مقالات

للفقيد الرحمة !! (بقلم: إسماعيل محمد- مصر)

لماذا نهتمّ إذا لم يفهم الآخرون تصرّفاتنا؟ إنّ مطلبهم بأن نفعل فقط ما يُمكنهم فهمه هو محاولة لإملاء أفعالنا علينا حتى لو عنى هذا أننا غير اجتماعيين، أو غير عقلانيين، من وجهة نظرهم. وغالبًا ما يستاءون من حُرّيتنا وشجاعتنا على أن نكون ذاتنا، كأن مذهبهم «قابل الرحمةَ بالرحمة، وقابل القسوةَ بالرحمة أيضًا».

 نحن لسنا مضطرّين إلى تقديم إيضاحات عن أنفسنا أو محاسبتها أمام أحد، طالما أن أفعالنا لا تُؤذيهم أو تنتهكهم، كم دُمّرت أرواح بسبب هذه الحاجة إلى التفسير والتي تتضمّن عادة أن يكون هذا التفسير مفهومًا للآخرين.

 

دعهم يحكمون على أفعالك، ومن أفعالك تظهر نياتك الحقيقيّة، لكن عليك أن تعرف أن على الإنسان الحر أن يُقدّم تفسيرات لذاته فقط -أيْ لعقله وضميره- وللقلّة ممّن يُمكن أن يكون لديهم حق مبرر، ليقدم التفسيرات لهم، كأن مذهبهم «قابل الرحمةَ بالرحمة والقسوة بالعدل».

عندما ترنو إلى شيءٍ وتأمله -أيّاً كان- وَطِّن نفسك على الاعتدال والاتّزان في طلبه، لا تكن ممن يحصرون رؤيتهم في منظور مُحدّد ولا يكادون يرون سواه، واعلَم بأنّ ما كان لك سيأتيك، وأنّ الله حكيمٌ ولطيفٌ في تقديره، وأنّ الأيام تحمل في جعبتها الكثير، وأنّ الإنسان كل يوم في شأنٍ جديد.

استوقفني الفنان المبدع فريد شوقي الذي ترك إرثا كبيرا خلال رحلته العامرة بالفن المتميز، وبالأخص حين جسد شخصية الزعفراني الحانوتي في فيلمه (للفقيد الرحمة)،الفيلم الذي جاء مغايرا لأصناف الأفلام العربية آنذاك، الفيلم الذي يدور حول المال والصراع والموت والرحمة الخادعة، وكان الزعفراني موفقا في اختتم مشاهد الفيلم بقوله ( للفقيد الرحمة، هو في حد بيموت بيرجع يا بيه).

بإمكان الكلمة الجيّدة أن تكون سيئة إذا قيلت بطريقة خاطئة، وبإمكان الكلمة السيئة أن تكون لطيفة إذا قيلت بطريقة لبقة، الأسلوب هو المفتاح الأول للقبول أو الرفض، وهو البوّابة الأولى للتواصُل والتفاهُم، والرائعون من البشر يدركون ذلك جيّدًا ويختارون أساليبهم بعناية.

أدركتُ أنّ الناس يُحبّون الظلام أكثر مِمّا يحبون الضوء، لأن أعمالهم شريرة؛ فكُلّ مَن يفعل الشر، يكره الضوء ولا يأتي إليه خشية اللوم على عمله. ورأيتُ أنه لكي يفهم المرء معنى الحياة، لا بُدّ أولًا ألّا تكون الحياة بغير معنى وألّا تكون شرّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى