أخبار

أيام لا تُنسى: زكريا شحاتة .. أحد أبطال حرب أكتوبر يروى ذكريات مشاركته فى ملحمة النصر

انتصرنا .. وأصبحنا حديث العالم

أبطال مصر حطموا أسطورة الجيش الذى لا يُقهر وعبروا خط بارليف المنيع

وصف العالم حرب أكتوبر المجيدة بالإعجاز العسكرى لتغلبها على أعظم مانع دفاعى وساتر ترابى على جانبها الشرقى بارتفاع 20م بالإضافة إلى الألغام والموانع الصناعية والدشم ونقاط الخط الدفاعى الحصين المدعومة بالصواريخ بأنواعها المختلفة والمدفعية الثقيلة.

تأتى ذكرى انتصار حرب أكتوبر 1973 المجيدة، العاشر من رمضان 1393هـ من كل عام، حيث بدأت بهجوم مفاجئ من قبل قوات الجيش المصري على القوات الإسرائيلية في سيناء من جانب، والجيش السوري على القوات الإسرائيلية في هضبة الجولان من جانب آخر، ليسجل التاريخ هذا الحدث العظيم باسم نصر أكتوبر أو حرب العاشر من رمضان، ويستعيد فيها الضباط والجنود ملحمة الانتصار التى خاضوها من أجل تحرير أرض سيناء والتي سطرها أبناء مصر لتظل ذكرى خالدة على مر التاريخ يتناقلها الأجيال.

 

زكريا شحاتة

التقت “شارع الصحافة” بأحد الأبطال المشاركين فى حرب أكتوبر الجندي زكريا شحاتة أحمد من السيدة زينب بالقاهرة وحاصل على بكالوريوس التجارة، التحق بسلاح الحرب الكيماوية بقيادة الفرقة ١٨ التى عبرت قناة السويس وحطمت خط بارليف وسط هتاف “الله أكبر” التى هزت أرض سيناء أثناء العبور.

أجرى الحوار/ محمد السيد محمدى

يقول زكريا فى بداية الحوار: تبقى انتصارات أكتوبر المجيدة شاهدة على بسالة وعبقرية العسكرية المصرية وإرادة صلبة وعزيمة وتحدى الجندى المصرى، ولا تزال هذه الانتصارات تُدرس في المؤسسات والأكاديميات العسكرية العالمية بوصفها أنجح عمل عسكرى فى التاريخ، فقد رأت كل النظريات العسكرية قبل حرب أكتوبر استحالة عبور المانع المائي لقناة السويس واقتحام خط بارليف المنيع، لكن الجنود المصريين فعلوها وعبروا واقتحموا. وستظل حرب أكتوبر ملهمة للمصريين ليأخذوا منها أهم دروس حياتهم وهو أن بقاء المصريين على قلب رجل واحد يحقق لهم الانتصار في أي معركة. فالانتصارات التي حققتها القوات المسلحة المصرية في أكتوبر تمثل معجزة لا تتحقق إلا على أيدى الجندى المصرى قاهر المستحيل.

 

وتذكر زكريا شحاتة: تحركنا من المعسكر بالقاهرة إلى الإسماعيلية وتوجهنا إلى القنطرة غرب للتدريب على التخلص من المواد الكيماوية المُحرمة دوليًا والتى كان يستخدمها العدو، ومكثنا على خط بارليف وأمامنا أكبر خط مائى عريض (قناة السويس) وأمامها أكبر ساتر ترابى وخلفه أكبر حقل للألغام. وكنا نتبادل الحديث مع بعضنا من الجنود، هل سيأتى اليوم الذى سنعبر فيه هذا الخط المنيع. ولكن القادة المصريين المحبين للوطن كانوا على دراية تامة وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى تحمل المشاق الكثيرة من أجل الانتصار بالتخطيط السليم والصبر والإيمان.

فما قامت به القوات المسلحة بعد هزيمة يونيه ٦٧ من بناء الفرد المقاتل وإعداده إعدادًا سليمًا لخوض معركة الكرامة واسترداد الأرض أتى بثماره التى ظهرت خلال الملحمة البطولية لمقاتلي القوات المسلحة التى أظهرت الشجاعة والتضحية والمعدن المصرى الأصيل الذى يستمده من صفاته الموروثة عبر تاريخه الممتد، وتحقيق الانتصار في حرب أكتوبر التى أذقنا فيها العدو الإسرائيلي مرارة الهزيمة منذ اليوم الأول بدءاً من اختيار ساعة الصفر والضربة الجوية المركزة التى شلت ذراع العدو الطولى وأفقدته التوازن إلى نيران المدفعية على طول شاطئ القناة، وسطرت القوات المسلحة أروع ملحمة عسكرية في التاريخ وحطمت أسطورة الجيش الذى لا يُقهر.

 

أكد زكريا شحاته أن توقيت حرب أكتوبر كان غير عادى لأنها انطلقت الساعة ٢ ظهرا وهو ما يمنح القوات المسلحة ٥ ساعات تستطيع أن تنجز خلالها عدة عمليات واستغلال الليل في إنشاء الكبارى وعبور القطع الثقيلة والمدفعية وعند بدء ساعة الصفر قامت القوات الجوية بضرب ٣٥ هدفًا، وقد حددنا مواقعنا منذ الليلة السابقة واستغللنا الضربة الجوية وجهزنا القصف، والغريب أن كل أجهزة اللاسلكي كانت مشوشة ومشوشرة، وبمجرد وصول الصواريخ على الهدف الذي قمنا بضربه أصبح الاتصال عبر أجهزة اللاسلكي فى منتهى الدقة والنقاء.

كانت اللحظة الدفاعية للعدو الإسرائيلي في سيناء تعتمد على استخدام أسلوب الدفاع المتحرك الذى يتلاءم مع طبيعة الأرض وإمكانات العدو البشرية بما يمكنه من الاحتفاظ بأكبر احتياطات على أعماق مختلفة والمواجهة بعدد أقل من القوات. كما قام بإنشاء خط بارليف والذى هيأ له قدرات نيرانية وهندسية بحيث يصعب اقتحامه ويمكنه من تكبيد القوات المهاجمة خسائر فادحة وزادت قوته باستناده على المانع المائي (قناة السويس) مما جعل العديد من النظريات العسكرية تقر بأن اقتحامه يعد أمراً مستحيلاً. وشرع العدو فى إنشاء عدد من النقاط الحصينة في الأماكن المتحكمة في محاور التقدم الرئيسية، وتم تجهيز المواقع بتجهيزات هندسية من دشم وملاجئ ومرابض نيران للأسلحة والدبابات ونقاط للشئون الإدارية ومخازن ونقاط إسعاف تحت الأرض كما زودت بأبراج مراقبة ومزاغل للأسلحة وبعضها مجهز بخزانات تحوى مواد حارقة شديدة الاشتعال لضخها فى مياه القناة فى حالة التعرض لأى هجوم فضلا عن أن التجهيز الهندسى يوفر الحماية بداخلها ضد أي تهديد كما يتوفر بها احتياطات من الأسلحة والذخائر والشئون الإدارية التى تمكنها من الصمود لفترات طويلة.

 

ومع بدء الضربة الجوية وتحت ساتر التمهيد النيرانى لنيران المدفعية تم دفع مجموعات اقتناص الدبابات مع الموجة الأولى للعبور لتصل إلى الشاطئ الشرقي للقناة للتصدى لدبابات العدو التى حاولت التقدم لاحتلال مصاطب الدبابات وتم تدمير ثلاثة منها فيما انسحبت باقى دبابات العدو هربًا من المواجهة. ثم جاءت الأوامر بتقدمنا (مجموعة الاقتحام) لنهاجم النقطة بالمواجهة واحتلال المجموعات الساترة لمواقعها وبمجرد وصولها لمسافة ٣٠٠ مترا فتح العدو الموجود النيران مما أدى إلى فقد قدراتنا على الاستمرار في التقدم ولكن استمرت المجموعات الساترة فى منع أي قوات للعدو للوصول للنقطة القوية.

وفى أول ضوء يوم ٧ أكتوبر صدرت الأوامر بتعديل القرار ليتم اقتحام النقطة من الخلف والأجناب وقبل بدء العملية تم دفع أول دورية فى أول ضوء ٨ أكتوبر لتفتيش نقطة البوليس الدولى المجاورة للنقطة القوية وتم القبض على ضابط اتصال إسرائيلى يقوم بتوجيه طيران ومدفعية العدو لقصف قواتتا والمعابر. وقامت مجموعات الاقتحام بمهاجمة النقطة للمرة الثالثة من الخلف والأجناب وبعد معركة شرسة تمكنت مجموعات الاقتحام من اقتحام النقطة القوية حتى تم تطهيرها تماماً، وتم رفع العلم المصرى خفاقًا فوق النقطة القوية عند علامة ١٤٩ كيلو مترًا، وتكبد العدو خلال هذه المعارك وحتى الاستيلاء على الموقع ٨ دبابات و٣١ قتيلاً وعربة نصف جنزير و٢١ أسيراً و٢٠ سيارة، ولأول مرة تفر القوات الإسرائيلية أمام القوات المصرية ومنهم من كان يُسلم نفسه وتركوا مواقعهم.

وأضاف زكريا شحاته: أن ذلك حدث بروح العزيمة وإرادة وقوة وهدف واحد فمصر كلها كانت على قلب رجل واحد. وهو ما يؤكد عليه دائمًا الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى يطلب منا جميعاً أن نكون على قلب رجل واحد ويقول: أنا أحارب بيكم الدنيا كلها طالما أيدينا في إيد بعض وعايزين نقدم شىء لمصر وهو ده سر الانتصار في كل المعارك. لأن مصر هى بلد الأمن والأمان ذكر الله جندها في القرآن الكريم، فهم خير جنود الأرض، وسوف تظل مصر بلد الأمن والأمان.

وبعدها انتابتنى حالة من الفرحة والسعادة الغامرة وأنا أسمع صيحات الله أكبر التى انطلقت من حناجر القوات المسلحة بطول القناة داخل سيناء والتى تسببت فى حالة من الرعب فى قلوب الأعداء من الجيش الإسرائيلى.

وأضاف زكريا شحاتة، نفذنا العديد من العمليات خلال أكتوبر 1973، وفى يوم السادس من أكتوبر شاهدنا الطائرات المصرية تضرب مواقع العدو وقوات المهندسين العسكريين تبدأ فى العبور، وفى الساعة الثانية والنصف بدأت قوات المشاة التى كنت أحد جنودها فى العبور وسط هتافات “الله أكبر…الله أكبر” والتى كانت تهز الأرض من تحت أرجلنا وتشعل حماسنا. وهذا فخرا لى أن أرجع بذاكرتى لما حققه أبطالنا فى سيناء وعلى خط بارليف المنيع الذى دُمر وعبرت عليه قواتنا المسلحة الباسلة وأذكر لأولادي وأحفادي كيف عبر جنودنا القناة وحققوا النصر لمصر.

ووجه شحاتة رسالة مهمة للشعب المصرى بقوله: ضحينا بدمائنا وأرواحنا واستشهد شبابنا الذين ماتوا فى عمر الورود على أرض مصر الطاهرة، خافوا على بلدكم وحافظوا عليها، فمصر لم ولن تُهزم بحفظ من الله عز وجل وجيشها الذى لا يُقهر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى