أدب وثقافة

عريس السماء .. إهداء إلى روح الشهيد مصطفى محمود (بقلم: سهير الجارحي- مصر)

(1)

نظرتْ إليه بحنان وحُب لا يخلو من الشوق، وهي في أروع ما تكون، قالت:

تأخرتّ عليّ، انتظرتُك طويلًا، كنتُ أعدُّ الدقائق مُتلهفة للقائك.

استغرب! هل حقًا كل هذا له هو، لم يصدّق نفسه، هل حقا تقصدني؟!

أطال النظر إليها.. سناها يُداعب عينيه كأنه يحلم، قرأتْ ما يدور بخلده.

-نعم.. كل هذا لك؛ استحققتَه بجدارة.. هذا من فضل ربّك، لكن لم تخبرني لِمَ تأخرت.!

رد:

-ما تأخرت؛ هذا موعدي، كان السفر شاقا مؤلما، لكن بفضل الله تحملته واجتزته، وها أناذا معك..
هل حقا كنت تنتظرينني؟ وما هذا القصر؟؟

ابتسمتْ؛ فأضاء وجهها المكان على كثرة سناه.

أجابت بـ رِقّة:

-نعم كنت أنتظرك، ملأني الشوق وهذا القصر مِلكٌ لك وحدك، وأنا كذلك.

مدَّت يدها إليه.. اللآلئ تضيئها كما يضئ التاج الذى يزين رأسها المكان حولهما.

أخدت بيده يمشيان.. تحت أقدامهما تجري المياه، كأنها غديرٌ يتراقص، وعلى الجانبين أشجارٌ لها أوراق، ما رأت عيناه مثلها قط، والعصافير مِن حولهما تغرد بأصوات ساحرة؛ لم يسمع مثلها من قبل، وهو يمشي معها مبهورًا، أهو حلم يتراءى لعينيه، أم واقع يحياه بروحه؟؟

قالت:

-لا أحلام بعد اليوم، بل واقع.. لا تفسد فرحتي بك، كفاني انتظارا واصطبارا.

دخلا القصر.. عيناه لم تدرك آخره، يتجول فى حجراته كأنها من الياقوت والزبرجد، سراير من حرير واستبرق وسندس منمق، تأخذه الدهشة وهي تمسك بيده برفق لطمأنته .. تحتويه بعينيها تقول:

– نعم كل هذا ملكك، هذا عطاء وفضل ربك.

– جلس على أحد الأسرَّة يلتقط أنفاسه، تتجول عيناه في أرجاء القصر، سرح بعيدا، قالت:

– لا تذهب بعيدا.. لن يأخذك منِّي شيء بعد الآن..

فيما تفكر؟؟

– لا شيء؛ تذكرت حياتي، وتمنيتُ أن لو لم تبعدني عنك طول هذا الوقت، ما أسعدنى اليوم بك.

– اليوم عيدك عيدان؛ عيد الفطر وعيد لقائي بك ونزولك قصرك، لا ألم بعد اليوم؛ هذه بلاد الأفراح.

(2)

عُدتُّ من خيالي.. أنا أدري جيدا ما سأكتبه، رأيتُه مرة واحدة وسط جمع غفير غالبيتهم، تجاوزوا الأربعين والخمسين، فيما هو تخطى العشرين بقليل، باسم الثغر، يتهادى بيننا كعصفور خفيف الروح والظل، يلتقطُ لنا الصور، بهاتفه الجوال.

سألتُه:

-هل أنت مقتنعٌ بما تفعل الآن؟

كنتُ أرى أن نظراءه في العُمر، لا مكان لهم بين هذا الحشد، الأوْلى له جلسة سمر مع أصدقاء مقاربين له في السن.

رد بتلقائية ومازالتْ ابتسامتُه تُنير وجهه، ولا زِلتُ أذكرها:

أنا هُنا مِن أجل أبي؛ لكي أكون بجواره، لأسعده.. وهذا يكفيني.

أحببتُ قوله وأحببته.. وكانت هذه المرة الوحيدة التي رأيته فيها، اللهم إلا ما سرح به خيالي..

(مصطفى.. إهداء إلى روحه).

_

إهداء من الأديبة والروائية/ سهير عوض الجارحي؛ عضو

اتحاد كُتّاب مصر- وعمّة المغفور له بإذن الله (مصطفى محمود).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى