشعبية وتعبيرها عنها، من خلال فلسفة “المشترك المجتمعي” كحالة معرفية عامة و”قيمة عليا” تقف الدراسة في صفها في القرن الحادي والعشرين، لمحاولة تجاوز “المسألة الأوربية” وهيمنتها المعرفية باتجاه نماذج معرفية أكثر تعبيرا عن الذات العربية وواقعها الخاص.
وقد تناولت الدراسة فكرتها وفرضياتها في ستة مباحث هي: البطل المضاد/ المتكيف ونظرية الفن فى الدراما المصرية- تيه البطل الشعبي فيما قبل 2011م مباشرة- الصورة المركزية للبطل المضاد بعد الثورة.. محمد رمضان نموذجا- البطل المضاد في الأغنية الشعبية- العنف وتطويب البطل المضاد.. مسلسل رحيم أنموذجا- ما بعد مسلسل الاختيار والفرصة البديلة لصورة البطل الشعبي.