شارع الصحافة/ تقرير- علي الحاروني:
في إطار التوجهات الرئاسية والحكومية بتنمية الريف تنمية مستدامة وفقاً لأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ال (17) بنداً وبما يغطي كافة أرجاء مصر حيث 4500 قرية وأكثر من 28 ألف تابع في 175مركزاً و 20 محافظة وذلك كله تحت مسمى مبادرة (نحو حياة كريمة)، والذي يعد جزءاً من 20 مبادرة رئاسية تم إطلاقها كل الأعوام السابقة ومنها (100 مليون صحة)، (تكافل وكرامة)، (مصر بلا غارمات) …..إلخ.
هذا كله لإيمان الدولة بضرورة تحقيق نوع من العدالة والحماية الإجتماعية والإصلاح السياسي والاقتصادي حيث تنمية الريف ورفع مستويات الخدمات المتنوعة والمتعددة به والقضاء علي العشوائيات، وذلك كله بالتوازي مع زيادة الحد الأدني للأجور والمعاشات وبرنامج تكافل وكرامة ومد مظلة التأمين الصحي والإجتماعي للفئات المحرومة والمهمشة إجتماعياً، مع إعادة هيكلة نظام الدعم.
ويتطلب هذا في المقام الأول تحقيق استقرار أمني وسياسي واقتصادي واجتماعي في الدولة، مع تضامن كافة جهود مؤسسات الدولة حكومية وغير حكومية، متمثلة في مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص ورجال الأعمال.
ويُلاحظ حداثة التجربة المصرية في تحقيق مبادرة نحو حياه كريمة لتنمية الريف حيث تم إطلاق هذه المبادرة في بداية عام 2019م وإطلاق المرحلة الأولي بصورة عملية في 15 يوليو عام 2021م في 52 مركزاً وأكثر من 1400 قرية بتوابعها وبتكلفة 260 مليار دولار وفقاً لدراسات مسحية وعلمية، علي أن يتم تنفيذ باقي الـ 175 مركز إخلال العامين المقبلين.
وكتجربة حديثة لا بد من الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال وعلي رأسها الصين، وهو ما سوف نشير إليه في تقريرنا هذا لنتعرف علي الآليات وبرامج العمل والدروس المستفادة منها.
وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الصين بما لها من ثقل زراعي كبير حيث تمتلك حوالي 7% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، وبما يوازي 140 مليون هكتار تقريباً)، فإن الريف والزراعة والمزارعين في أولويات اهتماماتها المستقبلية، ووفقاً لما يسمي بمرحلة (التنمية الجديدة)، وذلك بعد تخلص جميع القري الصينية من الفقر من حيث الأساس بحلول عام 2020م؛ حيث بلغ المتوسط السنوى لدخل الفرد القابل للإنفاق في المناطق الريفية 17100 يوان وبما يعادل 26307.7 دولار أمريكي (لأن الدولار الأمريكي يوازي 6.5 يوانات حالياً).
وهنا يثور التسـاؤل حول كيفية قيام الصين بتوطن الارتباط الفعال بين إنجازات التخفيف من حدة الفقر ونهوض الأرياف؟
– بداية يمكن القول إن الهدف العام للتنمية الجديدة للصين هو نهوض الأرياف من خلال تحديث الزراعة والمناطق الريفية، في إطار السياسة العامة للدولة لإعطاء الأولوية للتنمية الزراعية والريفية، هذا مع الإستفادة من برامج وسياسات والتجارب الناجحة لتخفيف حدة الفقر، مع ضرورة تحسين قدرة سكان الريف علي التنمية من خلال الإعتماد علي الذات ومراعاه الظروف الخاصة بكل منطقة ووضع خطط التنمية وفقاً لذلك وإقامة عدد من النماذج المتقدمة في الأماكن ذات الظروف والأساس الجيد والنتائج المتقدمة ومحاولة نسخ تلك النماذج وتطبيقها في مناطق ريفية أخري.
يُضاف إلي ذلك لابد من العمل علي نمو وإزدهار الصناعات الريفية، فالتنمية الصناعية من أهم رموز نهضة الأرياف، وهذا يتطلب إختيار الصناعات المتنوعة وتدبير الأموال والخدمات والتدريبات الفنية اللازمة لذلك وتدريب المزارعين ، مع تحقيق الإندماج والتكامل بين المحاور الثلاث ( الزراعة – الصناعة – الخدمات ) وتوسيع سلسلة الصناعة الزراعية. وفي الوقت نفسه، من الضروري تعزيز الربط الفعال بين المزارعين وتطوير الزراعة الحديثة وإدخال إنتاج المزارعين في مسار تنمية الزراعة الحديثة.
ووفقاً للتجربة الصينية لتنمية الأرياف، لا بد من العمل علي تحقيق التناغم بين حماية البيئة وتنمية الإقتصاد أي تقنين إزدهار الصناعات بيئياً وتشريعياً.. هذا علاوة علي ضرورة تنشيط كوادر القري وتحقيق نوع من الإذدهار الثقافي لهم والاستعانة بأكفاء الريف في المناطق الأخري لإعداد وتدريب كوادر القري، وفي هذا السياق يجب استخدام ما يسمونه (الاستقدام من الخارج)، لتعزيز التخصيص الأمثل للأكفاء الريفية للإستفادة من كفاءاتهم في التكنولوجيا والإدارة والتسوق والقانون من أجل ضخ دماء جديدة تساهم في توسيع إنجازات التخفيف من حدة الفقر ونهوض الأرياف ولمساعدة الأسر الزراعية الصغيرة علي التحول إلي المزارع العائلية وفي هذا الإطار ينبغي تطوير الجمعيات التعاونية للمزارعين بشكل منتظم من أجل تطوير المزارع العائلية.
ويمكن استخلاص عديد من الدروس المستفادة من تجربة التنمية الجديدة لنهضة الريف في الصين:-
أولاً:- الأمن الغذائي هو دائماً أساس الأمن الوطني وهذا ما جعلته الصين شغلها الشاغل خاصه مع انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19) وتأثيره علي الإقتصاد العالمي ومن هنا قامت الصين بالاعتماد علي سياسات مقننه وتكنولوجيا مناسبة وقامت باستخدام (البذور الصينية) في زراعة الحبوب الصينية وضمان أمن إمدادات الحبوب الغذائية والقطن والزيت والسكر واللحوم وطرحت سياسات جديدة لرفع إمدادات الحبوب والمنتجات الزراعية الرئيسة حيث أنه من المتوقع إنجاز بناء (البنك الوطني للبذور) هذا العام والذي يمكن الصين من تخزين 1.5 مليون نوع من البذور ومما يجعله أكبر بنك للبذور في العالم من حيث قدرة الحفظ.
ثانياً:- تطوير الإقتصاد الريفي وتحديث الزراعة ووضع الأولوية للتكامل والتفاعل بين الزراعة العالية الجودة والعالية الكفاءة والقري الصالحة للعيش والصناعات وبناء النظام الصناعي الريفي الحديث ودفع التنمية المتكاملة للزراعة والصناعة والخدمات في المناطق الريفية، وعلي أساس ذلك ينبغي تحسين المنشآت العامة والبيئية المعيشية والخدمات العامة في المناطق الريفية ورفع جودة بيئة الاستهلاك في المناطق الريفية وذلك كله لخلق أفضل زيادة للوظائف الإنتاجية وتعزيز حيوية المزارعين.
ثالثا:- ومن الضروري أيضا تحسين بيئة الابتكار وريادة الأعمال في المناطق الريفية وتعزيز قدرة الابتكار وزيادة الأعمال علي دفع التوظيف و تعزيز الدور الابتكاري للتكنولوجيا وتعزيز القوة الدافعة للتنمية الصناعية الذاتية في الريف.
رابعاً وفي هذا السياق وحتي تكتمل صورة التنمية الجديدة في الصين كان لابد من القضاء علي مشكلة صعوبات التمويل وارتفاع تكلفته فيما يتعلق بالأعمال المتعلقة بتنمية الريف والزراعة والمزارعين وتنمية الصناعات المحلية لتوفير قوة محركة للاقتصاد الريفي الجماعي من خلال حث المؤسسات المالية علي تقديم الخدمات المختلفة مثل صناديق الاستثمار لدعم المشروبات الزراعية وتوسيع نطاق القروض المتعلقة بالزراعة مع خفض الضرائب والرسوم لتقليل تكاليف التمويل للزراعة والريف والمزارعين.
وهو ما تطلب أيضا تحقيق نوع من التعاون بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي ورجال الأعمال والقطاع الخاص …. إلخ
خامسا: أن التنمية الحقيقية للريف تتطلب التركيز علي التنمية بكافة مراكز المحافظة بكل قراها وتوابعها حتي تتكامل التنمية الاقتصادية مع الخدمات الاجتماعية ولتحقيق نوع من الاقتصاد الجماعي للقري والمراكز في دائرة المحافظة.