من المُفترض أن شبكة الإنترنت هي لغة العصر، ووسيلة التواصل التي تتجاوز حدود الزمان والمكان، من أجل الوقوف على ما يجرى من حولنا من أخبار وأحداث وأحوال يومية، لكن كثيرا من الناس- وبصفة خاصة الشباب من الجنسين- يسيؤون استخدامها؛ ومن هُنا تنشأ المفاســـد، وتسقط الحواجز والضوابط الشرعية، التي يشدد ديننا الحنيف على ضرورة الالتزام بها.. وللأسف الشديد، قد يفتح الاستعمال غير الأخلاقي لهذه الوسيلة، أبواب الشر ومصاريع الفتنة؛ بحيث تتهدد البيوت الآمنة، وتنفك عُرى العائلات التي كانت في يوم ما، هادئة وهانئة ومستقرة.
الأحاديث والحوارات التافهة المسماة بـ”الشات”، داخل ما يُعرف بـ (غرف الدردشة)، على الفيسبوك مثلا، قد توقظ شيطان الفاحشـــة، فتشجع هذا على الانحراف أو تدفع هذه إلى خلع بُرقع الحياء .. وبطبيعة الحال، قد يترتب على هذا الأمر نتائج كارثية، لا سبيل إلى إيقافها أو درء مخاطرها إلا بشق الأنفس، وخراب الدار، وحينئذ لا تفيد التراجع، أو تُجدي العودة إلى سابق الزمان.. هكذا يؤكد الشيخ رمضان إبراهيم الخطيب والواعظ بوزارة الأوقاف.
ويوضح الشيخ رمضان أن هناك ضوابط تحكم وتحدد علاقة الرجل بالمرأة، وهي بالأساس علاقة يُفترض أنها سببية، أي إذا كان هناك سبب مقبول ومشروع للتعامل فلا بأس من التعامل، لكن إذا لم يكن هناك سبب فيستحسن ألا يكون هناك تعامل.. ويعني هذا أن مسألة “الضوابط”، أمر في مُنتهى الأهمية، فإذا تغاضينا عنها، نكون تعدينا على حدود الله.
ويرى د. أحمد عشماوي (إمام وخطيب بالأوقاف)، أن الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي- على وجه العموم- لا يقتصر على الشباب، وإنما أيضا ينضم إليهم كثير من كبار السن، الذين لا يتقون الله في أنفسهم ولا في أهل بيتهم؛ ومن ثم تُرتكب الموبقات، ولا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حيث يُراق على جوانبه دم الرذيلة، ويسقط لحم الأخلاق والفضيلة، بجميع أركان وجوانب غُرف الشات.
ويؤكد كثير من علماء الدين- ومنهم الشيخ محمد عبدالمنعم السيد المدير العام بالأوقاف- أن “الشات” مصيبة وكارثة فظيعة، لأنه يشجع ضعاف النفوس على التبجح والتجرؤ على انتهاك الحرمات ونثر الوعود هنا وهناك، دون الحفاظ على أي ذرّة من الحياء .. ويشير إلى أن “الشات” يحتوي على كلام مُخجل وأحاديث تنضح بالألفاظ السافلة وأحيانا الصور والمقاطع النتنة، تحت ستار الصداقة بين الشاب والفتاة أو الرجل والمرأة عموما التي هي محرمة؛ استنادا إلى قول الله تعالى: “محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان”.. وقال تعالى في الرجال: “محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان”.. ومحصنات معناها متزوجات غير مسافحات.. أي لا يقترفن الزنا، ولا متخذات أخدان أي ليس لهن أصحاب ذكور.
وينبه الشيخ علي إبراهيم كبير مفتشين بالأوقاف، إلى أن الحديث بين الجنسين (ولو عبر الإنترنت) ممنوع لخطورته مهما كانت النيات طيبة؛ على اعتبار أن له- من وجهة نظره- انعكاسات خطيرة تتسلل للنفس مع نزعات إبليس، مشددا على أنه يتعين تجنبها، إلا في حدود الضرورة وبكامل الاحترام وعلى مرأى من الأهل وعلى مسمع منهم.
ويقول الشيخ علي الغباشي (إمام وخطيب بالأوقاف) إن الله- جلَّ وعلا- نهى النساء – عندما يخاطبن الرجال أو حين يسمعون كلامهن- عن لين الكلام وترقيقه والرضوخ فيه، وعن الكلام الذي فيه ما يعجب الرجال ويميلهم إلى النساء، حيث أمرهن الله أن يكون قولهن جزلاً وكلامهن فصلاً ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين؛ لئلا يطمع أهل الفجور، ومن في قلبه مرض.
وفي هذا الصدد، يقول الإمام السعدي: “فهذا دليل على أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإن الخضوع بالقول واللين فيه في الأصل مُباح ولكن لمّا كان وسيلة إلى المحرم مُنع منه، ولهذا ينبغي للمرأة في مخاطبة الرجال أن لا تلين لهم القول”، وقال الإمام البغوي: “والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب”. ويقول الإمام الشنقيطي: ومما يدل على أن المتعرض لما لا يحل من النساء من الذين في قلوبهم مرض قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: 32].
ومن جانبه، يرى الشيخ علي إبراهيم وكيل إدارة بالأوقاف أنه من المعلوم أن ميل الرجال إلى النساء موجود في الفطرة، وبالتالي يجب على المرأة قبل أن تفكر في مثل هذه المحادثات على (الشات)، أن تتأمل في خطاب رب الأرض والسماوات، الذي خلق البشر وهو أعلم بتركيبهم وفطرهم وبما فيه صلاحهم وفسادهم.. وعليه فإن المحادثة بين الجنسين- كما يقول الفقهاء- إذا كانت المرأة أجنبية عن الرجل وليست زوجةً أو محرماً له ولو بالكتابة فقط، باب من أبواب الشيطان، وخُطوة في طريق الزلل والتدرج في خطوات الشيطان، والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: 21].
والمؤكد أنه قد يترتب على هذه المحادثات- كما يبين الشيخ محمد رمضان إمام بالأوقاف- الدخول في مكائد الشيطان فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ وسواء كان الحديث على الحقيقة أو المجاز، فإن هذه المحادثات ينفذ من خلالها الشيطان فيغوي أصحابها، ويزين لهم سبل المحرمات.. ويقينا فإن هذه المحادثات معول هدم للبيوت الرفيعة، ومن أشنع المحرمات.
ويلفت علماء الدين إلى ما يترتب على هذه المحادثات من خدش حياء المرأة والتجرؤ على مثل ذلك فيهون عليها ويسهل عليها غيره، والأصل في الشريعة صيانة كل نفس عموماً والمرأة خصوصاً من كل ما يخدش حياءها وعفتها بالابتداع عن ما يؤدي إلى المحذور، لهذا كان الحياء من الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الإيمان بضع وستون شعبة والحياء شعبة من الإيمان».
ويوضح علماء الدين أن المرأة التي تعمد إلى محادثة الرجال الأجانب بما يسمى “الماسنجر” تتعرض لخدش حيائها بل لزواله فإذا زال الحياء فلا يحول بين الإنسان وبين الفحش شيء.. وهذه المحادثات بين الرجال والنساء الأجانب فيها معنى الخلوة، ومما اختصت به المرأة الابتعاد عن الخلوة مع الرجل مهما كانت على درجة من التقى ومهما كان الرجل كذلك؛ لأن هذا أمر متعلق بطبيعة المرأة وطبيعة الرجل.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خطبنا عمر رضي الله عنه بالجابية فقال يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: «أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يفشوا الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد من أراد بحبوحة الجنة فيلزم الجماعة، من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن»، فالحديث فيه صفة العموم لكل من يصدق عليه اسم رجل واسم امرأة فلا يجوز الاستثناء من هذا العموم لأي سبب كان إلا لضرورة؛ لأن للضرورة أحكامها الخاصة بها.
وعلى افتراض أن هذه المحادثات بين الرجال والنساء الأجانب لا تُخل بالأدب- كما ينوه د. حسام محمد مدير عام بالأوقاف فإن أقل أحوالها أنها من مواطن الشبهات والريبة، وبالتالي فهي تقود إلى الحرام وتثير الظنون السيئة حول من يمارسها ويقدم عليها فلزم الابتعاد عن هذه المواطن والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «دع ما يريبك إلى مالا يريبك»، ويقول: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام».
والعجيب والمريب أنه قد يزعم بعض الشباب أو الفتيات، بأنه يثق في نفسه عندما يُجري محادثات على “الشات”، فيُقال له أولاً: هذه ثقة عمياء يزينها لك الشيطان وهي من وسائله وخطواته في الإغواء والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ﴾ [النور: 21]، فلا تغتر بها، بل إنها من الغرور والإعجاب بالنفس والتزكية لها، وهذا مرض من أخطر أمراض النفوس فيجتمع عليك أشد الأعداء وهو الشيطان ونفسك فإياك والغرور.
يقول الله في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6]، فهذه الآية تدل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر أهله بالمعروف والخير وينهاهم عن المنكر والشر ويعلمهم الدين وما لا يستغنى عنه من الآداب ليقيهم بذلك من النار(36)، قال الإمام ابن كثير: “أي مروهم بالمعروف وأنهوهم عن المنكر ولا تدعوهم هملا فتأكلهم النار يوم القيامة”، وقال الإمام الواحدي: “أي: خذوا أنفسكم وأهليكم بما يقرب من الله تعالى وجنبوا أنفسكم وأهليكم المعاصي”.
زر الذهاب إلى الأعلى