ملفاتمميز

العملات والمعاملات الرقمية «بيتكوين».. تأصيل للواقع ورؤية للمستقبل    ( علي الحاروني- مصر)  

فى الوقت الذي تشجيع فيه دول العالم على التعامل الرقمي الذي أصبح وسيلة للاقتصاد فى المال والجهد، وبقدر ما كانت الرقمية وسيلة للتقدم والتحديث ووسيلة  للتواصل الإنساني ومصدراً لإظهار العبقرية والنبوغ فى العلوم والتقنيات والآداب والفنون، إلا أنها كانت في الوقت ذاته مجالاً خصباً لظهور عبقريات خبيثة في مجالات أخرى من قبل العملات المالية الرقمية مثل البيتوكوين والهاكرز والتجسس والسرقة والابتزاز والنصب والاحتيال.

ولعل من مظاهر ذلك اليوم الاستثمار فى العملات الرقمية التى صارت تستعمل فى المبادلات التجارية وفى سوق البورصات وفى المضاربات المالية العالمية ومن قبلها البيتوكوين والتى إرتفعت قيمتها السوقية فى سوق العملات وفاقت العملات العالمية مثل الدولار واليورو والجنيه الإسترلينى.

ولقد استغل البعض هذا التحول والإستثمار  فى العملات الرقمية والتى صارت تستخدم على نظام عالمى فقاموا بإنشاء عملات رقمية مزيفة وبقيم مغرية من قبل الوان كوين والسانت كوين والماتريكس كوين والتى أصبحت ضحاياها بالملايين وقعوا تحت ضغط وأوهام الشركات الوهمية المالية والوسطاء وتحت مسميات التسويق الرقمى والوساطة الرقمية والإشهار الرقمى.

إننا فى الواقع بحاجة إلى العملات الرقمية والتعامل الذى صار اليوم البديل الواقعى والعملى فى ظل تزايد المخاوف على المال المحمول نقداً والذى صار بديلاً عنه إنجاز التعاملات المالية عبر التطبيقات الإلكترونية على الهواتف وعبر الإنترنت ، فضلاً عن الفرص الكثيرة التى تتيحها الرقمية وهو ما يدعو إلى ضرورة التعامل بكل حزم مع العملات المالية الرقمية المزيفة والتى صارت تستخدم فى الإقتصاد الرقمى دون ضابط او رقيب وهو ما يتطلب تأمين الأمن الرقمى والقضاء الالكترونى محلياً ودولياً والتوعية والتربية الرقمية على المستوى الإعلامى والتربوى والدينى …. إلخ

وإزاء خطورة العملات الورقية الإفتراضية أمثال البيتكوين وغيرها لابد من التطرق لتلك الظاهرة من خلال بيان ماهية العملات الإفتراضية ودوافع الإقبال عليها ومخاطر التعامل بها وسبل تأمين التعامل الرقمى فى المستقبل وذلك كله عبر أربعة مباحث رئيسية .

أولاً: ماهية العملات الرقمية الإفتراضية  :

 لقد ظهرت منذ مطلع العقد الثانى من القرن الحالى عملات مالية ورقية ودخولها البورصات العالمية من قبيل البيتكوين خاصة مع إنتشار وإتساع التعامل التجارى عبر الإنترنت والتى شجع على إستخدام وسائط نقدية يسهل تبادلها عبر الحدود دون إجراءات إدارية وقانونية ومالية معقده وان كانت تحمل بين جنباتها العديد من المخاطر حيث قد يتم إستخدامها فى تعاملات غير مشروعة مثل الاتجار بالمخدرات والأٍسلحة أو تمويل المنظمات الإرهابية خاصة فى ظل ما يتمتع به المتعاملون فى العملات الافتراضية بالسرية واخفاء الهوية الشخصية .

ومن أبرز انواع العملات الرقمية الافتراضية البيتكوين والذى تقدم حلاً مبتكراً فى نظم الدفع والعملات الرقمية حتى وصل حجم عملة البيتكوين المتداولة فى السوق الى 7 مليارات بتكوين بمعدل تعامل وصل الى 40 معاملة فى الدقيقة وبلغ متوسط حجم المعاملة 2000 دولار امريكى وبلغ عدد مستخدميها اكثر من 13 مليون فرد حول العالم .

الى جانب ذلك توجد عملة (ليندن دولار) والتى لا يمكن تداولها الا فى العالم الافتراضى على عكس (البيتكوين) حتى وصل عدد اعضائها 11 مليون عضو ووصلت قيمة تداولها الى 567 مليون دولار ولا يمكن تحويلها الى عملة حقيقية الا من خلال  استخدام شركة الصرافة ونظام التبادل الرقمى او البورصة .

وتتميز العملات الافتراضية بعدم وجود اطار قانونى وتنظيمى واضح لها ولا تصدر من اى بنوك مركزية ولا تخضع لرقابة أو إشراف الدولة نظراً لان نشأتها واستخدامها يتم عبر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعى كوسيلة للقيام ببيع وشراء السلع والخدمات الافتراضية وان كانت تلك العملات قد تطورت وتم استخدامها فى عمليات الدفع والشراء والبيع للسلع والخدمات من متاجر  التجزئة والمطاعم .

ثانيًا: دوافع ومحفزات لاستخدام العملات الرقمية:

هناك العديد من الدوافع التى تؤدى إلى زيادة الإقبال على العملات الافتراضية ومن أهمها المحافظة على السرية حيث يتم نظام البيتكوين مثلاً درجة عالمية من إخفاء هوية المستخدمين وإمكانية اللجوء إليه وقت الأزمات الاقتصادية التى تنهار فيها قيمة العملة الوطنية أو تراجعها فى الوقت الذى لا تفقد العملات الافتراضية قيمتها هذا علاوة على غياب الوسطاء حيث لا توجد حاجة للاعتماد على البنوك لتسهيل المعاملات المالية وهذا ما يؤدى على تشجيع زيادة حجم المعاملات والتجارة الإلكترونية ولذا فإن نظام “البيتكوين” أفضل من بطاقات الإئتمان حيث يشجع على التجارة الإلكترونية وعلى توليد أنواع جديدة من التجارة لم تكن موجودة من قبل حيث أنشات العديد من الشركات التى توفر فرصاً لتبادل البيتكوين بعملات مالية والعكس وكذلك تأسست شركات لتبادل “بيتكوين” بسلع وخدمات أو تحويلها من شخص لآخر.

ثالثاً : تداعيات ومخاطر حول العملات الرقمية:

هناك العديد من المخاطر التى تكتنف التعامل بالعملات الإفتراضية ومنها غياب الهيكل التنظيمى والمؤسسى والقانونى لتلك العملات مما يكون هناك صعوبة فى رصد وتتبع ورقابة مستخدمى هذه العملات وبالتالى هناك مشكلة عند تحديد الإختصاص القضائى فى حالة وقوع جرائم إلكترونية من جهة فضلاً عن عدم تسجيل المعاملات المالية بالعملات الرقمية الإفتراضية وهو ما يعطى المستخدمين القدرة على شراء السلع والخدمات من دون أى تدخل من الحكومة ويتيح لهم إخفاء الهوية والبيانات الشخصية مما يزيد من المخاطر الأمنية

هذا إلى جانب عدم إستقرار وضعها كعملة حيث لم يتم الإعتراف الرسمى بهم حتى الآن, مع إستخدامها من جانب الجماعات الإرهابية والإجرامية لتجنب الأنظمة المعروفة لمكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب خاصة أنه يمكن من خلال تلك العملات القيام بتحويلات مالية من دون الإفصاح عن الهوية فى ظل غياب الرقابة والمتابعة لها.

إلى جانب تذبذب قيمتها وخطر الإنخفاض المفاجئ لسعرها وهو ما قد يؤثر على إستقرار حجم وقيمة الإستثمارات وإحتمال التعرض للإحتيال من خلال منصات التداول والتى من المحتمل تعرضها للقرصنة أو الإفلاس وبالتالى لا يوجد ضمان أو حماية للإيداعات من العملة الإفتراضية علاوة على أن العديد من الإقتصاديين والمؤسسات الأوروبية المصرفية الكبرى تشكك فى ” بيتكوين” والذى هو أكثر رواجاً حتى الآن لما تحمله من مخاطر عالية ولإفتقادها معايير وشروط العملة الشرعية.

رابعّا: آليات وبرامج تأمين التعامل الرقمى المالى:

هذه الأشكال من الإجرم الرقمى تجعل الناس يفقدون الثقة فى التعاملات المالية الرقمية عبر الإنترنت والبوابات الإلكترونية وهو ما يتطلب ضرورة المتابعة القضائية للنصابين وفرض المراقبة الدائمة على المواقع الإلكترونية من خلال تفعيل الأمن الإلكترونى والقضاء الإلكترونى. إضافة إلى ضرورة تأمين التعامل الرقمى سواء على المستوى المحلى من خلال القضاء المحلى أو دوليا” من خلال تفعيل دور الأمم المتحدة فى متابعة الشركات التى لا تضع معايير دقيقة وضمانات للعملاء ولا تؤمن المعلومات الشخصية التى يجهل الكثيرون كيفية التحكم فيها.

إننا في الواقع بحاجة إلى هذا التعامل الرقمى الذى صار اليوم صلب الإقتصاد الرقمى وهو ما يتطلب وضع حد للجريمة الرقمية والعمل على تفعيل القضاء الإلكترونى محليًا ودوليًا فضلاً عن القومية الدينية والإعلامية والتربية الرقمية للمدرسة لتعزيز التعامل الرقمى بشكل آمن علاوة على ضرورة التثقيف الإدراى والخبرة الإلكترونية والتكنولوجية والمعلوماتية والمالية لإستخدام العملات الإفتراضية, ولكن هذا لا يمنع من وضع الدول العديد من الضوابط الإقتصادية والتجارية لاستخدامها لإحكام الدول على المقدرات المالية الخاصة بإقتصادياتها.

علي عبدالفتاح الحاروني- مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى